فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم يقترن في آي الله الحكيم الأمر بالشيء بالنهي عن نقيضه ، وعن أسباب المخالفة ، ويقترنان بالترغيب في نعيم الله أحيانا ، وبالترهيب من بطش الله العزيز الحكيم أخرى ، وفي هذه الآية قد اقترن النهي بالترهيب من العصيان ، لأن النهي كان منصبا على اتباع خطوات الشيطان والخضوع لإغرائه ، وهو يجيء إلى النفس من جهة شهواتها وما تألفه ، فناسب ذلك الترهيب من العقاب ، ليعلم من يجترح اللذات أن وراءها محاسبة القوي الجبار الذي لا تخفى عليه خافية ، ولقد بين عداوة الشيطان للإنسان ، فمن والاه فقد عادى نفسه وربه ، ويحق عليه العقاب ، وقبل نزوله يلزم التهديد به ليكون على بينة من أمره .
فإن زللتم أي عدلتم عن الطريق المستقيم إلى الطريق المنحرف ، وأصل الزلل يكون في القدم ، ثم استعمل في الآراء والمسالك المعنوية ، يقال زل يزل زللا وزلولا ، أي دحضت قدمه ، وهناك لغة في زل تجعلها من باب فرح يفرح ، من بعد ما جاءتكم البينات أي من بعد أن ساق الله سبحانه وتعالى لكم الحجج والأدلة المبينة لكم الحق من الباطل ، والضلال من الهدى .
ومعنى الآية إجمالا : إن حدتم عن طريق الاستقامة والإخلاص والحق من بعد أن علمتموه ببرهانه ، فليس ثمة إلا العقاب الرادع بعد الدليل القاطع ، واعلموا أن الله عزيز لا يغلب ، ولا يهزم من ينصره ، ومن عاداه وعادى أولياءه فهو عرضة [ ص: 655 ] لنقمته ، وهو حكيم يضع الأمور في مواضعها ; فلا يجعل المسيئ كالمحسن ، ولا المصلح كالمفسد ; فكان . من مقتضى حكمته أن يفرق بين الأخيار والأشرار وأهل الإيمان وأهل الكفر