وقال شيخ الإسلام رحمه الله فصل المنصوص المشهور عن أنه الإمام أحمد كما قال لا يدعو في الصلاة إلا بالأدعية المشروعة المأثورة الأثرم : قلت لأحمد بماذا أدعو بعد التشهد ؟ قال : بما جاء في الخبر قلت له : أوليس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { } ؟ قال : يتخير مما جاء في الخبر فعاودته فقال : ما في الخبر . هذا معنى كلام ثم ليتخير من الدعاء ما شاء أحمد .
قلت : وقد بينت بعض أصل ذلك لقوله : { إنه لا يحب المعتدين } وأن بل فيه عدوان محرم والمشروع [ ص: 475 ] لا عدوان فيه وأن العدوان يكون تارة في كثرة الألفاظ وتارة في المعاني كما قد فسر [ أحد ] الدعاء ليس كله جائزا الصحابة ذلك إذ قال هذا لابنه لما قال : اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها وقال الآخر : أسألك الجنة وقصورها وأنهارها وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها . فقال : أي بني سل الله الجنة وتعوذ به من النار فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { } والاعتداء يكون في العبادة وفي الزهد . وقول سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الدعاء والطهور أحمد : بما جاء في الخبر . حسن فإن اللام في الدعاء للدعاء الذي يحبه الله ليس لجنس الدعاء فإن من الدعاء ما يحرم .
فإن قيل : مثل سؤاله : دارا وجارية حسناء . ما جاز من الدعاء خارج الصلاة جاز في الصلاة
قيل : ومن قال : إن مثل هذا مشروع خارج الصلاة وإن مثل هذه الألفاظ ليست من العدوان ؟ وحينئذ فيقال : الدعاء المستحب هو الدعاء المشروع فإن الاستحباب إنما يتلقى من الشارع فما لم يشرعه لا يكون مستحبا بل يكون شرع من الدين ما لم يأذن به الله فإن الدعاء من أعظم الدين لكن إذا دعا بدعاء لم يعلم أنه مستحب أو علم أنه جائز غير مستحب : لم تبطل صلاته بذلك ; فإن والدعاء ليس من جنس كلام الآدميين ; بل هو [ ص: 476 ] كما لو أثنى على الله بثناء لم يشرع له ; وقد وجد مثل هذا من بعض الصلاة إنما تبطل بكلام الآدميين الصحابة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه كونه أثنى ثناء لم يشرع له في ذلك المكان بل نفى ما له فيه من الأجر . ومن الدعاء ما يكون مكروها ولا تبطل به الصلاة ومنه ما تبطل به الصلاة : الذي يشرع هو الواجب والمستحب . وأما المباح فلا يستحب ولا يبطل الصلاة . والمكروه يكره ولا يبطلها كالالتفات في الصلاة وكما لو تشهد في القيام أو قرأ في القعود . والمحرم يبطلها ; لأنه من الكلام . وهذا تحقيق قول فالدعاء خمسة أقسام أحمد فإنه لم يبطل الصلاة بالدعاء غير المأثور ; لكنه لم يستحبه ; إذ لا يستحب غير المشروع وبين أن التخيير عاد إلى المشروع والمشروع يكون بلفظ النص وبمعناه إذ لم يقيد النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء بلفظ واحد كالقراءة .
ولهذا لما كانت صلاة الجنازة مقصودها الدعاء لم يوقت فيها وقتا ولما كان الذكر أفضل كان أقرب إلى التوقيت كالأذان والتلبية ونحو ذلك .
فأما قول الجد - رحمه الله - إلا بما ورد في الأخبار وبما يرجع إلى أمر دينه . ففيه نظر ; فإن أحمد لم يذكر إلا الأخبار وأيضا [ ص: 477 ] جائز فإنه مشروع والدعاء ببعض أمور الدين قد يكون من العدوان كما ذكر عن فالدعاء بمصالح الدنيا الصحابة وكما لو سأل منازل الأنبياء . فالأجود أن يقال : إلا بالدعاء المشروع المسنون وهو ما وردت به الأخبار وما كان في معناه ; لأن ذلك لم يوجب علينا التعبد بلفظه كالقرآن .
ونحن منعنا من ترجمة القرآن ; لأن لفظه مقصود وكذلك التكبير ونحوه فأما الدعاء فلم يوقت فيه لفظ ; لكن كرهه أحمد بغير العربية فالمراتب ثلاثة . القراءة والذكر والدعاء باللفظ المنصوص ثم باللفظ العربي في معنى المنصوص ثم باللفظ العجمي . فهذا كرهه أحمد في الصلاة وفي البطلان به خلاف وهو من باب البدل وأهل الرأي يجوزون - مع تشددهم في المنع من الكلام في الصلاة حتى كرهوا الدعاء الذي ليس في القرآن أو ليس في الخبر وأبطلوا به الصلاة ويجوزون - الترجمة بالعجمية فلم يجعل بالعربية عبادة وجوزوا التكبير بكل لفظ يدل على التعظيم .
فهم توسعوا في إبدال القرآن بالعجمية وفي إبدال الذكر بغيره من الأذكار ولم يتوسعوا مثله في الدعاء . وأحمد وغيره من الأئمة [ ص: 478 ] بالعكس : الدعاء عندهم أوسع وهذا هو الصواب ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { } ولم يوقت في دعاء الجنازة شيئا ولم يوقت لأصحابه دعاء معينا كما وقت لهم الذكر فكيف يقيد ما أطلقه الرسول صلى الله عليه وسلم من الدعاء ويطلق ما قيده من الذكر مع أن الذكر أفضل من الدعاء كما قررناه في غير هذا الموضع . ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه
ولهذا توجب الأذكار العلمية ما لم يجب من الثنائية .
ولهذا كان : " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمات لمن عجز عن القرآن وقال : " هن أفضل الكلام بعد القرآن " ولهذا كان أفضل الكلام بعد القرآن الكلمات الباقيات الصالحات ما تضمنت ذلك وهو قوله : " سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك " لما قد بيناه في غير هذا الموضع . أفضل الاستفتاحات في الصلاة
وذكرنا أن هذا ثناء فهو أفضل من الدعاء وهو ثناء بمعنى أفضل الكلام بعد القرآن وذلك مقتض للإجابة يبين ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 479 ] { } فقد أخبر أن هذه الكلمات الخمس إذا افتتح بها المستيقظ من الليل كلامه كان ذلك سببا لإجابة دعائه ولقبول صلاته إذا توضأ بعد ذلك فيكون افتتاح الصلاة بذلك سببا لقبولها وما فيها من الدعاء وحمد الله والثناء عليه قبل دعائه ; ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في حديث [ المسيء ] فقال : { من تعار من الليل فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير . الحمد لله وسبحان الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ودعا استجيب له وإن توضأ قبلت صلاته } . كبر فاحمد الله وأثن عليه ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن
وأيضا ففي أحاديث أخر من أحاديث الافتتاح أنه كان يقول : { } وهذا معناها . الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا الحمد لله كثيرا الحمد لله كثيرا الحمد لله كثيرا
وأيضا فإنها مستحبة بين تكبيرات العيد الزوائد كما نقل ذلك عن ابن مسعود وتلك التكبيرات هي من جنس تكبيرات الافتتاح .
وأيضا ففي الحديث الآخر من أحاديث الاستفتاح أنه كان يكبر عشرا ويحمد عشرا ويسبح عشرا أو كما قال . فتوافق معاني الأحاديث الكثيرة على معنى هذا الافتتاح كتوافق معنى تشهد [ ص: 480 ] أبي موسى وغيره على معنى تشهد ابن مسعود وإذا كان الذكر الواحد قد جاءت عامة الأذكار بمعناه كان أرجح مما لم يجئ فيه إلا حديث واحد ; لأنه يدل على كثرة قصد النبي صلى الله عليه وسلم لتلك المعاني وما كثر قصده واختياره له كان مقدما على ما لم يكثر .
ويؤيد ذلك أن هذه الكلمات مشروعة في دبر الصلوات المكتوبات أيضا كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة فتكون هي من الفواتح والخواتم التي أوتيها نبينا صلى الله عليه وسلم فإنه أوتي فواتح الكلم وجوامعه وخواتمه صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما .