ثم بين سبحانه شعور المنافقين نحو المؤمنين.
قال تعالى: إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا [ ص: 3326 ] وهم فرحون قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون
إن المنافقين لم يندمجوا في أهل الإيمان، ولم تتحد معهم مشاعرهم وأحاسيسهم، فلم يكونوا منهم، ولم يشعروا بما يشعر به أهل الإيمان، فلا يشاركونهم في سرائهم، إن أصابهم ما يسر، ولا ضرائهم إن أصابهم ما يضر، بل يناقضونهم مناقضة تامة، فما يسرهم يسوءهم وما يضرهم يسرهم، وكذلك شأن المنافقين في كل جماعة لا يشاركون في أحاسيسها، ولذا قال في وصف هذه الحال: إن تصبك حسنة تسؤهم أي: إن ينزل بكم أمر هو حسن في ذاته وعندكم، ويملأ نفوسكم بالسرور - يكون هذا سببا لآلامهم، فسروركم مسيء لهم; لأنهم يريدون أن تدور عليكم الدوائر، فنصركم يوم بدر ساءهم، وكذلك يوم الأحزاب، ويوم مؤتة، إذ رضيتم من الغنيمة بالإياب أمام مائتي ألف، وأنتم ثلاثة آلاف، وقتلتم منهم مقتلة عظيمة مع قلة عددكم، وإن لم تغنموا شيئا منهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل
المصيبة مؤنث مصيب أي: نازلة وشدة كارثة، وأصلها كما ترى من أصاب، ولكنها بالتاء غلبت في الشدائد والكوارث والنكبات، فإذا أصاب المؤمنين نكبة أو قرح - كما أصابهم يوم أحد - قالوا: أخذنا أمرنا، أي أننا استولينا على أمرنا من قبل فلم نعرض أنفسنا لمخاطر الحروب ونوازلها فنجونا من أن نقع فيما وقعوا فيه، [ ص: 3327 ] وكأنهم يشمتون في المؤمنين، وقد وقع ما يتمنون، ويصفون أنفسهم بأنهم أهل الحذر؛ ليثيروا غضب من أطاعوا الرسول.
(ويتولوا) معطوف على (يقولوا) أي: وينصرفون إلى أهليهم وأصحابهم يتحدثون في أمر هذه النكبة وهم في فرح بها; لأنها أصابت هوى في نفوسهم، ولذا قال تعالى: وهم فرحون أي: والحال أنهم فرحون فرحا غمرهم، ويصح أن يكون (تولوا) بمعنى أعرضوا عن الرسول غير مقبلين عليه مظهرين خبيئة نفوسهم، وفي هذا ما يفيد أنهم جرأوا عليه، وحسبوا أن الغد لهم، وما هي إلا جولة، حتى يكون الغلب لهم، ولكن هيهات أن يكون ذلك، فالهزيمة في معركة بعدها الظفر والنصر.