الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
[ ص: 173 ] وسئل شيخ الإسلام رحمه الله عن الرجل إذا كان يتلو الكتاب العزيز بين جماعة فقرأ سجدة فقام على قدميه وسجد . فهل قيامه أفضل من سجوده . وهو قاعد ؟ أم لا ؟ وهل فعله ذلك رياء ونفاق ؟ .
فأجاب : بل nindex.php?page=treesubj&link=1897سجود التلاوة قائما أفضل منه قاعدا كما ذكر ذلك من ذكره من العلماء من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما وكما نقل عن عائشة بل وكذلك سجود الشكر كما روى أبو داود في سننه عن النبي صلى الله عليه وسلم من سجوده للشكر قائما وهذا ظاهر في الاعتبار فإن صلاة القائم أفضل من صلاة القاعد .
وقد ثبت { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان أحيانا يصلي قاعدا فإذا قرب من الركوع فإنه يركع ويسجد وهو قائم وأحيانا يركع ويسجد وهو قاعد } فهذا قد يكون للعذر أو للجواز ولكن تحريه مع قعوده أن يقوم ليركع ويسجد وهو قائم دليل على أنه أفضل . إذ هو أكمل وأعظم خشوعا لما فيه من هبوط رأسه وأعضائه الساجدة لله من القيام .
[ ص: 174 ] nindex.php?page=treesubj&link=23455_23841ومن كان له ورد مشروع من صلاة الضحى أو قيام ليل أو غير ذلك فإنه يصليه حيث كان ولا ينبغي له أن يدع ورده المشروع لأجل كونه بين الناس إذا علم الله من قلبه أنه يفعله سرا لله مع اجتهاده في سلامته من الرياء ومفسدات الإخلاص ; ولهذا قال nindex.php?page=showalam&ids=14919الفضيل بن عياض : nindex.php?page=treesubj&link=18702_18712ترك العمل لأجل الناس رياء nindex.php?page=treesubj&link=28676والعمل لأجل الناس شرك . وفعله في مكانه الذي تكون فيه معيشته التي يستعين بها على عبادة الله خير له من أن يفعله حيث تتعطل معيشته ويشتغل قلبه بسبب ذلك فإن الصلاة كلما كانت أجمع للقلب وأبعد من الوسواس كانت أكمل .
ومن nindex.php?page=treesubj&link=18712نهى عن أمر مشروع بمجرد زعمه أن ذلك رياء فنهيه مردود عليه من وجوه : ( أحدها : أن الأعمال المشروعة لا ينهى عنها خوفا من الرياء بل يؤمر بها وبالإخلاص فيها ونحن إذا رأينا من يفعلها أقررناه وإن جزمنا أنه يفعلها رياء فالمنافقون الذين قال الله فيهم : { nindex.php?page=tafseer&surano=639&ayano=4إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا } فهؤلاء كان النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون يقرونهم على ما يظهرونه من الدين وإن كانوا مرائين ولا ينهونهم عن الظاهر ; لأن الفساد في ترك إظهار [ ص: 175 ] المشروع أعظم من الفساد في إظهاره رياء كما أن فساد ترك إظهار الإيمان والصلوات أعظم من الفساد في إظهار ذلك رياء ; ولأن الإنكار إنما يقع على الفساد في إظهار ذلك رئاء الناس .
( الثاني : لأن الإنكار إنما يقع على ما أنكرته الشريعة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=599307إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أن أشق بطونهم ؟ } وقد قال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب : من أظهر لنا خيرا أحببناه وواليناه عليه وإن كانت سريرته بخلاف ذلك . ومن أظهر لنا شرا أبغضناه عليه وإن زعم أن سريرته صالحة .
( الثالث : أن تسويغ مثل هذا يفضي إلى أن أهل الشرك والفساد ينكرون على أهل الخير والدين إذا رأوا من يظهر أمرا مشروعا مسنونا قالوا : هذا مراء فيترك أهل الصدق والإخلاص إظهار الأمور المشروعة حذرا من لمزهم وذمهم فيتعطل الخير ويبقى لأهل الشرك شوكة يظهرون الشر ولا أحد ينكر عليهم وهذا من أعظم المفاسد .