فصل الأموال السلطانية التي أصلها في الكتاب والسنة ; ثلاثة أصناف : الغنيمة والصدقة والفيء . 
فأما " الغنيمة   " فهي المال المأخوذ من الكفار بالقتال ذكرها الله في " سورة الأنفال " التي أنزلها في غزوة بدر  وسماها أنفالا ; لأنها زيادة في أموال المسلمين فقال : { يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول   } إلى قوله : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل   } الآية ; وقال : { فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم   } . 
وفي الصحيحين عن جابر بن عبد الله  رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي : نصرت  [ ص: 270 ] بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ; وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي بعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة  } وقال النبي صلى الله عليه وسلم { بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذل والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم  } . رواه أحمد  في المسند عن ابن عمر  واستشهد به البخاري   . 
فالواجب في المغنم تخميسه  وصرف الخمس إلى من ذكره الله تعالى ; وقسمة الباقي بين الغانمين قال  عمر بن الخطاب  رضي الله عنه الغنيمة لمن شهد الوقعة . وهم الذين شهدوها للقتال قاتلوا أو لم يقاتلوا . ويجب قسمها بينهم بالعدل فلا يحابى أحد لا لرياسته ولا لنسبه ولا لفضله كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه يقسمونها . وفي صحيح البخاري   : { أن سعد بن أبي وقاص  رضي الله عنه رأى له فضلا على من دونه فقال النبي صلى الله عليه وسلم هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم ؟  } وفي مسند أحمد   { عن سعد بن أبي وقاص  قال : قلت : يا رسول الله الرجل يكون حامية القوم يكون سهمه وسهم غيره سواء ؟ قال : ثكلتك أمك ابن أم سعد   ; وهل ترزقون وتنصرون  [ ص: 271 ] إلا بضعفائكم ؟  } . 
وما زالت الغنائم تقسم بين الغانمين  في دولة بني أمية  ودولة بني العباس  لما كان المسلمون يغزون الروم  والترك  والبربر   ; لكن يجوز للإمام أن ينفل من ظهر منه زيادة نكاية   : كسرية تسرت من الجيش أو رجل صعد حصنا عاليا ففتحه أو حمل على مقدم العدو فقتله فهزم العدو ونحو ذلك ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه كانوا ينفلون لذلك . 
وكان ينفل السرية في البداية الربع بعد الخمس وفي الرجعة الثلث بعد الخمس . وهذا النفل ; قال العلماء : إنه يكون من الخمس . وقال بعضهم : إنه يكون من خمس الخمس ; لئلا يفضل بعض الغانمين على بعض . والصحيح أنه يجوز من أربعة الأخماس وإن كان فيه تفضيل بعضهم على بعض لمصلحة دينية ; لا لهوى النفس كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة . وهذا قول فقهاء الشام  وأبي حنيفة  وأحمد  وغيرهم وعلى هذا فقد قيل : إنه ينفل الربع والثلث بشرط وغير شرط وينفل الزيادة على ذلك بالشرط مثل أن يقول : من دلني على قلعة فله كذا أو من جاءني برأس فله كذا ونحو ذلك . وقيل : لا ينفل زيادة على الثلث ولا ينفله إلا بالشرط . وهذان قولان لأحمد  وغيره . كذلك - على القول الصحيح -  [ ص: 272 ] للإمام أن يقول : من أخذ شيئا فهو له ; كما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد قال ذلك في غزوة بدر   . إذا رأى ذلك مصلحة راجحة على المفسدة . 
وإذا كان الإمام يجمع الغنائم ويقسمها لم يجز لأحد أن يغل منها شيئا { ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة   } فإن الغلول خيانة   . ولا تجوز النهبة  فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها . فإذا ترك الإمام الجمع والقسمة وأذن في الأخذ إذنا جائزا : فمن أخذ شيئا بلا عدوان حل له بعد تخميسه وكل ما دل على الإذن فهو إذن . وأما إذا لم يأذن أو أذن إذنا غير جائز : جاز للإنسان أن يأخذ مقدار ما يصيبه بالقسمة متحريا للعدل في ذلك . 
ومن حرم على المسلمين جمع الغنائم والحال هذه وأباح للإمام أن يفعل فيها ما يشاء : فقد تقابل القولان تقابل الطرفين ودين الله وسط . والعدل في القسمة : أن يقسم للراجل سهم وللفارس ذي الفرس العربي ثلاثة أسهم   : سهم له وسهمان لفرسه ; هكذا قسم النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر   . ومن الفقهاء من يقول : للفارس سهمان . والأول هو الذي دلت عليه السنة الصحيحة ; ولأن الفرس يحتاج إلى مئونة نفسه وسائسه - ومنفعة الفارس به أكثر من منفعة راجلين - ومنهم من يقول : يسوى بين الفرس العربي والهجين  [ ص: 273 ] في هذا . ومنهم من يقول : بل الهجين يسهم له سهم واحد كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه . والفرس الهجين : الذي تكون أمه نبطية - ويسمى البرذون - وبعضهم يسميه التتري سواء كان حصانا أو خصيا ويسمى الأكديش أو رمكة وهي الحجر ; كان السلف  يعدون للقتال الحصان لقوته وحدته وللإغارة والبيات الحجر لأنه ليس لها صهيل ينذر العدو فيحترزون وللسير الخصي لأنه أصبر على السير . 
وإذا كان المغنوم مالا - قد كان للمسلمين قبل ذلك : من عقار أو منقول وعرف صاحبه قبل القسمة - فإنه يرد إليه بإجماع المسلمين . وتفاريع المغانم وأحكامها : فيها آثار وأقوال اتفق المسلمون على بعضها وتنازعوا في بعض ذلك ; وليس هذا موضعها ; وإنما الغرض ذكر الجمل الجامعة . 
				
						
						
