فصل وأما إجارة الأرض بجنس الطعام الخارج منها   : كإجارة الأرض لمن يزرعها حنطة أو شعيرا بمقدار معين من الحنطة والشعير : فهو أيضا جائز في أظهر الروايتين عن أحمد  وهو مذهب أبي حنيفة  والشافعي  وفي الأخرى ينهى عنه كقول مالك   . 
 [ ص: 116 ] قالوا : لأن المقصود بالإجارة هو الطعام فهو في معنى بيعه بجنسه . 
وقالوا : هو من المخابرة التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم وهو في معنى المزابنة ; لأن المقصود بيع الشيء بجنسه جزافا . 
والصحيح قول الجمهور ; لأن المستحق بعقد الإجارة هو الانتفاع بالأرض ; ولهذا إذا تمكن من الزرع ولم يزرع وجبت عليه الأجرة والطعام إنما يحصل بعمله وبذره . 
وبذره لم يعطه إياه المؤجر فليس هذا من الربا في شيء . 
ونظير هذا : أن يستأجر قوما ليستخرجوا له معدن ذهب أو فضة أو ركازا من الأرض بدراهم أو دنانير  فليس هذا كبيع الدراهم بدراهم . 
وكذلك من استأجر من يشق الأرض ويبذر فيها ويسقيها بطعام من عنده وقد استأجره على أن يبذر له طعاما   . 
فهذا مثل ذلك . 
والمخابرة التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم قد فسرها رافع  راوي الحديث بأنها المزارعة التي يشترط فيها لرب الأرض زرع بقعة بعينها ; ولكن من العلماء من جعل المزارعة كلها من المخابرة كأبي حنيفة   . 
ومنهم من قال : المزارعة على الأرض البيضاء من المخابرة كالشافعي   . 
ومنهم من قال : المزارعة على أن يكون البذر من العامل من المخابرة . 
ومنهم من قال : كراء الأرض بجنس الخارج منها من  [ ص: 117 ] المخابرة كمالك   . 
والصحيح أن المخابرة المنهي عنها  كما فسرها به  رافع بن خديج  وكذلك قال الليث بن سعد   : الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء إذا نظر فيه ذو البصيرة بالحلال والحرام علم أنه محرم . 
وهذا مذهب عامة فقهاء الحديث : كأحمد  وإسحاق  وابن المنذر  وابن خزيمة  وغيرهم . 
والنبي صلى الله عليه وسلم حرم أشياء داخلة فيما حرمه الله في كتابه ; فإن الله حرم في كتابه الربا والميسر وحرم النبي صلى الله عليه وسلم بيع الغرر  فإنه من نوع الميسر وكذلك بيع الثمار قبل بدو صلاحها  وبيع حبل الحبلة . 
وحرم صلى الله عليه وسلم بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة  إلا مثلا بمثل وغير ذلك مما يدخل في الربا . 
فصار بعض أهل العلم يظنون أنه دخل في العام أو علته العامة أشياء وهي غير داخلة في ذلك . 
كما أدخل بعضهم ضمان البساتين حولا كاملا أو أحوالا لمن يسقيها ويخدمها حتى تثمر فظنوا أن هذا من باب بيع الثمار قبل بدو صلاحها فحرموه ; وإنما هذا من باب الإجارة : كإجارة الأرض . 
فلما نهى عن بيع الحب حتى يشتد وجوز إجارة الأرض لمن يعمل عليها حتى تنبت . 
وكذلك نهى عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها ولم ينه أن تضمن لمن يخدمها حتى تثمر ويحصل الثمر بخدمته على ملكه وبائع الثمر  [ ص: 118 ] والزرع عليه سقيه إلى كمال صلاحه خلاف المؤجر فإنه ليس يسقي ما للمستأجر من ثمر وزرع ; بل سقي ذلك على الضامن المستأجر .  وعمر بن الخطاب  ضمن حديقة  أسيد بن الحضير  ثلاث سنين وتسلف كراءها فوفى به دينا كان عليه . 
ونظائر هذا الباب كثيرة . 
				
						
						
