وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون
لقد أراد الله تعالى أن يعز الإسلام، ويضع الحواجز المانعة من أن يستمر الشرك في غيه، لقد طاوله النبي - صلى الله عليه وسلم - وصابره في مكة ، وتحمل أذاه حتى كون الله للإسلام شوكة في المدينة دار الإيواء والنصرة، فكان لا بد من بعد ذلك من وضع حد للطغيان، ووقف للفتنة، فكان لا بد من القتال.
كانت عير لمكة تذهب إلى الشام وتمر على المدينة أو على مقربة من المدينة وكانت فيها أموال كثيرة لقريش ، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذها المسلمون بدل الأموال التي أخرجوا منها، ولأنه لا سلم بينهم، ولأنهم أباحوا دماء المسلمين في مكة وأموالهم، فكان حقا أن تباح دماؤهم وأموالهم.
خرج نحو ثلاثمائة لمصادرة العير، فانفلت بها المشركون وعلى رأسها ، ولكنه كان قد أرسل إلى أبو سفيان مكة يستنفرها لتحمي عيرها، فنفرت بجيش كبير اتجه إلى بدر، ومع أن العير قد نجت فقد أصر الحمقى من المشركين على غزو المدينة ، ونسوا المآل والرحم فكان اللقاء أمرا لا بد منه.
[ ص: 3072 ] ولقد كان بعض المؤمنين - وخصوصا الذين أخذت أموالهم - يودون العير، ولم يريدوا القتال لأنها غنيمة أتت إليهم، وأنفلهم الله إياها، ولأن القتال كره لهم، والنفس المؤمنة رقيقة تكره الدماء، وكما قال تعالى: كتب عليكم القتال وهو كره لكم وإن كان خيرا في مثل حال المشركين معهم، ولذلك كانوا يودون العير لا الحرب، وتلك هي الفطرة، وقال تعالى: وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم
وعد الله تعالى إحدى الطائفتين إما طائفة العير وإما طائفة النفير، والطائفة هنا الجماعة، والمراد هنا جماعة العير يأخذونها بما معها من مال، أو جماعة الحرب يقتلون ويأسرون فيهم، ويغنمون أموالهم، ولكن فيها الشوكة والقوة وإذلال المشركين. وهم يودون السهلة الهينة الخالية من الدماء، ولكن ليس فيها شوكة، ويختار الله تعالى لهم ما فيه الشوكة.
وعبر عن القوة بالشوكة على سبيل المجاز; لأن نتيجة الحرب ستكون رهبة للمشركين تجعلهم يتحفظون في معاملة المسلمين، ولا يقدمون على إيذائهم إلا إذا أقدموا على أمر خطير يشوكهم قبل أن ينالوه، فلا يكون طعمة تؤكل أو تنتهز الفرص لأكلها.
وقد عبر الله سبحانه وتعالى عن إرادتهم العير بقوله تعالت كلماته: وتودون أن غير ذات الشوكة تكون أي: تودون العير وهي تعطيكم مالا، ولا يكون لكم بأخذها قوة ترهبهم، فهي ما لا حماية ولا عزة فيها، وعبر سبحانه وتعالى عن إرادتها بقوله: وتودون أي تحبون مائلين للعير؛ للمعاني التي ذكرناها.
[ ص: 3073 ] وفي هذا التعبير إشارة إلى معنى من معاني العتب، وتنبيه إلى أن الواجب هو طلب القوة لمن كان المشركون يستضعفونهم، فيبدل الله تعالى من خوفهم أمنا، ومن استضعافهم قوة، وتمكينا في الأرض; ولذلك يقول الله تعالى: ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين
عبر الله تعالى بقوله يودون في جانبهم، وعبر بقوله " يريد الله " دون "يود" للإشارة إلى أن ذلك من جانب الله إرادة، وإرادة الله نافذة، وهي المصلحة وهي الخير، وكان التعبير في جانبهم بقوله: وتودون للإشارة إلى أنه مجرد ود، ولم يصر إرادة، وكيف يريدون ما لم يرد الله تعالى، وكيف وهم المؤمنون حقا وصدقا، وإرادة الله إعلاء لهم، وميلهم ميل إلى ما هو أدنى؟!!
وقد عبر سبحانه عن إرادة الشوكة والقوة بقوله: ليحق الحق أي: أراد سبحانه وتعالى ذات الشوكة؛ ليقوي الحق ويثبته ويؤيده ويؤكده، وليكون له الكلمة العليا، وتكون كلمة الذين كفروا هي السفلى، فمعنى إحقاق الحق إعطاؤه حقه من التأييد والتثبيت والنصر والاستعلاء على الباطل، وخفض نقيضه.
وذكر الله تعالى نتيجة إحقاق الحق ( وليقطع دابر الكافرين ) وذلك لأن نصر الحق وإعلاءه خبص للكفر شيئا فشيئا، حتى تذهب قوته ليجتث من أرض العرب اجتثاثا، وعبر سبحانه وتعالى عن ذلك بقوله تعالت كلماته: ويقطع دابر الكافرين الدابر هو الخلف، وعبر بذلك كناية عن أن لا يبقى من الكافرين من يجهر بكفره، ويعاند الله تعالى، ويستعلي عليه، وذلك فيه تشبيه للكفر بالجيش الذي يولي مدبرا، ويقاتل بقناه حتى يقضى عليه بقطع أدباره والقضاء عليه.
هذا ما أراده الله تعالى، وذلك ما كانوا يودونه، وقد أراد الله تعالى لهم العزة، فكان النصر المؤزر، وكانوا قليلا فكثرهم الله، وقوله: بكلماته أي بالقرآن الذي هو حجة، فالتأييد تأييد للقرآن الكريم.