وقد بين الله تعالى صفات المؤمنين بجوار ما يفعله الذين في قلوبهم نفاق، فقال تعالى مبينا من في قلوبهم نفاق:
nindex.php?page=treesubj&link=19624_19647_30563_32498_34316_28980nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=59ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون .
(لو) في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=59ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله هي شرطية، وجوابها محذوف تقديره مثلا:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=66لكان خيرا لهم وإني أظن أن حذف الجواب لتضمن (لو) معنى الحض والرجاء بأن يكونوا كذلك إن خلعوا رداء النفاق من أنفسهم.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=59رضوا ما آتاهم الله ورسوله فيه بعض نواح، نشير إلى بعضها:
أولاها: أن (رضي) تتعدى بالباء، فيقال: رضيت بالأمر، وتتعدى بنفسها، فيقال: رضيت الأمر، وهنا متعدية بنفسها، وأشعر بأنها إذ تتعدى بنفسها تتضمن معنى الرغبة والاقتناع، وهذا ما يليق بالمؤمن عند العطاء من الله ورسوله.
الثانية: أن الله تعالى قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=59آتاهم الله ورسوله وذكر الله سبحانه وتعالى - مع أنهم لمزوا ما فعله الرسول - للإشارة إلى عظم الجرم الذي ارتكبوه؛ لأنهم إذ عابوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكأنهم يعيبون الله تعالى; لأن الرسول لا يعمل بالهوى،
[ ص: 3342 ] ولأن الرسول ينفذ، وإنهم إذا عصوه عليه السلام فقد تجرءوا; لأن الله تعالى يقول:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=80من يطع الرسول فقد أطاع الله
الثالثة: ما أشرنا إليه من قبل إلى أن ذلك الرضاء أمر يحبه الله ورسوله، ويرجوه الرسول - صلى الله تعالى عليه وسلم – لهم؛ ليكونوا من المؤمنين حقا.
وقد صور الله تعالى النفس المؤمنة بأنها قانعة غير طامعة،
nindex.php?page=treesubj&link=30563ونفس المنافق غير قانعة بل هي طامعة دائما وتريد من الدنيا المزيد; لأنها لا تؤمن إلا بالدنيا ومتعها وموادها، فيبتغون المزيد منها، وبئس ما يبغون، فقال سبحانه في تصوير النفس المؤمنة بعد رضاها
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=59وقالوا حسبنا الله أي كافينا الله، ولم يقل الله تعالى عنهم أنهم يقولون: (حسبنا ما أتانا الله) بل إنه سبحانه وتعالى يقول عنهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=59حسبنا الله أي: إن الله كافينا، أعطانا هذا ما رضينا به، وسيعطينا إن احتجنا، وما أخذناه يكفينا.
وقوله تعالى عنهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=59حسبنا الله فيه من معاني
nindex.php?page=treesubj&link=28679التفويض والتوكل على الله ورجاء ما عنده ما لا يدركه إلا القلوب المؤمنة المتبتلة الضارعة له سبحانه وتعالى وحده.
وإن قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=59سيؤتينا الله من فضله فيه تصوير معنى الاتكال على الله تعالى، ورجاء ما عنده على أنه فضله فيستحق الشكر، ولا يجوز أن ينتقص ما يأمر بإعطائه، وينتقص باللمز والسير في طريق الكفر، وهو الضلال البعيد.
ولقد قال الله حاكيا عن أقوال المؤمنين:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=59إنا إلى الله راغبون هذه غاية الضراعة، أن يرغبوا إلى الله تعالى وحده ولا يرغبون فيما لا يقتنونه، ولا عرضا من أعراض الدنيا ولا غاية من غاياتها، وتقديم الجار والمجرور
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=59إلى الله تعالى على
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=59راغبون يفيد الاختصاص، أي: لا يرغبون إلا إليه سبحانه وتعالى.
وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِجِوَارِ مَا يَفْعَلُهُ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ نِفَاقٌ، فَقَالَ تَعَالَى مُبَيِّنًا مَنْ فِي قُلُوبِهِمْ نِفَاقٌ:
nindex.php?page=treesubj&link=19624_19647_30563_32498_34316_28980nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=59وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ .
(لَوْ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=59وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ هِيَ شَرْطِيَّةٌ، وَجَوَابُهَا مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ مَثَلًا:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=66لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ حَذْفَ الْجَوَابِ لِتَضَمُّنِ (لَوْ) مَعْنَى الْحَضِّ وَالرَّجَاءِ بِأَنْ يَكُونُوا كَذَلِكَ إِنْ خَلَعُوا رِدَاءَ النِّفَاقِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=59رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فِيهِ بَعْضُ نَوَاحٍ، نُشِيرُ إِلَى بَعْضِهَا:
أُولَاهَا: أَنَّ (رَضِيَ) تَتَعَدَّى بِالْبَاءِ، فَيُقَالُ: رَضِيتُ بِالْأَمْرِ، وَتَتَعَدَّى بِنَفْسِهَا، فَيُقَالُ: رَضِيتُ الْأَمْرَ، وَهُنَا مُتَعَدِّيَةٌ بِنَفْسِهَا، وَأَشْعُرُ بِأَنَّهَا إِذْ تَتَعَدَّى بِنَفْسِهَا تَتَضَمَّنُ مَعْنَى الرَّغْبَةِ وَالِاقْتِنَاعِ، وَهَذَا مَا يَلِيقُ بِالْمُؤْمِنِ عِنْدَ الْعَطَاءِ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.
الثَّانِيَةُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=59آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَذِكْرُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - مَعَ أَنَّهُمْ لَمَزُوا مَا فَعَلَهُ الرَّسُولُ - لِلْإِشَارَةِ إِلَى عِظَمِ الْجُرْمِ الَّذِي ارْتَكَبُوهُ؛ لِأَنَّهُمْ إِذْ عَابُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَأَنَّهُمْ يَعِيبُونَ اللَّهَ تَعَالَى; لِأَنَّ الرَّسُولَ لَا يَعْمَلُ بِالْهَوَى،
[ ص: 3342 ] وَلِأَنَّ الرَّسُولَ يُنَفِّذُ، وَإِنَّهُمْ إِذَا عَصَوْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَدْ تَجَرَّءُوا; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=80مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ
الثَّالِثَةُ: مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ الرِّضَاءَ أَمْرٌ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيَرْجُوهُ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لَهُمْ؛ لِيَكُونُوا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ حَقًّا.
وَقَدْ صَوَّرَ اللَّهُ تَعَالَى النَّفْسَ الْمُؤْمِنَةَ بِأَنَّهَا قَانِعَةٌ غَيْرُ طَامِعَةٍ،
nindex.php?page=treesubj&link=30563وَنَفْسُ الْمُنَافِقِ غَيْرُ قَانِعَةٍ بَلْ هِيَ طَامِعَةٌ دَائِمًا وَتُرِيدُ مِنَ الدُّنْيَا الْمَزِيدَ; لِأَنَّهَا لَا تُؤْمِنُ إِلَّا بِالدُّنْيَا وَمُتَعَهَا وَمَوَادَّهَا، فَيَبْتَغُونَ الْمَزِيدَ مِنْهَا، وَبِئْسَ مَا يَبْغُونَ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ فِي تَصْوِيرِ النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ بَعْدَ رِضَاهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=59وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ أَيْ كَافِينَا اللَّهُ، وَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: (حَسْبُنَا مَا أَتَانَا اللَّهُ) بَلْ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ عَنْهُمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=59حَسْبُنَا اللَّهُ أَيْ: إِنَّ اللَّهَ كَافِينَا، أَعْطَانَا هَذَا مَا رَضِينَا بِهِ، وَسَيُعْطِينَا إِنِ احْتَجْنَا، وَمَا أَخَذْنَاهُ يَكْفِينَا.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى عَنْهُمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=59حَسْبُنَا اللَّهُ فِيهِ مِنْ مَعَانِي
nindex.php?page=treesubj&link=28679التَّفْوِيضِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ وَرَجَاءِ مَا عِنْدَهُ مَا لَا يُدْرِكُهُ إِلَّا الْقُلُوبُ الْمُؤْمِنَةُ الْمُتَبَتِّلَةُ الضَّارِعَةُ لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَحْدَهُ.
وَإِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=59سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فِيهِ تَصْوِيرُ مَعْنَى الِاتِّكَالِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَرَجَاءُ مَا عِنْدَهُ عَلَى أَنَّهُ فَضْلُهُ فَيَسْتَحِقُّ الشُّكْرَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْتَقَصَ مَا يَأْمُرُ بِإِعْطَائِهِ، وَيُنْتَقَصَ بِاللَّمْزِ وَالسَّيْرِ فِي طَرِيقِ الْكُفْرِ، وَهُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ.
وَلَقَدْ قَالَ اللَّهُ حَاكِيًا عَنْ أَقْوَالِ الْمُؤْمِنِينَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=59إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ هَذِهِ غَايَةُ الضَّرَاعَةِ، أَنْ يَرْغَبُوا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ وَلَا يَرْغَبُونَ فِيمَا لَا يَقْتَنُونَهُ، وَلَا عَرَضًا مِنْ أَعْرَاضِ الدُّنْيَا وَلَا غَايَةً مِنْ غَايَاتِهَا، وَتَقْدِيمُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=59إِلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=59رَاغِبُونَ يُفِيدُ الِاخْتِصَاصَ، أَيْ: لَا يَرْغَبُونَ إِلَّا إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.