قوله تعالى: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا وأما فمأمور به، وقد قال الله عز وجل: إكرام الجار والإحسان إليه، واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا فجمع الله تعالى في هذه الآية بين ذكر حقه على العبد وحقوق العباد على العبد - أيضا - وجعل العباد [ ص: 334 ] الذين أمر بالإحسان إليهم خمسة أنواع:
أحدها: من بينه وبين الإنسان قرابة، وخص منهم الوالدين بالذكر . لامتيازهما عن سائر الأقارب بما لا يشركونهما فيه، فإنهما كانا السبب في وجود الولد ولهما حق التربية والتأديب وغير ذلك .
الثاني: من هو ضعيف محتاج إلى الإحسان وهو نوعان: من هو محتاج لضعف بدنه، وهو اليتيم، ومن هو محتاج لقلة ماله، وهو المسكين .
والثالث: من له حق القرب والمخالطة، وجعلهم ثلاثة أنواع جار ذو قربى، وجار جنب، وصاحب بالجنب .
وقد اختلف المفسرون في تأويل ذلك، فمنهم من قال: الجار ذو القربى: الجار الذي له قرابة، والجار الجنب: الأجنبي، ومنهم من أدخل المرأة في الجار ذي القربى، ومنهم من أدخلها في الجار الجنب، ومنهم من أدخل الرفيق في السفر في الجار الجنب . وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنهم من قال: الجار ذو القربى: الجار المسلم، والجار الجنب: الكافر . وفي "مسند أنه كان يقول في دعائه: "أعوذ بك من جار السوء في دار الإقامة، فإن جار البادية يتحول " . " من حديث البزار مرفوعا: جابر "الجيران ثلاثة: جار له حق واحد وهو أدنى الجيران حقا، وجار له حقان، وجار له ثلاثة حقوق، وهو أفضل الجيران حقا . فأما الذي له حق واحد فجار مشرك لا رحم له، له حق الجوار، وأما الذي له حقان، فجار مسلم له حق الإسلام، وحق الجوار، وأما الذي له ثلاثة حقوق، فجار مسلم ذو [ ص: 335 ] رحم، له حق الإسلام، وحق الجوار، وحق الرحم " .
وقد روي هذا الحديث من وجوه أخر متصلة ومرسلة، ولا تخلو كلها من مقال .
وقيل: الجار ذو القربى: هو القريب الجوار الملاصق، والجار الجنب: البعيد الجوار .
وفي "صحيح ": عن البخاري ، قالت: عائشة قلت: يا رسول الله إن لي جارين، فإلى أيهما أهدي; قال: "إلى أقربهما منك بابا" .
وقال طائفة من السلف: أربعون دارا، وقيل: مستدار أربعين دارا من كل جانب . حد الجوار
وفي "مراسيل ": الزهري : أربعون هكذا، وأربعون هكذا، وأربعون هكذا، وأربعون هكذا، يعني بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله . الزهري أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يشكو جارا له، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض أصحابه أن ينادي: "ألا إن أربعين دارا جار" . قال
وسئل عمن يطبخ قدرا، وهو في دار السبيل، ومعه في الدار نحو ثلاثين أو أربعين نفسا: يعني أنهم سكان معه في الدار، فقال: يبدأ بنفسه، وبمن يعول، فإن فضل فضل، أعطى الأقرب إليه، وكيف يمكنه أن يعطيهم كلهم; قيل له: لعل الذي هو جاره يتهاون بذلك القدر ليس له عنده موقع; فرأى أنه لا يبعث إليه . [ ص: 336 ] وأما الصاحب بالجنب ففسره طائفة بالزوجة، وفسره طائفة منهم الإمام أحمد بالرفيق في السفر، ولم يريدوا إخراج الصاحب الملازم في الحضر، إنما أرادوا أن صحبة السفر تكفي، فالصحبة الدائمة في الحضر أولى، ولهذا قال ابن عباس : هو الرفيق الصالح، وقال سعيد بن جبير : هو جليسك في الحضر، ورفيقك في السفر، وقال زيد بن أسلم ابن زيد : هو الرجل يعتريك ويلم بك لتنفعه .
وفي "المسند" ، عن والترمذي ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: عبد الله بن عمرو بن العاص "خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره " .
الرابع: من هو وارد على الإنسان، غير مقيم عنده، وهو ابن السبيل: يعني المسافر إذا ورد إلى بلد آخر، وفسره بعضهم بالضيف: يعني به ابن السبيل إذا نزل ضيفا على أحد .
والخامس: ملك اليمين، وقد وصى النبي - صلى الله عليه وسلم - بهم كثيرا وأمر بالإحسان إليهم، وروي وأدخل بعض السلف في هذه الآية: ما يملكه الإنسان من الحيوانات والبهائم . أن آخر ما وصى به عند موته: "الصلاة وما ملكت أيمانكم " .