[ ص: 575 ] ( فصل ) إذا تبين هذا وعلم أن الإيمان الذي في القلب من التصديق والحب وغير ذلك يستلزم الأمور الظاهرة من الأقوال الظاهرة والأعمال الظاهرة ; كما أن القصد التام مع القدرة يستلزم وجود المراد وأنه يمتنع مقام الإيمان الواجب في القلب من غير ظهور موجب ذلك ومقتضاه زالت " الشبه العلمية " في هذه المسألة ولم يبق إلا " نزاع لفظي " في أن ؟ أو هو لازم للإيمان ومعلول له وثمرة له فتكون دلالة الإيمان عليه بطريق اللزوم ؟ و " حقيقة الأمر " أن اسم الإيمان يستعمل تارة هكذا وتارة هكذا كما قد تقدم ; فإذا قرن اسم الإيمان بالإسلام أو العمل كان دالا على الباطن فقط . وإن أفرد اسم الإيمان فقد يتناول الباطن والظاهر وبهذا تأتلف النصوص . فقوله : { موجب الإيمان الباطن هل هو جزء منه داخل في مسماه فيكون لفظ الإيمان دالا عليه بالتضمن والعموم } . أفرد لفظ الإيمان فدخل فيه الباطن والظاهر وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الإيمان بضع وسبعون شعبة : أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان جبريل : { } ذكره مع قوله صلى الله عليه وسلم { الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر محمدا رسول [ ص: 576 ] الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت } فلما أفرده عن اسم الإسلام ذكر ما يخصه الاسم في ذاك الحديث مجردا عن الاقتران . وفي هذا الحديث مقرون باسم الإسلام وقوله تعالى { الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه } دخل فيه الباطن فلو أتى بالعمل الظاهر دون الباطن لم يكن ممن أتى بالدين الذي هو عند الله الإسلام .
وأما إذا قرن الإسلام بالإيمان كما في قوله تعالى { قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا } وقوله : { فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين } { فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين } وقوله تعالى { إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات } فقد يراد بالإسلام الأعمال الظاهرة كما في حديث أنس الذي في المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { الإسلام علانية والإيمان في القلب } . ومن علم أن دلالة اللفظ تختلف بالإفراد والاقتران كما في اسم الفقير والمسكين والمعروف والمنكر والبغي وغير ذلك من الأسماء وكما في لغات سائر الأمم ؟ عربها وعجمها زاحت عنه الشبهة في هذا للباب والله أعلم .