وأما فعلى وجهين . " أحدهما " أن يكون قصده التقرب إلى الله ; لا مجرد أن يحض أو يمنع . وهذا هو النذر فإنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال [ ص: 49 ] : { المعقود لله } وثبت عنه أن قال : { كفارة النذر كفارة يمين } . فإذا كان من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه فعليه الوفاء به وإن قصد الإنسان أن ينذر لله طاعة لم يكن عليه الوفاء به . وما كان محرما لا يجوز الوفاء به ; لكن إذا نذر ما ليس بطاعة فعليه كفارة يمين عند أكثر لم يوف بالنذر لله السلف وهو قول أحمد وهو قول أبي حنيفة . قيل : مطلقا . وقيل : إذا كان في معنى اليمين .
" والثاني " أن يكون مقصوده الحض أو المنع أو التصديق أو التكذيب فهذا هو كقوله : إن فعلت كذا فعلي الحج وصوم سنة ومالي صدقة وعبيدي أحرار ونسائي طوالق . فهذا الصنف يدخل في مسائل " الأيمان " ويدخل في مسائل " الطلاق والعتاق والنذر والظهار " . وللعلماء فيه ثلاثة أقوال . " أحدها " أنه يلزمه ما حلف به إذا حنث ; لأنه التزم الجزاء عند وجود الشرط وقد وجد الشرط فيلزمه : كنذر التبرر المعلق بالشرط . " والقول الثاني " : هذه يمين غير منعقدة فلا شيء فيها إذا حنث ; لا كفارة ولا وقوع ; لأن هذا حلف بغير الله وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم { الحلف بالنذر والطلاق والعتاق والظهار والحرام } وفي رواية في الصحيح { من كان حالفا فليحلف بالله أو ليسكت } [ ص: 50 ] " والقول الثالث " أن هذه أيمان مكفرة إذا حنث فيها كغيرها من الأيمان . : لا تحلفوا إلا بالله
ومن العلماء من فرق بين ما عقده لله من الوجوب - وهو الحلف بالنذر - وما عقده لله من تحريم - وهو الحلف بالطلاق والعتاق - فقالوا في الأول : عليه كفارة يمين إذا حنث . وقالوا في الثاني : يلزمه ما علقه وهو الذي حلف به إذا حنث ; لأن الملتزم في الأول فعل واجب فلا يبرأ إلا بفعله فيمكنه التكفير قبل ذلك والملتزم في الثاني وقوع حرمة . وهذا يحصل بالشرط فلا يرتفع بالكفارة . و " القول الثالث " هو الذي يدل عليه الكتاب والسنة والاعتبار وعليه تدل أقوال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجملة كما قد بسط في موضعه .
وذلك أن الله قال في كتابه : { ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين } إلى قوله : { ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم } وقال تعالى : { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { } وهذا يتناول جميع أيمان المسلمين لفظا ومعنى . أما اللفظ فلقوله : { من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } وقوله : { ذلك كفارة أيمانكم } وهذا خطاب للمؤمنين فكل ما كان من أيمانهم فهو داخل في هذا