[ ص: 10 ] فصل المسجد الأقصى هي من جنس العبادات المشروعة في والعبادات المشروعة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من سائر المساجد إلا المسجد الحرام فإنه يشرع فيه زيادة على سائر المساجد الطواف بالكعبة واستلام الركنين اليمانيين وتقبيل الحجر الأسود وأما مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى وسائر المساجد فليس فيها ما يطاف به ولا فيها ما يتمسح به ولا ما يقبل . فلا يجوز لأحد أن يطوف بحجرة النبي صلى الله عليه وسلم ولا بغير ذلك من مقابر الأنبياء والصالحين ولا بصخرة بيت المقدس ولا بغير هؤلاء : كالقبة التي فوق جبل عرفات وأمثالها ; بل ليس في الأرض مكان يطاف به كما يطاف بالكعبة .
ومن اعتقد أن الطواف بغيرها مشروع فهو شر ممن يعتقد جواز الصلاة إلى غير الكعبة ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر من مكة إلى المدينة صلى بالمسلمين ثمانية عشر شهرا إلى بيت المقدس فكانت قبلة المسلمين هذه المدة ثم إن الله حول القبلة إلى الكعبة وأنزل الله في ذلك القرآن [ ص: 11 ] كما ذكر في " سورة البقرة " وصلى النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون إلى الكعبة وصارت هي القبلة وهي قبلة إبراهيم وغيره من الأنبياء .
فهو كافر مرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل ; مع أنها كانت قبلة لكن نسخ ذلك فكيف بمن يتخذها مكانا يطاف به كما يطاف فمن اتخذ الصخرة اليوم قبلة يصلي إليها بالكعبة ؟ الكعبة لم يشرعه الله بحال وكذلك من قصد أن يسوق إليها غنما أو بقرا ليذبحها هناك ويعتقد أن الأضحية فيها أفضل وأن يحلق فيها شعره في العيد أو أن يسافر إليها ليعرف بها عشية والطواف بغير عرفة . فهذه الأمور التي يشبه بها بيت المقدس في الوقوف والطواف والذبح والحلق من البدع والضلالات ومن فعل شيئا من ذلك معتقدا أن هذا قربة إلى الله فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل كما لو صلى إلى الصخرة معتقدا أن استقبالها في الصلاة قربة كاستقبال الكعبة ; ولهذا بنى مصلى المسلمين في مقدم عمر بن الخطاب المسجد الأقصى .
فإن " المسجد الأقصى " اسم لجميع المسجد الذي بناه سليمان عليه السلام وقد صار بعض الناس يسمي الأقصى المصلى الذي بناه في مقدمه والصلاة في هذا المصلى الذي بناه عمر بن الخطاب رضي الله عنه عمر للمسلمين أفضل من الصلاة في سائر المسجد ; فإن لما [ ص: 12 ] فتح عمر بن الخطاب بيت المقدس وكان على الصخرة زبالة عظيمة لأن النصارى كانوا يقصدون إهانتها مقابلة لليهود الذين يصلون إليها فأمر عمر رضي الله عنه بإزالة النجاسة عنها وقال لكعب الأحبار : أين ترى أن نبني مصلى المسلمين ؟ فقال : خلف الصخرة فقال : يا ابن اليهودية خالطتك يهودية بل أبنيه أمامها . فإن لنا صدور المساجد ولهذا كان أئمة الأمة إذا دخلوا المسجد قصدوا الصلاة في المصلى الذي بناه عمر وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه صلى في محراب داود .
وأما " الصخرة " فلم يصل عندها عمر رضي الله عنه ولا الصحابة ولا كان على عهد الخلفاء الراشدين عليها قبة بل كانت مكشوفة في خلافة عمر وعثمان وعلي ومعاوية ويزيد ومروان ; ولكن لما تولى ابنه عبد الملك الشام ووقع بينه وبين الفتنة كان الناس يحجون فيجتمعون ابن الزبير بابن الزبير فأراد عبد الملك أن يصرف الناس عن فبنى القبة على الصخرة وكساها في الشتاء والصيف ليرغب الناس في " زيارة ابن الزبير بيت المقدس " ويشتغلوا بذلك عن اجتماعهم بابن الزبير وأما أهل العلم من الصحابة والتابعين لهم بإحسان فلم يكونوا يعظمون الصخرة فإنها قبلة منسوخة كما أن يوم السبت كان عيدا في شريعة موسى عليه السلام ثم نسخ في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم بيوم الجمعة فليس للمسلمين أن يخصوا يوم السبت ويوم الأحد بعبادة كما تفعل اليهود [ ص: 13 ] والنصارى وكذلك الصخرة إنما يعظمها اليهود وبعض النصارى .
وما يذكره بعض الجهال فيها من أن هناك أثر قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأثر عمامته وغير ذلك : فكله كذب . وأكذب منه من يظن أنه موضع قدم الرب وكذلك المكان الذي يذكر أنه مهد عيسى عليه السلام كذب وإنما كان موضع معمودية النصارى وكذا من زعم أن هناك الصراط والميزان أو أن السور الذي يضرب به بين الجنة والنار هو ذلك الحائط المبني شرقي المسجد وكذلك تعظيم السلسلة أو موضعها ليس مشروعا .