[قال ] : ويذكر: البخاري أجنب في ليلة باردة فتيمم، وتلا: عمرو بن العاص ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يعنف . أن
حديث خرجه عمرو بن العاص من رواية أبو داود عن يحيى بن أيوب . ، عن يزيد بن أبي حبيب عمران بن أبي أنس ، عن عبد الرحمن بن جبير ، ، قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "يا عمرو بن العاص عمرو ، صليت بأصحابك وأنت جنب! " فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت: إني سمعت الله يقول: ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يقل شيئا . عن
وخرجه - أيضا - من طريق وغيره، عن عمرو بن الحارث يزيد بن أبي [ ص: 321 ] حبيب، عن عمران ، عن عبد الرحمن بن جبير ، عن أبي قيس مولى عمرو ابن العاص، أن كان على سرية - فذكر الحديث بنحوه . وقال فيه: فغسل مغابنه وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم صلى بهم - وذكر باقيه بنحوه، ولم يذكر التيمم . وفي هذه الرواية زيادة: عمرو بن العاص "أبي قيس " في إسناده، وظاهرها الإرسال . وخرجه الإمام أحمد ، وقال: على شرط الشيخين، وليس كما قال، وقال والحاكم : ليس إسناده بمتصل . أحمد
وروى في "كتاب السير" عن أبو إسحاق الفزاري ، عن الأوزاعي حسان بن عطية ، قال: بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثا وأمر عليهم ، فلما أقبلوا سألهم عنه، فأثنوا خيرا، إلا أنه صلى بنا جنبا، فسأله، - فقال: أصابتني جنابة فخشيت على نفسي من البرد، وقد قال الله تعالى: عمرو بن العاص ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما فتبسم النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وهذا مرسل .
وقد ذكره في "سننه " تعليقا مختصرا، وذكر فيه: أنه تيمم . وأكثر العلماء: على أن من أبو داود فإنه يتيمم ويصلي، جنبا كان أو محدثا . واختلفوا: هل يعيد أم لا؟ فمنهم من قال: لا إعادة عليه، وهو قول خاف من استعمال الماء لشدة البرد ، الثوري . والأوزاعي وأبي [ ص: 322 ] حنيفة، ، ومالك والحسن بن صالح ، في رواية . ومنهم من قال: عليه الإعادة بكل حال سواء كان مسافرا أو حاضرا، وهو قول وأحمد ، ورواية عن الشافعي . ومنهم من قال: إن كان مسافرا لم يعد، وإن كان حاضرا أعاد، وهو قول آخر أحمد ، ورواية عن للشافعي ، وقول أحمد أبي يوسف ومحمد .
وحكى عن ابن عبد البر أبي يوسف أنه لا يجوز للمريض في الحضر التيمم بحال . وزفر:
وذكر من أصحابنا: أنه لا يجوز أبو بكر الخلال وهو مخالف لنص التيمم في الحضر لشدة البرد، وسائر أصحابه . أحمد
وحكى وغيره عن ابن المنذر الحسن : أنه إذا وجد الماء اغتسل به وإن مات، لأنه واجد للماء، إنما أمر بالتيمم من لم يجد الماء . وعطاء
ونقل في كتاب "السير" عن أبو إسحاق الفزاري نحو ذلك، وأنه لا يتيمم لمجرد خوف البرد، وإنما سفيان وينبغي أن يحمل كلام هؤلاء على ما إذا لم يخش الموت، بل أمكنه استعمال الماء المسخن وإن حصل له به بعض ضرر، وقد روي هذا المعنى صريحا عن يتيمم لمرض مخوف، أو لعدم الماء . - أيضا - وكذلك نقل أصحاب الحسن مذهبه في تصانيفهم، وحكوا أن سفيان ذكر أن الناس أجمعوا على ذلك . وقد سبق الكلام في تفسير الآية، وأن الله تعالى أذن في سفيان من أهل الأحداث مطلقا، فمن لم يجد الماء [ ص: 323 ] فالرخصة له محققة . التيمم للمريض وللمسافر ولمن لم يجد الماء
* * *
وفرق الله بين الظلم والعدوان، في قوله: يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا وقد بأن الظلم: ما كان بغير حق بالكلية . كأخذ مال بغير استحقاق لشيء منه، وقتل نفس لا يحل قتلها، وأما العدوان: فهو مجاوزة الحدود وتعديها فيما أصله مباح، مثل أن يكون له على أحد حق من مال أو دم أو عرض، فيستوفي أكثر منه، فهذا هو العدوان، وهو تجاوز ما يجوز أخذه، فيأخذ ما له أخذه وما ليس له أخذه . وهو من أنواع الربا المحرمة . وقد ورد يفرق بين الظلم والعدوان، "السبتان بالسبة ربا" .
والظلم المطلق: أخذ ما ليس له أخذه ولا شيء منه من مال أو دم أو عرض . كلاهما في الحقيقة ظلم، وقد حرم الله الظلم، وفي "الصحيح " عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يقول الله: يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا " .
[ ص: 324 ] وفي "الصحيحين " عنه - صلى الله عليه وسلم - قال: وفيهما عنه - صلى الله عليه وسلم -، قال: "الظلم ظلمات يوم القيامة" . وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد . "إن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " ثم قرأ:
وفي " " عنه - صلى الله عليه وسلم -، قال: البخاري "من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها، فإنه ليس ثم دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه " .
وفي "صحيح " عنه - صلى الله عليه وسلم - قال: مسلم (أتدرون من المفلس؟ " قالوا: المفلس من لا درهم له ولا متاع . قال: "إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وقيام، وقد شتم هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيقضي هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإذا فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار" .
وفي الحديث: "لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجماء من الشاة القرناء " . وفي حديث عبد الله بن أنيس: "وليسألن الحجر لم نكب الحجر، وليسألن العود لم خدش صاحبه " . [ ص: 325 ]
شعر:
فخف القضاء غدا إذا وافيت ما . كسبت يداك اليوم بالقسطاس أعضاؤهم فيه الشهود وسجنهم .
نار وحاكمهم شديد الباس في موقف ما فيه إلا شاخص .
أو مهطع أو مقنع للراس إن تمطل اليوم الحقوق مع الغنى .
فغدا تؤديها مع الإفلاس
والظلم المحرم: تارة يكون في النفوس، وأشده في الدماء وتارة في الأموال، وتارة في الأعراض، ولهذا وفي رواية: ثم قال: قال - صلى الله عليه وسلم - في خطبته في حجة الوداع: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا" . "ألا اسمعوا مني تعيشوا، ألا لا تظالموا ألا لا تظالموا، فإنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه " .
وفي "صحيح " عنه - صلى الله عليه وسلم -، قال: مسلم "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه " .
فظلم العباد شر مكتسب، لأن الحق فيه لآدمي مطبوع على الشح، فلا يترك من حقه شيئا لا سيما مع شدة حاجته يوم القيامة، فإن الأم تفرح يومئذ إذا كان لها حق على ولدها لتأخذ منه .
ومع هذا; فالغالب أن الظالم تعجل له العقوبة في الدنيا وإن أمهل، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد [ ص: 326 ] وذهب قوم من أهل الحديث وغيرهم إلى أن هذه الأعمال تكفر الكبائر . ومنهم "إن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " ثم تلا: ابن حزم الظاهري، وإياه عنى في كتاب "التمهيد" بالرد عليه، وقال: قد كنت أرغب بنفسي عن الكلام في هذا الباب، لولا قول ذلك القائل، وخشيت أن يغتر به جاهل، فينهمك في الموبقات، اتكالا على أنها تكفرها الصلوات دون الندم والاستغفار والتوبة، والله نسأله العصمة والتوفيق . ابن عبد البر
قلت: وقد وقع مثل هذا في كلام طائفة من أهل الحديث في الوضوء ونحوه، ووقع مثله في كلام في قيام ليلة القدر، قال: يرجى لمن قامها أن يغفر له جميع ذنوبه صغيرها وكبيرها، فإن كان مرادهم أن من أتى بفرائض الإسلام وهو مصر على الكبائر تغفر له الكبائر قطعا، فهذا باطل قطعا، يعلم بالضرورة من الدين بطلانه، وقد سبق قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن المنذر يعني: بعمله في الجاهلية والإسلام، وهذا أظهر من أن يحتاج إلى بيان، وإن أراد هذا القائل أن "من أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر" بذلك، واستدل بظاهر قوله: من ترك الإصرار على الكبائر، وحافظ على الفرائض من غير توبة ولا ندم على ما سلف منه . كفرت ذنوبه كلها إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما
وقال: السيئات تشمل الكبائر والصغائر، وكما أن فكذلك الكبائر، وقد يستدل لذلك بأن الصغائر تكفر باجتناب الكبائر من غير قصد ولا نية، وهذا مذكور في غير موضع من القرآن، وقد صار هذا من المتقين، فإنه فعل الفرائض، واجتنب الكبائر، [ ص: 327 ] واجتناب الكبائر لا يحتاج إلى نية وقصد، فهذا القول يمكن أن يقال في الجملة . الله وعد المؤمنين والمتقين بالمغفرة وبتكفير السيئات،
والصحيح قول الجمهور: إن لأن التوبة فرض على العباد، وقد قال عز وجل: الكبائر لا تكفر بدون التوبة، ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون وقد فسرت الصحابة كعمر وعلي التوبة بالندم، ومنهم من فسرها بالعزم على أن لا يعود، وقد روي ذلك مرفوعا من وجه فيه ضعف . لكن لا يعلم مخالف من الصحابة في هذا، وكذلك التابعون ومن بعدهم . وابن مسعود كعمر بن عبد العزيز، ، وغيرهما . وأما النصوص الكثيرة المتضمنة والحسن كقوله تعالى: مغفرة الذنوب، وتكفير السيئات للمتقين . إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم وقوله: ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات وقوله: ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا فإنه لم يبين في هذه الآيات خصال التقوى، ولا العمل الصالح . ومن جملة ذلك: التوبة النصوح، فمن لم يتب، فهو ظالم، غير متق .