[ ص: 474 ] و ( المقصود أن لوط لم تكن مؤمنة ولم تكن من الناجين المخرجين فلم تدخل في قوله : { امرأة فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين } وكانت من أهل البيت المسلمين وممن وجد فيه ولهذا قال تعالى : { فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين } . وبهذا تظهر حكمة القرآن حيث ذكر لما أخبر بالإخراج وذكر الإسلام لما أخبر بالوجود . وأيضا فقد قال تعالى : { الإيمان إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات } ففرق بين هذا وهذا . فهذه ثلاثة مواضع في القرآن . و " أيضا " فقد ثبت في الصحيحين { سعد بن أبي وقاص قال : أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالا ولم يعط رجلا . فقلت : يا رسول الله أعطيت فلانا وتركت فلانا وهو مؤمن . فقال : أو مسلم ؟ قال : ثم غلبني ما أجد فقلت : يا رسول الله أعطيت فلانا وفلانا وتركت فلانا وهو مؤمن فقال أو مسلم ؟ مرتين أو ثلاثا وذكر في تمام الحديث أنه يعطي رجالا ويدع من هو أحب إليه منهم ; خشية أن يكبهم الله في النار على مناخرهم } . قال عن الزهري : فكانوا يرون أن فأجاب الإسلام الكلمة والإيمان العمل سعدا بجوابين " أحدهما " : أن هذا الذي شهدت له بالإيمان قد يكون مسلما لا مؤمنا .
" الثاني " : إن كان مؤمنا وهو أفضل من أولئك فأنا قد أعطي من هو أضعف إيمانا ; لئلا يحمله الحرمان على الردة فيكبه الله في [ ص: 475 ] النار على وجهه . وهذا من إعطاء المؤلفة قلوبهم . وحينئذ فهؤلاء ؟ هذا مما تنازع فيه أهل العلم على اختلاف أصنافهم . فقالت طائفة من أهل الحديث والكلام وغيرهم : بل هم المنافقون الذين استسلموا وانقادوا في الظاهر ولم يدخل إلى قلوبهم شيء من الإيمان . وأصحاب هذا القول قد يقولون الإسلام المقبول هو الإيمان ; ولكن هؤلاء أسلموا ظاهرا لا باطنا فلم يكونوا مسلمين في الباطن ولم يكونوا مؤمنين . وقالوا : إن الله سبحانه يقول : { الذين أثبت لهم القرآن والسنة الإسلام ; دون الإيمان هل هم المنافقون الكفار في الباطن ؟ أم يدخل فيهم قوم فيهم بعض الإيمان ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه } . بيانه كل مسلم مؤمن فما ليس من الإسلام فليس مقبولا يوجب أن يكون الإيمان منه . وهؤلاء يقولون : كل مؤمن مسلم وكل مسلم مؤمن إذا كان مسلما في الباطن . وأما الكافر المنافق في الباطن فإنه خارج عن المؤمنين المستحقين للثواب باتفاق المسلمين . ولا يسمون بمؤمنين عند أحد من سلف الأمة وأئمتها ولا عند أحد من طوائف المسلمين . إلا عند طائفة من المرجئة وهم الكرامية الذين قالوا إن الإيمان هو مجرد التصديق في الظاهر . فإذا فعل ذلك : كان مؤمنا وإن كان مكذبا في الباطن وسلموا أنه معذب مخلد في الآخرة . فنازعوا في اسمه لا في [ ص: 476 ] حكمه .
ومن الناس من يحكي عنهم أنهم جعلوهم من أهل الجنة وهو غلط عليهم . ومع هذا فتسميتهم له مؤمنا : بدعة ابتدعوها مخالفة للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وهذه البدعة الشنعاء هي التي انفرد بها الكرامية دون سائر مقالاتهم . قال الجمهور من السلف والخلف : بل هؤلاء قد لا يكونون كفارا في الباطن بل معهم بعض الإسلام المقبول . وهؤلاء يقولون : الإسلام أوسع من الإيمان فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمنا . ويقولون : في { الذين وصفوا بالإسلام دون الإيمان } إنه يخرج من الإيمان إلى الإسلام ودوروا للإسلام دارة ودوروا للإيمان دارة أصغر منها في جوفها وقالوا : إذا زنى خرج من الإيمان إلى الإسلام ولا يخرجه من الإسلام إلى الكفر . ودليل ذلك أن الله تبارك وتعالى قال : { قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق - حين يسرق - وهو مؤمن ولا يشرب الخمر - حين يشربها - وهو مؤمن قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم } { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون } { قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض والله بكل شيء عليم } { يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين } . فقد قال تعالى : { لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم } وهذا الحرف - أي ( لما - ينفى به ما قرب وجوده وانتظر وجوده ولم يوجد بعد . فيقول لمن ينتظر غائبا أي " لما " . ويقول قد جاء لما يجئ بعد . فلما قالوا : { آمنا } قيل : { لم تؤمنوا } بعد بل الإيمان مرجو منتظر منهم . ثم قال : { وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم } أي : لا ينقصكم من أعمالكم المثبتة ( شيئا أي : في هذه الحال ; فإنه لو أرادوا طاعة الله ورسوله بعد دخول الإيمان في قلوبهم لم يكن في ذلك فائدة لهم ولا لغيرهم ; إذ كان من المعلوم أن المؤمنين يثابون على طاعة الله ورسوله وهم كانوا مقرين به . فإذا قيل لهم : المطاع يثاب والمراد به المؤمن الذي يعرف أنه مؤمن لم يكن فيه فائدة جديدة .
و " أيضا " فالخطاب لهؤلاء المخاطبين قد أخبر عنهم : لما يدخل في قلوبهم وقيل لهم : { وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا } فلو لم يكونوا في هذه الحال مثابين على طاعة الله ورسوله لكان خلاف مدلول الخطاب فبين ذلك أنه وصف المؤمنين الذين أخرج هؤلاء منهم فقال تعالى : { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون } وهذا نعت محقق الإيمان ; لا نعت من معه مثقال ذرة من إيمان كما في قوله تعالى { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون } { الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون } { أولئك هم المؤمنون حقا } وقوله تعالى { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله } ومنه قوله صلى الله عليه وسلم { } . وأمثال ذلك . فدل البيان على أن الإيمان المنفي عن هؤلاء الأعراب : هو هذا الإيمان الذي نفي عن فساق أهل القبلة الذين لا يخلدون في النار بل قد يكون مع أحدهم مثقال ذرة من إيمان ونفي هذا الإيمان لا يقتضي ثبوت الكفر الذي يخلد صاحبه في النار . لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن