وإن ذلك جزاء بما ارتكبوا، ولمحاربتهم الله ورسوله; ولذا قال تعالى: ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب .
الإشارة إلى الرعب الذي ألقاه الله في قلوبهم، وإلى إمداد الملائكة للمؤمنين، وإلى تثبيت الملائكة لقلوب المؤمنين، وإلى الغلب في المعركة، وأمر الله للمؤمنين أن يضربوا رءوسهم وأطرافهم، كل ذلك لأنهم شاقوا الله ورسوله، أي صاروا في شق والله ورسوله في شق آخر، يحادون الله ورسوله، ويغالبونهم حاسبين أنهم الغالبون، و"الباء" في قوله تعالى: (بأنهم) للسببية أي بسبب أنهم حادوا الله ورسوله، وما دام الأمر أمر مغالبة فالله هو الغالب، وذكر الله ورسوله، وكان يكفي ذكر الرسول أو ذكر ربه؟ والجواب عن ذلك الإشارة إلى أن ، وأن محاربة الرسول محاربة لله طاعة الرسول طاعة لله من يطع الرسول فقد أطاع الله وإلى أن عصيان الرسول محادة لله سبحانه وتعالى، وأظهر في موضع الإضمار، فقال: ومن يشاقق الله ورسوله ولم يقل من "يشاققهما" وذلك لبيان عظيم ما يقترفون، فهو تنديد بهم، وتكرار لعظم جرمهم.
وقوله تعالى: فإن الله شديد العقاب بيان لشدة العقاب في الدنيا والآخرة، وهي دالة على جواب شرط محذوف هذه علته، والمعنى: فإن الله منزل عقابه الشديد بهم في الدنيا؛ لأنهم يغالبون الله ورسوله، ونسوا أن الله تعالى غالب على كل شيء.
وسماه الله عقابا لهم؛ للإشارة إلى أنهم ليسوا في مقام المغالبة لله، بل إنهم في مقام من يؤدبون ويعاقبون، ويردون خاسئين.
[ ص: 3082 ] وإن عقاب الدنيا والتنكيل بهم فيها؛ لكيلا يستشري الشر، ولكيلا يغروا بالمؤمنين، ولكيلا يكون على المؤمنين حرج، ولكي ينالوا جزاء ما فعلوا، ولأن السابقين كان ينزل العقاب الدنيوي بهم بخاسف أو بريح صرصر عاتية، أما أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - فإن الله تعالى يفني الأشرار، ويبقي الأخيار.