[ ص: 109 ] قوله تعالى: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى
[قال ] : "باب: قول الله عز وجل: البخاري واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى حديث في سبب نزول هذه الآية، قد خرجه عمر فيما بعد . وسيأتي في موضعه قريبا - إن شاء الله تعالى . [قال البخاري ] : حدثنا البخاري : ثنا الحميدي : ثنا سفيان ، قال: عمرو بن دينار عن رجل طاف ابن عمر بالبيت العمرة، ولم يطف بين الصفا والمروة . أيأتي امرأته؟ فقال: قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - فطاف بالبيت سبعا، وصلى خلف المقام ركعتين، وطاف بين الصفا والمروة، وقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة . وسألنا سألنا ، فقال: لا يقربنها حتى يطوف بين جابر بن عبد الله الصفا والمروة . مقصوده من هذا الحديث هاهنا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما اعتمر طاف بالبيت وصلى خلف المقام ركعتين، وكذلك فعل في حجته - أيضا . وقد روى جابر واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى خرجه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلا هذه الآية عند صلاته خلف المقام: . مسلم
وهذا كله يدل على أن بمقام إبراهيم في الآية: مقامه المسمى بذلك [ ص: 110 ] عند المراد البيت، وهو الحجر الذي كان فيه أثر قدمه عليه السلام، وهذا قول كثير من المفسرين . وقال كثير منهم: المراد بمقام إبراهيم: الحج كله . وبعضهم قال: الحرم كله . وبعضهم قال: الوقوف بعرفة، ورمي الجمار والطواف، وفسروا المصلى: بالدعاء، وهو موضع الدعاء . وروي هذا المعنى عن ابن عباس وغيرهما . وقد يجمع بين القولين، بأن يقال: ومجاهد المعروف داخل فيما أمر به من الاقتداء الصلاة خلف المقام بإبراهيم عليه السلام مما في أفعاله في مناسك الحج كلها واتخاذها مواضع للدعاء وذكر الله . كما قالت - وروي مرفوعا -: عائشة بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله " . خرجه "إنما جعل الطواف أبو داود . والترمذي
فدلالة الآية على مقام إبراهيم عليه السلام لا تنافي دلالتها على الوقوف في جميع مواقفه في الحج لذكر الله ودعائه والابتهال إليه . والله أعلم . الصلاة خلف
وبكل حال; فالأمر باتخاذ مقام إبراهيم مصلى لا يدخل فيه الصلاة إلى البيت إلا أن تكون الآية نزلت بعد الأمر باستقباله، وحديث قد يشرع بذلك . [ ص: 111 ] فيكون حينئذ مما أمر به من اتخاذ عمر مقام إبراهيم مصلى: استقبال البيت الذي بناه في الصلاة إليه، كما كان إبراهيم يستقبله، وخصوصا إذا كانت الصلاة عنده . وعلى هذا التقدير يظهر وجه تبويب على هذه الآية في "أبواب استقبال القبلة"، وإلا ففيه قلق . والله أعلم . البخاري
* * *
[قال ] : حدثنا البخاري عمرو بن عون : ثنا عن هشيم، عن حميد، ، قال: أنس : وافقت ربي في ثلاث: قلت: يا رسول الله، لو اتخذنا من عمر مقام إبراهيم مصلى، فنزلت: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وآية الحجاب، قلت: يا رسول الله، لو أمرت نساءك أن يحتجبن، فإنه يكلمهن البر والفاجر، فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغيرة عليه، فقلت لهن: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن فنزلت هذه الآية . وقال قال أنبأ ابن أبي مريم: حدثني يحيى بن أيوب: قال: سمعت حميد، - بهذا . أنسا
هذا الحديث مشهور عن عن حميد، ، وقد خرجه أنس - أيضا - في "التفسير" من حديث البخاري ، عن يحيى بن سعيد ورواه - أيضا - حميد . يزيد بن زريع وابن علية وابن أبي عدي [ ص: 112 ] وغيرهم، عن وحماد بن سلمة عن حميد، . أنس
وإنما ذكر رواية البخاري حدثني يحيى بن أيوب: قال: سمعت حميد، ; ليبين به أن أنسا حميدا سمعه من ، فإن أنس حميدا يروي عن كثيرا . وروي عن أنس ، أنه قال: أكثر حديث حماد بن سلمة لم يسمعه من حميد ، إنما سمعه من أنس عنه . وروي عن ثابت، ، أنه لم يسمع من شعبة إلا خمسة أحاديث . وروي عنه، أنه لم يسمع منه إلا بضعة وعشرين حديثا . وقد سبق القول في تسامح أنس والمصريين والشاميين في لفظة: "ثنا" -: كما قاله يحيى بن أيوب الإسماعيلي .
وقال في هذا الحديث: هو من صحيح الحديث . ولم يخرج علي بن المديني هذا الحديث، إنما خرج من رواية مسلم . عن سعيد بن عامر ، عن جويرية ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال: وافقت ربي في ثلاث: في الحجاب، وفي أسارى عمر بدر، وفي مقام إبراهيم . وقد أعله الحافظ أبو الفضل بن عمار الشهيد - رحمه الله - بأنه روي عن ، عن سعيد بن عامر ، عن رجل، عن جويرية ، أن نافع قال: وافقت ربي في ثلاث: فدخل في إسناده رجل مجهول، وصار منقطعا . وروى عمر من طريق ابن أبي حاتم ، عن عبد الوهاب بن عطاء ، [ ص: 113 ] عن ابن جريج جعفر بن محمد، عن أبيه: يحدث عن حجة الوداع قال: لما طاف النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له جابرا : هذا عمر مقام إبراهيم؟ قال: "نعم "، قال: أفلا نتخذه مصلى; فأنزل الله واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وهذا غريب، وهو يدل على أن هذا القول كان في حجة الوداع، وأن الآية نزلت بعد ذلك، وهو بعيد جدا، سمعت وعبد الوهاب ليس بذاك المتقن . وقد خالفه الحفاظ، فرووا في حديث حجة الوداع الطويل، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن ، جابر المقام، وقرأ: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ثم صلى ركعتين، والمقام بينه وبين البيت . وروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى إلى ، عن الوليد بن مسلم ، عن مالك جعفر ، عن أبيه، عن . قال: جابر مكة عند مقام إبراهيم، قال له : يا رسول الله، هذا عمر مقام إبراهيم الذي قال الله: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ؟ قال: "نعم " . قال الوليد: قلت : هكذا حدثك؟ قال: نعم . لمالك وقد خرجه لما وقف النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح بمعناه . النسائي والوليد كثير الخطأ -: قاله أبو حاتم وغيرهما . وذكر فتح وأبو داود مكة فيه غريب أو وهم، فإن هذا قطعة من حديث في حجة الوداع . [ ص: 114 ] وقد روي حديث جابر ، عن أنس من وجه آخر: عمر
خرجه : ثنا أبو داود الطيالسي : ثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، قال: قال أنس : وافقت ربي في أربع - فذكر الخصال الثلاث المذكورة في حديث عمر إلا أنه قال في الحجاب: فأنزل الله: حميد، وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب قال: ونزلت هذه الآية: ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين فلما نزلت قلت أنا: تبارك الله أحسن الخالقين، فنزل: فتبارك الله أحسن الخالقين وقول : "وافقت ربي في ثلاث "، ليس بصيغة حصر، فقد وافق في أكثر من هذه الخصال الثلاث والأربع . ومما وافق فيه القرآن قبل نزوله: النهي عن الصلاة على المنافقين . وقوله لليهود: من كان عدوا عمر لجبريل، فنزلت الآية . وقوله للنبي - صلى الله عليه وسلم - لما اعتزل نساءه ووجد عليهن: يا رسول الله، إن كنت طلقتهن، فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل، وأنا والمؤمنون معك . قال وأبو بكر : وقل ما تكلمت - وأحمد الله - بكلام إلا رجوت أن يكون الله يصدق قولي الذي أقول، فنزلت آية التخيير: عمر عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن
وقد خرج هذا الأخير من حديث مسلم ، عن ابن عباس . وأما موافقته في عمر فمخرج في [ ص: 115 ] "الصحيحين " من حديث النهي عن الصلاة على المنافقين، ، عن ابن عباس - أيضا . وأما موافقته في قوله: عمر من كان عدوا لجبريل فرواه: عن أبو جعفر الرازي، حصين بن عبد الرحمن ، عن ، عن ابن أبي ليلى . ورواه: عمر داود، عن ، عن الشعبي ، هما منقطعان . وقد روي موافقته في خصال أخر، وقد عد عمر من ذلك اثنتي عشرة خصلة . وتخريج الحافظ أبو موسى المديني لهذا الحديث في هذا الباب: يدل على أنه فسر قوله تعالى: البخاري واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى بالأمر بالصلاة إلى البيت الذي بناه إبراهيم، وهو الكعبة، والأكثرون على خلاف ذلك، كما سبق ذكره .