[ ص: 238 ] فصل : وقد
nindex.php?page=treesubj&link=28649أثبت الله في القرآن إسلاما بلا إيمان في قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4675&ayano=49قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا } . وقد ثبت في " الصحيحين {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596276عن سعد بن أبي وقاص قال : أعطى النبي صلى الله عليه وسلم رهطا وفي رواية قسم قسما وترك فيهم من لم يعطه وهو أعجبهم إلي فقلت : يا رسول الله ما لك عن فلان ؟ فوالله إني لأراه مؤمنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مسلما . أقولها ثلاثا ويرددها علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا ثم قال : إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه مخافة أن يكبه الله على وجهه في النار } وفي رواية : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596277فضرب بين عنقي وكتفي وقال : أقتال أي سعد } .
فهذا
nindex.php?page=treesubj&link=28649الإسلام الذي نفى الله عن أهله دخول الإيمان في قلوبهم هل هو إسلام يثابون عليه ؟ أم هو من جنس إسلام المنافقين ؟ فيه قولان مشهوران
للسلف والخلف : أحدهما : أنه إسلام يثابون عليه ويخرجهم من الكفر والنفاق . وهذا مروي عن
الحسن وابن سيرين وإبراهيم النخعي [ ص: 239 ] وأبي جعفر الباقر ; وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد بن زيد nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل وسهل بن عبد الله التستري وأبي طالب المكي وكثير من
أهل الحديث والسنة والحقائق .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل : حدثنا
مؤمل بن إسحاق عن
عمار بن زيد قال : سمعت
هشاما يقول : كان
الحسن ومحمد يقولان : مسلم ويهابان : مؤمن . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=233أبو سلمة الخزاعي قال : قال
مالك وشريك وأبو بكر بن عياش وعبد العزيز بن أبي سلمة nindex.php?page=showalam&ids=15744وحماد بن سلمة nindex.php?page=showalam&ids=15743وحماد بن زيد : " الإيمان " المعرفة والإقرار والعمل إلا أن
nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد بن زيد يفرق بين الإسلام والإيمان يجعل الإيمان خاصا والإسلام عاما .
و ( القول الثاني ) : أن هذا الإسلام : هو الاستسلام خوف السبي والقتل مثل إسلام المنافقين . قالوا : وهؤلاء كفار فإن الإيمان لم يدخل في قلوبهم ومن لم يدخل الإيمان في قلبه فهو كافر . وهذا اختيار
البخاري ومحمد بن نصر المروزي والسلف مختلفون في ذلك .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=17032محمد بن نصر : حدثنا
إسحاق أنبأنا
جرير عن
مغيرة قال : أتيت
إبراهيم النخعي فقلت : إن رجلا خاصمني يقال له :
سعيد العنبري فقال
إبراهيم ليس بالعنبري ولكنه زبيدي . قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4675&ayano=49قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا } فقال : هو الاستسلام فقال
إبراهيم : لا هو الإسلام . وقال : حدثنا
محمد بن يحيى حدثنا
محمد بن يوسف حدثنا
سفيان عن
[ ص: 240 ] مجاهد : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4675&ayano=49قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا } قال : استسلمنا خوف السبي والقتل . ولكن هذا منقطع
سفيان لم يدرك
مجاهدا .
والذين قالوا : إن هذا الإسلام هو كإسلام المنافقين لا يثابون عليه قالوا : لأن الله نفى عنهم الإيمان ومن نفي عنه الإيمان فهو كافر . وقال هؤلاء : الإسلام هو الإيمان وكل مسلم مؤمن . وكل مؤمن مسلم ومن جعل الفساق مسلمين غير مؤمنين لزمه أن لا يجعلهم داخلين في قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=5يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة } وفي قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5248&ayano=62يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة } وأمثال ذلك فإنهم إنما دعوا باسم الإيمان لا باسم الإسلام فمن لم يكن مؤمنا لم يدخل في ذلك .
وجواب هذا أن يقال : الذين قالوا من
السلف : إنهم خرجوا من الإيمان إلى الإسلام لم يقولوا : إنه لم يبق معهم من الإيمان شيء بل هذا قول
الخوارج والمعتزلة .
وأهل السنة الذين قالوا هذا يقولون : الفساق يخرجون من النار بالشفاعة . وإن معهم إيمانا يخرجون به من النار . لكن لا يطلق عليهم اسم الإيمان لأن الإيمان المطلق هو الذي يستحق صاحبه الثواب ودخول الجنة وهؤلاء ليسوا من أهله وهم يدخلون في الخطاب بالإيمان لأن الخطاب بذلك هو لمن دخل في الإيمان وإن لم يستكمله فإنه إنما خوطب ليفعل تمام الإيمان فكيف يكون قد أتمه قبل الخطاب وإلا كنا قد تبينا أن هذا المأمور من الإيمان قبل الخطاب ; وإنما صار من الإيمان بعد أن أمروا به فالخطاب ب {
nindex.php?page=tafseer&surano=5248&ayano=2يا أيها الذين آمنوا } غير قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4676&ayano=49إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم } ونظائرها فإن الخطاب ب {
nindex.php?page=tafseer&surano=5248&ayano=2يا أيها الذين آمنوا } أولا : يدخل فيه من أظهر الإيمان وإن كان منافقا في الباطن يدخل فيه في الظاهر فكيف لا يدخل فيه من لم يكن منافقا وإن لم يكن من المؤمنين حقا .
وحقيقته أن من لم يكن من المؤمنين حقا يقال فيه : إنه مسلم ومعه إيمان يمنعه الخلود في النار وهذا متفق عليه بين
أهل السنة . لكن هل يطلق عليه اسم الإيمان ؟ هذا هو الذي تنازعوا فيه فقيل : يقال مسلم ولا يقال : مؤمن . وقيل : بل يقال : مؤمن .
والتحقيق أن يقال : إنه مؤمن ناقص الإيمان مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته ولا يعطى اسم الإيمان المطلق ; فإن الكتاب والسنة نفيا عنه الاسم المطلق ; واسم الإيمان يتناوله فيما أمر الله به ورسوله لأن ذلك إيجاب عليه وتحريم عليه وهو لازم له كما يلزمه غيره وإنما الكلام في اسم المدح المطلق ; وعلى هذا
nindex.php?page=treesubj&link=28647فالخطاب بالإيمان يدخل فيه " ثلاث طوائف " : يدخل فيه المؤمن حقا ويدخل فيه المنافق في أحكامه الظاهرة وإن كانوا في الآخرة في الدرك الأسفل من النار ; وهو في الباطن ينفي عنه الإسلام والإيمان وفي الظاهر يثبت له الإسلام والإيمان الظاهر ; ويدخل فيه الذين أسلموا وإن لم تدخل حقيقة الإيمان في قلوبهم ; لكن معهم جزء من الإيمان والإسلام يثابون عليه .
[ ص: 242 ] ثم قد يكونون مفرطين فيما فرض عليهم وليس معهم من الكبائر ما يعاقبون عليه كأهل الكبائر لكن يعاقبون على ترك المفروضات وهؤلاء
كالأعراب المذكورين في الآية وغيرهم ; فإنهم قالوا : آمنا من غير قيام منهم بما أمروا به باطنا وظاهرا . فلا دخلت حقيقة الإيمان في قلوبهم ولا جاهدوا في سبيل الله وقد كان دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجهاد وقد يكونون من أهل الكبائر المعرضين للوعيد ; كالذين يصلون ويزكون ويجاهدون ويأتون الكبائر ; وهؤلاء لا يخرجون من الإسلام ; بل هم مسلمون ولكن بينهم نزاع لفظي : هل يقال : إنهم مؤمنون كما سنذكره إن شاء الله ؟ .
وأما "
الخوارج " ; "
والمعتزلة " فيخرجونهم من اسم الإيمان والإسلام ; فإن الإيمان والإسلام عندهم واحد ; فإذا خرجوا عندهم من الإيمان خرجوا من الإسلام ; لكن
الخوارج تقول : هم كفار ;
والمعتزلة تقول : لا مسلمون ولا كفار ; ينزلونهم منزلة بين المنزلتين ; والدليل على أن الإسلام المذكور في الآية هو إسلام يثابون عليه وأنهم ليسوا منافقين أنه قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4675&ayano=49قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم } ثم قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4675&ayano=49وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا } فدل على أنهم إذا أطاعوا الله ورسوله مع هذا الإسلام ; آجرهم الله على الطاعة . والمنافق عمله حابط في الآخرة .
وأيضا فإنه وصفهم بخلاف صفات المنافقين فإن المنافقين وصفهم بكفر في قلوبهم وأنهم يبطنون خلاف ما يظهرون ; كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=2ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=2يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=2في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا } الآيات .
وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5252&ayano=63إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون } فالمنافقون يصفهم في القرآن بالكذب ; وأنهم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم وبأن في قلوبهم من الكفر ما يعاقبون عليه ; وهؤلاء لم يصفهم بشيء من ذلك لكن لما ادعوا الإيمان قال للرسول : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4675&ayano=49قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا } .
ونفي الإيمان المطلق لا يستلزم أن يكونوا منافقين كما في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1169&ayano=8يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين } ثم قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1170&ayano=8إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1171&ayano=8الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1172&ayano=8أولئك هم المؤمنون حقا } ومعلوم أنه ليس من لم يكن كذلك ; يكون منافقا من أهل الدرك الأسفل من النار بل لا يكون قد أتى بالإيمان الواجب فنفي عنه كما ينفى سائر الأسماء عمن ترك بعض ما يجب عليه فكذلك
الأعراب لم يأتوا بالإيمان الواجب ; فنفي عنهم لذلك وإن كانوا مسلمين معهم من الإيمان ما يثابون عليه .
وهذا حال أكثر الداخلين في الإسلام ابتداء ; بل حال أكثر من لم يعرف
[ ص: 244 ] حقائق الإيمان ; فإن الرجل إذا قوتل حتى أسلم كما كان
الكفار يقاتلون حتى يسلموا أو أسلم بعد الأسر أو سمع بالإسلام فجاء فأسلم ; فإنه مسلم ملتزم طاعة الرسول ولم تدخل إلى قلبه المعرفة بحقائق الإيمان فإن هذا إنما يحصل لمن تيسرت له أسباب ذلك ; إما بفهم القرآن وإما بمباشرة أهل الإيمان والاقتداء بما يصدر عنهم من الأقوال والأعمال وإما بهداية خاصة من الله يهديه بها .
والإنسان قد يظهر له من محاسن الإسلام ما يدعوه إلى الدخول فيه وإن كان قد ولد عليه وتربى بين أهله فإنه يحبه فقد ظهر له بعض محاسنه وبعض مساوئ الكفار . وكثير من هؤلاء قد يرتاب إذا سمع الشبه القادحة فيه ولا يجاهد في سبيل الله ; فليس هو داخلا في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4676&ayano=49إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله } وليس هو منافقا في الباطن مضمرا للكفر فلا هو من المؤمنين حقا ولا هو من المنافقين ولا هو أيضا من أصحاب الكبائر بل يأتي بالطاعات الظاهرة ولا يأتي بحقائق الإيمان التي يكون بها من المؤمنين حقا ; فهذا معه إيمان وليس هو من المؤمنين حقا ويثاب على ما فعل من الطاعات ولهذا قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4675&ayano=49ولكن قولوا أسلمنا } ولهذا قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4678&ayano=49يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين } يعني في قولكم : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4675&ayano=2آمنا } . يقول : إن كنتم صادقين فالله يمن عليكم أن هداكم للإيمان ; وهذا
[ ص: 245 ] يقتضي أنهم قد يكونون صادقين في قولهم : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4675&ayano=2آمنا } .
ثم صدقهم إما أن يراد به اتصافهم بأنهم {
nindex.php?page=tafseer&surano=4676&ayano=49آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون } وإما أن يراد به أنهم لم يكونوا كالمنافقين بل معهم إيمان وإن لم يكن لهم أن يدعوا مطلق الإيمان وهذا أشبه والله أعلم لأن النسوة الممتحنات قال فيهن : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5220&ayano=60فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار } ولا يمكن نفي الريب عنهن في المستقبل ولأن الله إنما كذب المنافقين ولم يكذب غيرهم ; وهؤلاء لم يكذبهم ولكن قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4675&ayano=44لم تؤمنوا } كما قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31175لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه } وقوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=23829لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن } و {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31189لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه } وهؤلاء ليسوا منافقين . وسياق الآية يدل على أن الله ذمهم لكونهم منوا بإسلامهم لجهلهم وجفائهم وأظهروا ما في أنفسهم مع علم الله به ; فإن الله تعالى قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4677&ayano=49قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض } فلو لم يكن في قلوبهم شيء من الدين لم يكونوا يعلمون الله بدينهم ; فإن الإسلام الظاهر يعرفه كل أحد .
ودخلت الباء في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4677&ayano=49أتعلمون الله بدينكم } لأنه ضمن معنى يخبرون ويحدثون كأنه قال : أتخبرونه وتحدثونه بدينكم وهو يعلم ما في السموات وما في الأرض . وسياق الآية يدل على أن الذي أخبروا به الله هو ما ذكره الله عنهم من قولهم : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4675&ayano=2آمنا } فإنهم أخبروا عما في قلوبهم .
[ ص: 246 ] وقد ذكر
المفسرون أنه {
لما نزلت هاتان الآيتان أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحلفون أنهم مؤمنون صادقون فنزل قوله تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=4677&ayano=49قل أتعلمون الله بدينكم } } وهذا يدل على أنهم كانوا صادقين أولا في دخولهم في الدين لأنه لم يتجدد لهم بعد نزول الآية جهاد حتى يدخلوا به في الآية إنما هو كلام قالوه وهو سبحانه قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4675&ayano=49ولما يدخل الإيمان في قلوبكم } ولفظ : ( لما ينفي به ما يقرب حصوله ويحصل غالبا كقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=438&ayano=3أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم }
وقد قال
السدي : نزلت هذه الآية في أعراب
مزينة وجهينة وأسلم وأشجع وغفار وهم الذين ذكرهم الله في سورة الفتح وكانوا يقولون : آمنا بالله ليأمنوا على أنفسهم فلما استنفروا إلى
الحديبية تخلفوا ; فنزلت فيهم هذه الآية .
وعن
مقاتل : كانت منازلهم بين
مكة والمدينة وكانوا إذا مرت بهم سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : آمنا ليأمنوا على دمائهم وأموالهم فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
الحديبية استنفرهم فلم ينفروا معه .
وقال
مجاهد : نزلت في
أعراب بني أسد بن خزيمة ووصف غيره حالهم . فقال : قدموا
المدينة في سنة مجدبة فأظهروا الإسلام ولم يكونوا مؤمنين وأفسدوا طرق
المدينة بالعذرات وأغلوا أسعارهم وكانوا يمنون على رسول الله
[ ص: 247 ] صلى الله عليه وسلم يقولون : أتيناك بالأثقال والعيال فنزلت فيهم هذه الآية وقد قال
قتادة في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4678&ayano=49يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين } قال : منوا على النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءوا فقالوا : إنا أسلمنا بغير قتال لم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان فقال الله لنبيه : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4678&ayano=49يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان } .
وقال
مقاتل بن حيان : هم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596279أعراب بني أسد بن خزيمة قالوا : يا رسول الله أتيناك بغير قتال وتركنا العشائر والأموال وكل قبيلة من العرب قاتلتك حتى دخلوا كرها في الإسلام ; فلنا بذلك عليك حق : فأنزل الله تعالى : { nindex.php?page=tafseer&surano=4678&ayano=49يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين } } . فله بذلك المن عليكم وفيهم أنزل الله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4625&ayano=47ولا تبطلوا أعمالكم } ويقال : من الكبائر التي ختمت بنار كل موجبة من ركبها ومات عليها لم يتب منها .
وهذا كله يبين أنهم لم يكونوا كفارا في الباطن ; ولا كانوا قد دخلوا فيما يجب من الإيمان ; وسورة الحجرات قد ذكرت هذه الأصناف فقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4665&ayano=49إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون } ولم يصفهم بكفر ولا نفاق ; لكن هؤلاء يخشى عليهم الكفر والنفاق ولهذا ارتد بعضهم لأنهم لم يخالط الإيمان بشاشة قلوبهم وقال بعد ذلك {
nindex.php?page=tafseer&surano=4667&ayano=49يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا } الآية وهذه الآية نزلت في
الوليد بن عقبة وكان قد كذب فيما أخبر .
قال
المفسرون : نزلت هذه الآية في {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596280الوليد بن عقبة بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق ليقبض صدقاتهم وقد كانت بينه وبينهم عداوة في الجاهلية فسار بعض الطريق ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنهم منعوا الصدقة وأرادوا قتلي فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم البعث إليهم فنزلت هذه الآية } .
وهذه القصة معروفة من وجوه كثيرة ثم قال تعالى في تمامها : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4668&ayano=49واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4670&ayano=49وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى } الآية . ثم نهاهم عن أن يسخر بعضهم ببعض وعن اللمز والتنابز بالألقاب وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4672&ayano=49بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان } وقد قيل : معناه : لا تسميه فاسقا ولا كافرا بعد إيمانه وهذا ضعيف بل المراد : بئس الاسم أن تكونوا فساقا بعد إيمانكم كما قال تعالى في الذي كذب : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4667&ayano=49إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا } فسماه فاسقا .
وفي " الصحيحين " عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596281سباب المسلم فسوق وقتاله كفر } يقول : فإذا ساببتم المسلم وسخرتم منه ولمزتموه استحققتم أن تسموا فساقا وقد قال في آية القذف : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2819&ayano=24ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون } . يقول : فإذا أتيتم بهذه الأمور التي تستحقون بها أن تسموا
[ ص: 249 ] فساقا كنتم قد استحققتم اسم الفسوق بعد الإيمان وإلا فهم في تنابزهم ما كانوا يقولون : فاسق كافر فإن النبي صلى الله عليه وسلم قدم
المدينة وبعضهم يلقب بعضا .
وقد قال طائفة من
المفسرين في هذه الآية :
nindex.php?page=treesubj&link=19100_29020لا تسميه بعد الإسلام بدينه قبل الإسلام كقوله لليهودي إذا أسلم : يا يهودي ، وهذا مروي عن
ابن عباس وطائفة من التابعين
كالحسن وسعيد بن جبير وعطاء الخراساني والقرظي وقال
عكرمة : هو قول الرجل : يا كافر يا منافق وقال
عبد الرحمن بن زيد : هو تسمية الرجل بالأعمال كقوله : يا زاني يا سارق يا فاسق وفي تفسير
العوفي عن
ابن عباس قال : هو تعيير التائب بسيئات كان قد عملها ومعلوم أن اسم الكفر واليهودية والزاني والسارق وغير ذلك من السيئات ليست هي اسم الفاسق فعلم أن قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4672&ayano=49بئس الاسم الفسوق } لم يرد به تسمية المسبوب باسم الفاسق فإن تسميته كافرا أعظم بل إن الساب يصير فاسقا لقوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596282سباب المسلم فسوق وقتاله كفر } ثم قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4672&ayano=49ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون } فجعلهم ظالمين إذا لم يتوبوا من ذلك وإن كانوا يدخلون في اسم المؤمنين ثم ذكر النهي عن الغيبة ثم ذكر النهي عن التفاخر بالأحساب وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4674&ayano=49إن أكرمكم عند الله أتقاكم } . ثم ذكر قول
الأعراب : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4675&ayano=2آمنا } .
فالسورة تنهى عن هذه
nindex.php?page=treesubj&link=19092_28847المعاصي والذنوب التي فيها تعد على الرسول وعلى [ ص: 250 ] المؤمنين فالأعراب المذكورون فيها من جنس المنافقين . وأهل السباب والفسوق والمنادين من وراء الحجرات وأمثالهم ليسوا من المنافقين ولهذا قال
المفسرون : إنهم الذين استنفروا عام
الحديبية وأولئك وإن كانوا من أهل الكبائر فلم يكونوا في الباطن كفارا منافقين .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق : {
لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم العمرة - عمرة الحديبية - استنفر من حول المدينة من أهل البوادي والأعراب ليخرجوا معه خوفا من قومه أن يعرضوا له بحرب أو بصد فتثاقل عنه كثير منهم } فهم الذين عنى الله بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4642&ayano=48سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا } أي ادع الله أن يغفر لنا تخلفنا عنك {
nindex.php?page=tafseer&surano=4642&ayano=48يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم } أي ما يبالون استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم وهذا حال الفاسق الذي لا يبالي بالذنب والمنافقون قال فيهم : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5256&ayano=63وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5257&ayano=63سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم } ولم يقل مثل هذا في هؤلاء
الأعراب بل الآية دليل على أنهم لو صدقوا في طلب الاستغفار نفعهم استغفار الرسول لهم
ثم قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4647&ayano=48ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما } فوعدهم الله بالثواب على طاعة الداعي إلى الجهاد وتوعدهم بالتولي عن طاعته . وهذا كخطاب أمثالهم من أهل الذنوب والكبائر ; بخلاف من هو كافر
[ ص: 251 ] في الباطن فإنه لا يستحق الثواب بمجرد طاعة الأمر حتى يؤمن أولا ووعيده ليس على مجرد توليه عن الطاعة في الجهاد فإن كفره أعظم من هذا .
فهذا كله يدل على أن هؤلاء من فساق الملة فإن الفسق يكون تارة بترك الفرائض وتارة بفعل المحرمات وهؤلاء لما تركوا ما فرض الله عليهم من الجهاد وحصل عندهم نوع من الريب الذي أضعف إيمانهم لم يكونوا من الصادقين الذين وصفهم وإن كانوا صادقين في أنهم في الباطن متدينون بدين الإسلام .
وقول
المفسرين : لم يكونوا مؤمنين نفي لما نفاه الله عنهم من الإيمان كما نفاه عن الزاني والسارق والشارب وعمن لا يأمن جاره بوائقه وعمن لا يحب لأخيه من الخير ما يحب لنفسه ; وعمن لا يجيب إلى حكم الله ورسوله وأمثال هؤلاء .
وقد يحتج على ذلك بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4672&ayano=49بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان } كما قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596284سباب المسلم فسوق وقتاله كفر } فذم من استبدل اسم الفسوق بعد الإيمان ; فدل على أن الفاسق لا يسمى مؤمنا فدل ذلك على أن هؤلاء
الأعراب من جنس أهل الكبائر لا من جنس المنافقين .
وأما ما نقل من أنهم أسلموا خوف القتل والسبي ; فهكذا كان إسلام غير
المهاجرين والأنصار أسلموا رغبة ورهبة كإسلام الطلقاء من
قريش بعد أن قهرهم النبي صلى الله عليه وسلم وإسلام المؤلفة قلوبهم من هؤلاء ومن
أهل نجد وليس كل من أسلم لرغبة أو رهبة كان من المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل
[ ص: 252 ] من النار ; بل يدخلون في الإسلام والطاعة وليس في قلوبهم تكذيب ومعاداة للرسول ولا استنارت قلوبهم بنور الإيمان ولا استبصروا فيه ; وهؤلاء قد يحسن إسلام أحدهم فيصير من المؤمنين كأكثر الطلقاء وقد يبقى من فساق الملة ; ومنهم من يصير منافقا مرتابا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596285إذا قال له منكر ونكير : ما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول : هاه هاه لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته } .
وقد تقدم قول من قال : إنهم أسلموا بغير قتال ; فهؤلاء كانوا أحسن إسلاما من غيرهم وأن الله إنما ذمهم لكونهم منوا بالإسلام وأنزل فيهم {
nindex.php?page=tafseer&surano=4625&ayano=47ولا تبطلوا أعمالكم } وأنهم من جنس أهل الكبائر .
وأيضا قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4675&ayano=49ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4675&ayano=2ولما } إنما ينفي بها ما ينتظر ويكون حصوله مترقبا كقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=438&ayano=3أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=223&ayano=2أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم } فقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4675&ayano=49ولما يدخل الإيمان في قلوبكم } يدل على أن دخول الإيمان منتظر منهم ; فإن الذي يدخل في الإسلام ابتداء لا يكون قد حصل في قلبه الإيمان لكنه يحصل فيما بعد كما في الحديث : {
كان الرجل يسلم أول النهار رغبة في الدنيا فلا يجيء آخر النهار إلا والإسلام أحب إليه مما طلعت عليه الشمس } .
ولهذا كان عامة الذين أسلموا رغبة ورهبة دخل الإيمان في قلوبهم بعد ذلك ; وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4675&ayano=49ولكن قولوا أسلمنا }
[ ص: 253 ] أمر لهم بأن يقولوا ذلك والمنافق لا يؤمر بشيء ثم قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4675&ayano=49وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا } والمنافق لا تنفعه طاعة الله ورسوله حتى يؤمن أولا .
وهذه الآية مما احتج بها
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل وغيره على أنه يستثنى في الإيمان دون الإسلام وأن أصحاب الكبائر يخرجون من الإيمان إلى الإسلام .
قال
الميموني : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل عن رأيه في : أنا مؤمن إن شاء الله ؟ فقال : أقول : مؤمن إن شاء الله وأقول : مسلم ولا أستثني قال : قلت
لأحمد : تفرق بين الإسلام والإيمان ؟ فقال لي : نعم فقلت له : بأي شيء تحتج ؟ قال لي : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4675&ayano=49قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا } وذكر أشياء .
[ ص: 238 ] فَصْلٌ : وَقَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=28649أَثْبَتَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ إسْلَامًا بِلَا إيمَانٍ فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4675&ayano=49قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا } . وَقَدْ ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596276عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ : أَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَهْطًا وَفِي رِوَايَةٍ قَسَمَ قَسْمًا وَتَرَكَ فِيهِمْ مَنْ لَمْ يُعْطَهُ وَهُوَ أَعْجَبُهُمْ إلَيَّ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ ما لَك عَنْ فُلَانٍ ؟ فَوَاَللَّهِ إنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو مُسْلِمًا . أَقُولُهَا ثَلَاثًا وَيُرَدِّدُهَا عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ : إنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْهُ مَخَافَةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي النَّارِ } وَفِي رِوَايَةٍ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596277فَضَرَبَ بَيْنَ عُنُقِي وَكَتِفِي وَقَالَ : أَقَتَّالٌ أَيْ سَعْدٌ } .
فَهَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=28649الْإِسْلَامُ الَّذِي نَفَى اللَّهُ عَنْ أَهْلِهِ دُخُولَ الْإِيمَانِ فِي قُلُوبِهِمْ هَلْ هُوَ إسْلَامٌ يُثَابُونَ عَلَيْهِ ؟ أَمْ هُوَ مِنْ جِنْسِ إسْلَامِ الْمُنَافِقِينَ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ
لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ إسْلَامٌ يُثَابُونَ عَلَيْهِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ . وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ
الْحَسَنِ وَابْنِ سيرين وَإِبْرَاهِيمَ النخعي [ ص: 239 ] وَأَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ ; وَهُوَ قَوْل
nindex.php?page=showalam&ids=15743حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ nindex.php?page=showalam&ids=12251وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَسَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التستري وَأَبِي طَالِبٍ الْمَكِّيِّ وَكَثِيرٍ مِنْ
أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ وَالْحَقَائِقِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ : حَدَّثَنَا
مُؤَمَّلُ بْنُ إسْحَاقَ عَنْ
عَمَّارِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ : سَمِعْت
هِشَامًا يَقُولُ : كَانَ
الْحَسَنُ وَمُحَمَّدٌ يَقُولَانِ : مُسْلِمٌ وَيَهَابَانِ : مُؤْمِنٌ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=233أَبُو سَلَمَةَ الخزاعي قَالَ : قَالَ
مَالِكٌ وَشَرِيكٌ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ nindex.php?page=showalam&ids=15744وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ nindex.php?page=showalam&ids=15743وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ : " الْإِيمَانُ " الْمَعْرِفَةُ وَالْإِقْرَارُ وَالْعَمَلُ إلَّا أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=15743حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ يَجْعَلُ الْإِيمَانَ خَاصًّا وَالْإِسْلَامَ عَامًّا .
وَ ( الْقَوْلُ الثَّانِي ) : أَنَّ هَذَا الْإِسْلَامَ : هُوَ الِاسْتِسْلَامُ خَوْفَ السَّبْيِ وَالْقَتْلِ مِثْلَ إسْلَامِ الْمُنَافِقِينَ . قَالُوا : وَهَؤُلَاءِ كُفَّارٌ فَإِنَّ الْإِيمَانَ لَمْ يَدْخُلْ فِي قُلُوبِهِمْ وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ الْإِيمَانُ فِي قَلْبِهِ فَهُوَ كَافِرٌ . وَهَذَا اخْتِيَارُ
الْبُخَارِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ المروزي وَالسَّلَفُ مُخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17032مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ : حَدَّثَنَا
إسْحَاقُ أَنْبَأَنَا
جَرِيرٌ عَنْ
مُغِيرَةَ قَالَ : أَتَيْت
إبْرَاهِيمَ النخعي فَقُلْت : إنَّ رَجُلًا خَاصَمَنِي يُقَالُ لَهُ :
سَعِيدٌ الْعَنْبَرِيُّ فَقَالَ
إبْرَاهِيمُ لَيْسَ بِالْعَنْبَرِيِّ وَلَكِنَّهُ زُبَيْدِيٌّ . قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4675&ayano=49قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا } فَقَالَ : هُوَ الِاسْتِسْلَامُ فَقَالَ
إبْرَاهِيمُ : لَا هُوَ الْإِسْلَامُ . وَقَالَ : حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ عَنْ
[ ص: 240 ] مُجَاهِدٍ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4675&ayano=49قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا } قَالَ : اسْتَسْلَمْنَا خَوْفَ السَّبْيِ وَالْقَتْلِ . وَلَكِنَّ هَذَا مُنْقَطِعٌ
سُفْيَانُ لَمْ يُدْرِكْ
مُجَاهِدًا .
وَاَلَّذِينَ قَالُوا : إنَّ هَذَا الْإِسْلَامَ هُوَ كَإِسْلَامِ الْمُنَافِقِينَ لَا يُثَابُونَ عَلَيْهِ قَالُوا : لِأَنَّ اللَّهَ نَفَى عَنْهُمْ الْإِيمَانَ وَمَنْ نُفِيَ عَنْهُ الْإِيمَانُ فَهُوَ كَافِرٌ . وَقَالَ هَؤُلَاءِ : الْإِسْلَامُ هُوَ الْإِيمَانُ وَكُلُّ مُسْلِمٍ مُؤْمِنٌ . وَكُلُّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٌ وَمَنْ جَعَلَ الْفُسَّاقَ مُسْلِمِينَ غَيْرَ مُؤْمِنِينَ لَزِمَهُ أَنْ لَا يَجْعَلَهُمْ دَاخِلِينَ فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=5يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ } وَفِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5248&ayano=62يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ } وَأَمْثَالِ ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ إنَّمَا دُعُوا بِاسْمِ الْإِيمَانِ لَا بِاسْمِ الْإِسْلَامِ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا لَمْ يَدْخُلْ فِي ذَلِكَ .
وَجَوَابُ هَذَا أَنْ يُقَالَ : الَّذِينَ قَالُوا مِنْ
السَّلَفِ : إنَّهُمْ خَرَجُوا مِنْ الْإِيمَانِ إلَى الْإِسْلَامِ لَمْ يَقُولُوا : إنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَعَهُمْ مِنْ الْإِيمَانِ شَيْءٌ بَلْ هَذَا قَوْلُ
الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ .
وَأَهْلُ السُّنَّةِ الَّذِينَ قَالُوا هَذَا يَقُولُونَ : الْفُسَّاقُ يَخْرُجُونَ مِنْ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ . وَإِنَّ مَعَهُمْ إيمَانًا يَخْرُجُونَ بِهِ مِنْ النَّارِ . لَكِنْ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِمْ اسْمُ الْإِيمَانِ لِأَنَّ الْإِيمَانَ الْمُطْلَقَ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ صَاحِبُهُ الثَّوَابَ وَدُخُولَ الْجَنَّةِ وَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِهِ وَهُمْ يَدْخُلُونَ فِي الْخِطَابِ بِالْإِيمَانِ لِأَنَّ الْخِطَابَ بِذَلِكَ هُوَ لِمَنْ دَخَلَ فِي الْإِيمَانِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهُ فَإِنَّهُ إنَّمَا خُوطِبَ لِيَفْعَلَ تَمَامَ الْإِيمَانِ فَكَيْفَ يَكُونُ قَدْ أَتَمَّهُ قَبْلَ الْخِطَابِ وَإِلَّا كُنَّا قَدْ تَبَيَّنَّا أَنَّ هَذَا الْمَأْمُورَ مِنْ الْإِيمَانِ قَبْلَ الْخِطَابِ ; وَإِنَّمَا صَارَ مِنْ الْإِيمَانِ بَعْدَ أَنْ أُمِرُوا بِهِ فَالْخِطَابُ بِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=5248&ayano=2يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } غَيْرُ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4676&ayano=49إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ } وَنَظَائِرِهَا فَإِنَّ الْخِطَابَ بِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=5248&ayano=2يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } أَوَّلًا : يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ أَظْهَرَ الْإِيمَانَ وَإِنْ كَانَ مُنَافِقًا فِي الْبَاطِنِ يَدْخُلُ فِيهِ فِي الظَّاهِرِ فَكَيْفَ لَا يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ لَمْ يَكُنْ مُنَافِقًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ حَقًّا .
وَحَقِيقَتُهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ حَقًّا يُقَالُ فِيهِ : إنَّهُ مُسْلِمٌ وَمَعَهُ إيمَانٌ يَمْنَعُهُ الْخُلُودَ فِي النَّارِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ
أَهْلِ السُّنَّةِ . لَكِنْ هَلْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْإِيمَانِ ؟ هَذَا هُوَ الَّذِي تَنَازَعُوا فِيهِ فَقِيلَ : يُقَالُ مُسْلِمٌ وَلَا يُقَالُ : مُؤْمِنٌ . وَقِيلَ : بَلْ يُقَالُ : مُؤْمِنٌ .
وَالتَّحْقِيقُ أَنْ يُقَالَ : إنَّهُ مُؤْمِنٌ نَاقِصُ الْإِيمَانِ مُؤْمِنٌ بِإِيمَانِهِ فَاسِقٌ بِكَبِيرَتِهِ وَلَا يُعْطَى اسْمَ الْإِيمَانِ الْمُطْلَقِ ; فَإِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ نَفَيَا عَنْهُ الِاسْمَ الْمُطْلَقَ ; وَاسْمُ الْإِيمَانِ يَتَنَاوَلُهُ فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ إيجَابٌ عَلَيْهِ وَتَحْرِيمٌ عَلَيْهِ وَهُوَ لَازِمٌ لَهُ كَمَا يَلْزَمُهُ غَيْرُهُ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي اسْمِ الْمَدْحِ الْمُطْلَقِ ; وَعَلَى هَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=28647فَالْخِطَابُ بِالْإِيمَانِ يَدْخُلُ فِيهِ " ثَلَاثُ طَوَائِفَ " : يَدْخُلُ فِيهِ الْمُؤْمِنُ حَقًّا وَيَدْخُلُ فِيهِ الْمُنَافِقُ فِي أَحْكَامِهِ الظَّاهِرَةِ وَإِنْ كَانُوا فِي الْآخِرَةِ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ ; وَهُوَ فِي الْبَاطِنِ يَنْفِي عَنْهُ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ وَفِي الظَّاهِرِ يَثْبُتُ لَهُ الْإِسْلَامُ وَالْإِيمَانُ الظَّاهِرُ ; وَيَدْخُلُ فِيهِ الَّذِينَ أَسْلَمُوا وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ حَقِيقَةُ الْإِيمَانِ فِي قُلُوبِهِمْ ; لَكِنْ مَعَهُمْ جُزْءٌ مِنْ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ يُثَابُونَ عَلَيْهِ .
[ ص: 242 ] ثُمَّ قَدْ يَكُونُونَ مُفْرِطِينَ فِيمَا فُرِضَ عَلَيْهِمْ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مِنْ الْكَبَائِرِ مَا يُعَاقَبُونَ عَلَيْهِ كَأَهْلِ الْكَبَائِرِ لَكِنْ يُعَاقَبُونَ عَلَى تَرْكِ الْمَفْرُوضَاتِ وَهَؤُلَاءِ
كَالْأَعْرَابِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْآيَةِ وَغَيْرِهِمْ ; فَإِنَّهُمْ قَالُوا : آمَنَّا مِنْ غَيْرِ قِيَامٍ مِنْهُمْ بِمَا أُمِرُوا بِهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا . فَلَا دَخَلَتْ حَقِيقَةُ الْإِيمَانِ فِي قُلُوبِهِمْ وَلَا جَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ كَانَ دَعَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْجِهَادِ وَقَدْ يَكُونُونَ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ الْمُعَرَّضِينَ لِلْوَعِيدِ ; كَاَلَّذِينَ يُصَلُّونَ وَيُزَكُّونَ وَيُجَاهِدُونَ وَيَأْتُونَ الْكَبَائِرَ ; وَهَؤُلَاءِ لَا يَخْرُجُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ ; بَلْ هُمْ مُسْلِمُونَ وَلَكِنْ بَيْنَهُمْ نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ : هَلْ يُقَالُ : إنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ ؟ .
وَأَمَّا "
الْخَوَارِجُ " ; "
وَالْمُعْتَزِلَةُ " فَيُخْرِجُونَهُمْ مِنْ اسْمِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ ; فَإِنَّ الْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ عِنْدَهُمْ وَاحِدٌ ; فَإِذَا خَرَجُوا عِنْدَهُمْ مِنْ الْإِيمَانِ خَرَجُوا مِنْ الْإِسْلَامِ ; لَكِنَّ
الْخَوَارِجَ تَقُولُ : هُمْ كُفَّارٌ ;
وَالْمُعْتَزِلَةَ تَقُولُ : لَا مُسْلِمُونَ وَلَا كُفَّارُ ; يُنْزِلُونَهُمْ مَنْزِلَةً بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ ; وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ هُوَ إسْلَامٌ يُثَابُونَ عَلَيْهِ وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا مُنَافِقِينَ أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4675&ayano=49قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } ثُمَّ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4675&ayano=49وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا } فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ إذَا أَطَاعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ مَعَ هَذَا الْإِسْلَامِ ; آجَرَهُمْ اللَّهُ عَلَى الطَّاعَةِ . وَالْمُنَافِقُ عَمَلُهُ حَابِطٌ فِي الْآخِرَةِ .
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ وَصَفَهُمْ بِخِلَافِ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ فَإِنَّ الْمُنَافِقِينَ وَصَفَهُمْ بِكُفْرِ فِي قُلُوبِهِمْ وَأَنَّهُمْ يُبْطِنُونَ خِلَافَ مَا يُظْهِرُونَ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=2وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=2يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=2فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا } الْآيَاتِ .
وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5252&ayano=63إذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } فَالْمُنَافِقُونَ يَصِفُهُمْ فِي الْقُرْآنِ بِالْكَذِبِ ; وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَبِأَنَّ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الْكُفْرِ مَا يُعَاقَبُونَ عَلَيْهِ ; وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَصِفْهُمْ بِشَيْءِ مِنْ ذَلِكَ لَكِنْ لَمَّا ادَّعَوْا الْإِيمَانَ قَالَ لِلرَّسُولِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4675&ayano=49قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا } .
وَنَفْيُ الْإِيمَانِ الْمُطْلَقِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونُوا مُنَافِقِينَ كَمَا فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1169&ayano=8يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } ثُمَّ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1170&ayano=8إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1171&ayano=8الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1172&ayano=8أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا } وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ مَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ ; يَكُونُ مُنَافِقًا مِنْ أَهْلِ الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ بَلْ لَا يَكُونُ قَدْ أَتَى بِالْإِيمَانِ الْوَاجِبِ فَنُفِيَ عَنْهُ كَمَا يُنْفَى سَائِرُ الْأَسْمَاءِ عَمَّنْ تَرَكَ بَعْضَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ
الْأَعْرَابُ لَمْ يَأْتُوا بِالْإِيمَانِ الْوَاجِبِ ; فَنُفِيَ عَنْهُمْ لِذَلِكَ وَإِنْ كَانُوا مُسْلِمِينَ مَعَهُمْ مِنْ الْإِيمَانِ مَا يُثَابُونَ عَلَيْهِ .
وَهَذَا حَالُ أَكْثَرِ الدَّاخِلِينَ فِي الْإِسْلَامِ ابْتِدَاءً ; بَلْ حَالُ أَكْثَرِ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ
[ ص: 244 ] حَقَائِقَ الْإِيمَانِ ; فَإِنَّ الرَّجُلَ إذَا قُوتِلَ حَتَّى أَسْلَمَ كَمَا كَانَ
الْكُفَّارُ يُقَاتِلُونَ حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْأَسْرِ أَوْ سَمِعَ بِالْإِسْلَامِ فَجَاءَ فَأَسْلَمَ ; فَإِنَّهُ مُسْلِمٌ مُلْتَزِمٌ طَاعَةَ الرَّسُولِ وَلَمْ تَدْخُلْ إلَى قَلْبِهِ الْمَعْرِفَةُ بِحَقَائِقِ الْإِيمَانِ فَإِنَّ هَذَا إنَّمَا يَحْصُلُ لِمَنْ تَيَسَّرَتْ لَهُ أَسْبَابُ ذَلِكَ ; إمَّا بِفَهْمِ الْقُرْآنِ وَإِمَّا بِمُبَاشَرَةِ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالِاقْتِدَاءِ بِمَا يَصْدُرُ عَنْهُمْ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ وَإِمَّا بِهِدَايَةِ خَاصَّةٍ مِنْ اللَّهِ يَهْدِيهِ بِهَا .
وَالْإِنْسَانُ قَدْ يَظْهَرُ لَهُ مِنْ مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ مَا يَدْعُوهُ إلَى الدُّخُولِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ وُلِدَ عَلَيْهِ وَتَرَبَّى بَيْنَ أَهْلِهِ فَإِنَّهُ يُحِبُّهُ فَقَدْ ظَهَرَ لَهُ بَعْضُ مَحَاسِنِهِ وَبَعْضُ مَسَاوِئِ الْكُفَّارِ . وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ قَدْ يَرْتَابُ إذَا سَمِعَ الشُّبَهَ الْقَادِحَةَ فِيهِ وَلَا يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ; فَلَيْسَ هُوَ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4676&ayano=49إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } وَلَيْسَ هُوَ مُنَافِقًا فِي الْبَاطِنِ مُضْمِرًا لِلْكُفْرِ فَلَا هُوَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ حَقًّا وَلَا هُوَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَلَا هُوَ أَيْضًا مِنْ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ بَلْ يَأْتِي بِالطَّاعَاتِ الظَّاهِرَةِ وَلَا يَأْتِي بِحَقَائِقِ الْإِيمَانِ الَّتِي يَكُونُ بِهَا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ حَقًّا ; فَهَذَا مَعَهُ إيمَانٌ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ حَقًّا وَيُثَابُ عَلَى مَا فَعَلَ مِنْ الطَّاعَاتِ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4675&ayano=49وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا } وَلِهَذَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4678&ayano=49يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } يَعْنِي فِي قَوْلِكُمْ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4675&ayano=2آمَنَّا } . يَقُولُ : إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَاَللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ ; وَهَذَا
[ ص: 245 ] يَقْتَضِي أَنَّهُمْ قَدْ يَكُونُونَ صَادِقِينَ فِي قَوْلِهِمْ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4675&ayano=2آمَنَّا } .
ثُمَّ صَدَقَهُمْ إمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ اتِّصَافُهُمْ بِأَنَّهُمْ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4676&ayano=49آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } وَإِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا كَالْمُنَافِقِينَ بَلْ مَعَهُمْ إيمَانٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَدَّعُوا مُطْلَقَ الْإِيمَانِ وَهَذَا أَشْبَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ النِّسْوَةَ الْمُمْتَحِنَاتِ قَالَ فِيهِنَّ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5220&ayano=60فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ } وَلَا يُمْكِنُ نَفْيُ الرَّيْبِ عَنْهُنَّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلِأَنَّ اللَّهَ إنَّمَا كَذَّبَ الْمُنَافِقِينَ وَلَمْ يُكَذِّبْ غَيْرَهُمْ ; وَهَؤُلَاءِ لَمْ يُكَذِّبْهُمْ وَلَكِنْ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4675&ayano=44لَمْ تُؤْمِنُوا } كَمَا قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31175لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ } وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=23829لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ } وَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31189لَا يُؤْمِنُ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ } وَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا مُنَافِقِينَ . وَسِيَاقُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ ذَمَّهُمْ لِكَوْنِهِمْ مَنَّوْا بِإِسْلَامِهِمْ لِجَهْلِهِمْ وَجَفَائِهِمْ وَأَظْهَرُوا مَا فِي أَنْفُسِهِمْ مَعَ عِلْمِ اللَّهِ بِهِ ; فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4677&ayano=49قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ } فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي قُلُوبِهِمْ شَيْءٌ مِنْ الدِّينِ لَمْ يَكُونُوا يُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِهِمْ ; فَإِنَّ الْإِسْلَامَ الظَّاهِرَ يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ .
وَدَخَلَتْ الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4677&ayano=49أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ } لِأَنَّهُ ضُمِّنَ مَعْنَى يُخْبِرُونَ وَيُحَدِّثُونَ كَأَنَّهُ قَالَ : أَتُخْبِرُونَهُ وَتُحَدِّثُونَهُ بِدِينِكُمْ وَهُوَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ . وَسِيَاقُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي أَخْبَرُوا بِهِ اللَّهَ هُوَ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4675&ayano=2آمَنَّا } فَإِنَّهُمْ أَخْبَرُوا عَمَّا فِي قُلُوبِهِمْ .
[ ص: 246 ] وَقَدْ ذَكَرَ
الْمُفَسِّرُونَ أَنَّهُ {
لَمَّا نَزَلَتْ هَاتَانِ الْآيَتَانِ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْلِفُونَ أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ صَادِقُونَ فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى { nindex.php?page=tafseer&surano=4677&ayano=49قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ } } وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا صَادِقِينَ أَوَّلًا فِي دُخُولِهِمْ فِي الدِّينِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَجَدَّدْ لَهُمْ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ جِهَادٌ حَتَّى يَدْخُلُوا بِهِ فِي الْآيَةِ إنَّمَا هُوَ كَلَامٌ قَالُوهُ وَهُوَ سُبْحَانَهُ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4675&ayano=49وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } وَلَفْظُ : ( لَمَّا يَنْفِي بِهِ مَا يَقْرُبُ حُصُولُهُ وَيَحْصُلُ غَالِبًا كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=438&ayano=3أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ }
وَقَدْ قَالَ
السدي : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَعْرَابِ
مزينة وَجُهَيْنَةَ وَأَسْلَمَ وَأَشْجَعَ وَغِفَارٍ وَهُمْ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِي سُورَةِ الْفَتْحِ وَكَانُوا يَقُولُونَ : آمَنَّا بِاَللَّهِ لِيَأْمَنُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَلَمَّا اسْتَنْفَرُوا إلَى
الْحُدَيْبِيَةِ تَخَلَّفُوا ; فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ .
وَعَنْ
مُقَاتِلٍ : كَانَتْ مَنَازِلُهُمْ بَيْنَ
مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَكَانُوا إذَا مَرَّتْ بِهِمْ سَرِيَّةٌ مِنْ سَرَايَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا : آمَنَّا لِيَأْمَنُوا عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَلَمَّا سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى
الْحُدَيْبِيَةِ اسْتَنْفَرَهُمْ فَلَمْ يَنْفِرُوا مَعَهُ .
وَقَالَ
مُجَاهِدٌ : نَزَلَتْ فِي
أَعْرَابِ بَنِي أَسَدِ بْنِ خزيمة وَوَصَفَ غَيْرُهُ حَالَهُمْ . فَقَالَ : قَدِمُوا
الْمَدِينَةَ فِي سَنَةٍ مُجْدِبَةٍ فَأَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ وَلَمْ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَأَفْسَدُوا طُرُقَ
الْمَدِينَةِ بِالْعَذِرَاتِ وَأَغْلَوْا أَسْعَارَهُمْ وَكَانُوا يَمُنُّونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
[ ص: 247 ] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ : أَتَيْنَاك بِالْأَثْقَالِ وَالْعِيَالِ فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ وَقَدْ قَالَ
قتادة فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4678&ayano=49يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } قَالَ : مَنَّوْا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ جَاءُوا فَقَالُوا : إنَّا أَسْلَمْنَا بِغَيْرِ قِتَالٍ لَمْ نُقَاتِلْك كَمَا قَاتَلَك بَنُو فُلَانٍ وَبَنُو فُلَانٍ فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4678&ayano=49يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ } .
وَقَالَ
مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ : هُمْ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596279أَعْرَابُ بَنِي أَسَدِ بْنِ خزيمة قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَيْنَاك بِغَيْرِ قِتَالٍ وَتَرَكْنَا الْعَشَائِرَ وَالْأَمْوَالَ وَكُلُّ قَبِيلَةٍ مِنْ الْعَرَبِ قَاتَلَتْك حَتَّى دَخَلُوا كُرْهًا فِي الْإِسْلَامِ ; فَلَنَا بِذَلِكَ عَلَيْك حَقٌّ : فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : { nindex.php?page=tafseer&surano=4678&ayano=49يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } } . فَلَهُ بِذَلِكَ الْمَنُّ عَلَيْكُمْ وَفِيهِمْ أَنْزَلَ اللَّهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4625&ayano=47وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } وَيُقَالُ : مِنْ الْكَبَائِرِ الَّتِي خُتِمَتْ بِنَارِ كُلُّ مُوجِبَةٍ مَنْ رَكِبَهَا وَمَاتَ عَلَيْهَا لَمْ يَتُبْ مِنْهَا .
وَهَذَا كُلُّهُ يُبَيِّنُ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا كُفَّارًا فِي الْبَاطِنِ ; وَلَا كَانُوا قَدْ دَخَلُوا فِيمَا يَجِبُ مِنْ الْإِيمَانِ ; وَسُورَةُ الْحُجُرَاتِ قَدْ ذَكَرَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافَ فَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4665&ayano=49إنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ } وَلَمْ يَصِفْهُمْ بِكُفْرِ وَلَا نِفَاقٍ ; لَكِنَّ هَؤُلَاءِ يُخْشَى عَلَيْهِمْ الْكُفْرُ وَالنِّفَاقُ وَلِهَذَا ارْتَدَّ بَعْضُهُمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُخَالِطْ الْإِيمَانُ بَشَاشَةَ قُلُوبِهِمْ وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4667&ayano=49يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا } الْآيَةَ وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي
الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ وَكَانَ قَدْ كَذَبَ فِيمَا أَخْبَرَ .
قَالَ
الْمُفَسِّرُونَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596280الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ لِيَقْبِضَ صَدَقَاتِهِمْ وَقَدْ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَدَاوَةٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَسَارَ بَعْضَ الطَّرِيقِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إنَّهُمْ مَنَعُوا الصَّدَقَةَ وَأَرَادُوا قَتْلِي فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَعْثَ إلَيْهِمْ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ } .
وَهَذِهِ الْقِصَّةُ مَعْرُوفَةٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى فِي تَمَامِهَا : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4668&ayano=49وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4670&ayano=49وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى } الْآيَةَ . ثُمَّ نَهَاهُمْ عَنْ أَنْ يَسْخَرَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضِ وَعَنْ اللَّمْزِ وَالتَّنَابُزِ بِالْأَلْقَابِ وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4672&ayano=49بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ } وَقَدْ قِيلَ : مَعْنَاهُ : لَا تُسَمِّيهِ فَاسِقًا وَلَا كَافِرًا بَعْدَ إيمَانِهِ وَهَذَا ضَعِيفٌ بَلْ الْمُرَادُ : بِئْسَ الِاسْمُ أَنْ تَكُونُوا فُسَّاقًا بَعْدَ إيمَانِكُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الَّذِي كَذَبَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4667&ayano=49إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا } فَسَمَّاهُ فَاسِقًا .
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596281سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ } يَقُولُ : فَإِذَا سَابَبْتُمْ الْمُسْلِمَ وَسَخِرْتُمْ مِنْهُ وَلَمَزْتُمُوهُ اسْتَحْقَقْتُمْ أَنْ تُسَمُّوا فُسَّاقًا وَقَدْ قَالَ فِي آيَةِ الْقَذْفِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2819&ayano=24وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } . يَقُولُ : فَإِذَا أَتَيْتُمْ بِهَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي تَسْتَحِقُّونَ بِهَا أَنْ تُسَمُّوا
[ ص: 249 ] فُسَّاقًا كُنْتُمْ قَدْ اسْتَحْقَقْتُمْ اسْمَ الْفُسُوقِ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَإِلَّا فَهُمْ فِي تَنَابُزِهِمْ مَا كَانُوا يَقُولُونَ : فَاسِقٌ كَافِرٌ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ
الْمَدِينَةَ وَبَعْضُهُمْ يُلَقِّبُ بَعْضًا .
وَقَدْ قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ
الْمُفَسِّرِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ :
nindex.php?page=treesubj&link=19100_29020لَا تُسَمِّيهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ بِدِينِهِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ كَقَوْلِهِ لِلْيَهُودِيِّ إذَا أَسْلَمَ : يَا يَهُودِيُّ ، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَطَائِفَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ
كَالْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ والقرظي وَقَالَ
عِكْرِمَةُ : هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ : يَا كَافِرُ يَا مُنَافِقُ وَقَالَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ : هُوَ تَسْمِيَةُ الرَّجُلِ بِالْأَعْمَالِ كَقَوْلِهِ : يَا زَانِي يَا سَارِقُ يَا فَاسِقُ وَفِي تَفْسِيرِ
العوفي عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : هُوَ تَعْيِيرُ التَّائِبِ بِسَيِّئَاتِ كَانَ قَدْ عَمِلَهَا وَمَعْلُومٌ أَنَّ اسْمَ الْكُفْرِ وَالْيَهُودِيَّةِ وَالزَّانِي وَالسَّارِقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ السَّيِّئَاتِ لَيْسَتْ هِيَ اسْمَ الْفَاسِقِ فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4672&ayano=49بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ } لَمْ يُرِدْ بِهِ تَسْمِيَةَ الْمَسْبُوبِ بِاسْمِ الْفَاسِقِ فَإِنَّ تَسْمِيَتَهُ كَافِرًا أَعْظَمُ بَلْ إنَّ السَّابَّ يَصِيرُ فَاسِقًا لِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596282سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ } ثُمَّ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4672&ayano=49وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } فَجَعَلَهُمْ ظَالِمِينَ إذَا لَمْ يَتُوبُوا مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانُوا يَدْخُلُونَ فِي اسْمِ الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ ذَكَرَ النَّهْيَ عَنْ الْغِيبَةِ ثُمَّ ذَكَرَ النَّهْيَ عَنْ التَّفَاخُرِ بِالْأَحْسَابِ وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4674&ayano=49إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } . ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ
الْأَعْرَابِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4675&ayano=2آمَنَّا } .
فَالسُّورَةُ تَنْهَى عَنْ هَذِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=19092_28847الْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ الَّتِي فِيهَا تَعَدٍّ عَلَى الرَّسُولِ وَعَلَى [ ص: 250 ] الْمُؤْمِنِينَ فَالْأَعْرَابُ الْمَذْكُورُونَ فِيهَا مِنْ جِنْسِ الْمُنَافِقِينَ . وَأَهْلُ السِّبَابِ وَالْفُسُوقِ وَالْمُنَادِينَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ وَأَمْثَالُهُمْ لَيْسُوا مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَلِهَذَا قَالَ
الْمُفَسِّرُونَ : إنَّهُمْ الَّذِينَ اُسْتُنْفِرُوا عَامَ
الْحُدَيْبِيَةِ وَأُولَئِكَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ فَلَمْ يَكُونُوا فِي الْبَاطِنِ كُفَّارًا مُنَافِقِينَ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إسْحَاقَ : {
لَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعُمْرَةَ - عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ - اسْتَنْفَرَ مَنْ حَوْلَ الْمَدِينَةِ مِنْ أَهْلِ الْبَوَادِي وَالْأَعْرَابِ لِيَخْرُجُوا مَعَهُ خَوْفًا مِنْ قَوْمِهِ أَنْ يَعْرِضُوا لَهُ بِحَرْبِ أَوْ بِصَدِّ فَتَثَاقَلَ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ } فَهُمْ الَّذِينَ عَنَى اللَّهُ بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4642&ayano=48سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا } أَيْ اُدْعُ اللَّهَ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا تَخَلُّفَنَا عَنْك {
nindex.php?page=tafseer&surano=4642&ayano=48يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } أَيْ مَا يُبَالُونَ اسْتَغْفَرْت لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَهَذَا حَالُ الْفَاسِقِ الَّذِي لَا يُبَالِي بِالذَّنْبِ وَالْمُنَافِقُونَ قَالَ فِيهِمْ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5256&ayano=63وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5257&ayano=63سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ } وَلَمْ يَقُلْ مِثْلَ هَذَا فِي هَؤُلَاءِ
الْأَعْرَابِ بَلْ الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَوْ صَدَقُوا فِي طَلَبِ الِاسْتِغْفَارِ نَفَعَهُمْ اسْتِغْفَارُ الرَّسُولِ لَهُمْ
ثُمَّ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4647&ayano=48سَتُدْعَوْنَ إلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } فَوَعَدَهُمْ اللَّهُ بِالثَّوَابِ عَلَى طَاعَةِ الدَّاعِي إلَى الْجِهَادِ وَتَوَعَّدَهُمْ بِالتَّوَلِّي عَنْ طَاعَتِهِ . وَهَذَا كَخِطَابِ أَمْثَالِهِمْ مِنْ أَهْلِ الذُّنُوبِ وَالْكَبَائِرِ ; بِخِلَافِ مَنْ هُوَ كَافِرٌ
[ ص: 251 ] فِي الْبَاطِنِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ بِمُجَرَّدِ طَاعَةِ الْأَمْرِ حَتَّى يُؤْمِنَ أَوَّلًا وَوَعِيدُهُ لَيْسَ عَلَى مُجَرَّدِ تَوَلِّيهِ عَنْ الطَّاعَةِ فِي الْجِهَادِ فَإِنَّ كُفْرَهُ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا .
فَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ فُسَّاقِ الْمِلَّةِ فَإِنَّ الْفِسْقَ يَكُونُ تَارَةً بِتَرْكِ الْفَرَائِضِ وَتَارَةً بِفِعْلِ الْمُحَرَّمَاتِ وَهَؤُلَاءِ لَمَّا تَرَكُوا مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْجِهَادِ وَحَصَلَ عِنْدَهُمْ نَوْعٌ مِنْ الرَّيْبِ الَّذِي أَضْعَفَ إيمَانَهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ الصَّادِقِينَ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ وَإِنْ كَانُوا صَادِقِينَ فِي أَنَّهُمْ فِي الْبَاطِنِ مُتَدَيِّنُونَ بِدِينِ الْإِسْلَامِ .
وَقَوْلُ
الْمُفَسِّرِينَ : لَمْ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ نَفْيٌ لِمَا نَفَاهُ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ الْإِيمَانِ كَمَا نَفَاهُ عَنْ الزَّانِي وَالسَّارِقِ وَالشَّارِبِ وَعَمَّنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ وَعَمَّنْ لَا يُحِبُّ لِأَخِيهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ ; وَعَمَّنْ لَا يُجِيبُ إلَى حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ .
وَقَدْ يُحْتَجُّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4672&ayano=49بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ } كَمَا قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596284سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ } فَذَمَّ مَنْ اسْتَبْدَلَ اسْمَ الْفُسُوقِ بَعْدَ الْإِيمَانِ ; فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْفَاسِقَ لَا يُسَمَّى مُؤْمِنًا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ
الْأَعْرَابَ مِنْ جِنْسِ أَهْلِ الْكَبَائِرِ لَا مِنْ جِنْسِ الْمُنَافِقِينَ .
وَأَمَّا مَا نُقِلَ مِنْ أَنَّهُمْ أَسْلَمُوا خَوْفَ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ ; فَهَكَذَا كَانَ إسْلَامُ غَيْرِ
الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ أَسْلَمُوا رَغْبَةً وَرَهْبَةً كَإِسْلَامِ الطُّلَقَاءِ مِنْ
قُرَيْشٍ بَعْدَ أَنْ قَهَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِسْلَامِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ هَؤُلَاءِ وَمِنْ
أَهْلِ نَجْدٍ وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ أَسْلَمَ لِرَغْبَةِ أَوْ رَهْبَةٍ كَانَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ هُمْ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ
[ ص: 252 ] مِنْ النَّارِ ; بَلْ يَدْخُلُونَ فِي الْإِسْلَامِ وَالطَّاعَةِ وَلَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ تَكْذِيبٌ وَمُعَادَاةٌ لِلرَّسُولِ وَلَا اسْتَنَارَتْ قُلُوبُهُمْ بِنُورِ الْإِيمَانِ وَلَا اُسْتُبْصِرُوا فِيهِ ; وَهَؤُلَاءِ قَدْ يَحْسُنُ إسْلَامُ أَحَدِهِمْ فَيَصِيرُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ كَأَكْثَرِ الطُّلَقَاءِ وَقَدْ يَبْقَى مِنْ فُسَّاقِ الْمِلَّةِ ; وَمِنْهُمْ مَنْ يَصِيرُ مُنَافِقًا مُرْتَابًا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596285إذَا قَالَ لَهُ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ : مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ ؟ فَيَقُولُ : هاه هاه لَا أَدْرِي سَمِعْت النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْته } .
وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ مَنْ قَالَ : إنَّهُمْ أَسْلَمُوا بِغَيْرِ قِتَالٍ ; فَهَؤُلَاءِ كَانُوا أَحْسَنَ إسْلَامًا مِنْ غَيْرِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ إنَّمَا ذَمَّهُمْ لِكَوْنِهِمْ مَنَّوْا بِالْإِسْلَامِ وَأَنْزَلَ فِيهِمْ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4625&ayano=47وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } وَأَنَّهُمْ مِنْ جِنْسِ أَهْلِ الْكَبَائِرِ .
وَأَيْضًا قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4675&ayano=49وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4675&ayano=2وَلَمَّا } إنَّمَا يَنْفِي بِهَا مَا يُنْتَظَرُ وَيَكُونُ حُصُولُهُ مُتَرَقَّبًا كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=438&ayano=3أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=223&ayano=2أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ } فَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4675&ayano=49وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } يَدُلُّ عَلَى أَنَّ دُخُولَ الْإِيمَانِ مُنْتَظَرٌ مِنْهُمْ ; فَإِنَّ الَّذِي يَدْخُلُ فِي الْإِسْلَامِ ابْتِدَاءً لَا يَكُونُ قَدْ حَصَلَ فِي قَلْبِهِ الْإِيمَانُ لَكِنَّهُ يَحْصُلُ فِيمَا بَعْدُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ : {
كَانَ الرَّجُلُ يُسْلِمُ أَوَّلَ النَّهَارِ رَغْبَةً فِي الدُّنْيَا فَلَا يَجِيءُ آخِرَ النَّهَارِ إلَّا وَالْإِسْلَامُ أَحَبُّ إلَيْهِ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ } .
وَلِهَذَا كَانَ عَامَّةُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا رَغْبَةً وَرَهْبَةً دَخَلَ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ ; وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4675&ayano=49وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا }
[ ص: 253 ] أَمْرٌ لَهُمْ بِأَنْ يَقُولُوا ذَلِكَ وَالْمُنَافِقُ لَا يُؤْمَرُ بِشَيْءِ ثُمَّ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4675&ayano=49وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا } وَالْمُنَافِقُ لَا تَنْفَعُهُ طَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ حَتَّى يُؤْمِنَ أَوَّلًا .
وَهَذِهِ الْآيَةُ مِمَّا احْتَجَّ بِهَا
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَثْنَى فِي الْإِيمَانِ دُونَ الْإِسْلَامِ وَأَنَّ أَصْحَابَ الْكَبَائِرِ يَخْرُجُونَ مِنْ الْإِيمَانِ إلَى الْإِسْلَامِ .
قَالَ
الميموني : سَأَلْت
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَد بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ رَأْيِهِ فِي : أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ ؟ فَقَالَ : أَقُولُ : مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَقُولُ : مُسْلِمٌ وَلَا أَسْتَثْنِي قَالَ : قُلْت
لِأَحْمَدَ : تُفَرِّقُ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ ؟ فَقَالَ لِي : نَعَمْ فَقُلْت لَهُ : بِأَيِّ شَيْءٍ تَحْتَجُّ ؟ قَالَ لِي : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4675&ayano=49قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا } وَذَكَرَ أَشْيَاءَ .