وقد جاء في الآية التالية ما يؤكد عموم علمه; لأن كل الوجود ملكه، يتصرف فيه تصرف المالك فيما يملك، فقال تعالى: إن الله له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير
هذه الآية أثبتت ملك الله تعالى وسلطانه، ولقد أراد البيضاوي أن يربط بين هذه الآية والأمر بالبراءة من المشركين والاستغفار لهم إذا ماتوا على الضلالة، فقال رضي الله تعالى عنه: (لما منعهم من الاستغفار للمشركين، ولو كانوا أولي قربى)، وتضمن ذلك وجوب التبرؤ منهم رأسا، وبين لهم أن الله مالك كل موجود ومتولي أمره، والغالب عليه ولا تتأنى لهم ولاية ولا نصرة إلا منه ليتوجهوا إليه ويتبرءوا مما عداه، حتى لا يبقى لهم مقصد فيما يأتون ويذرون سواه، اه.
ونرى مع ما رآه البيضاوي أن الآية الكريمة تؤكد الذي ختمت به الآية السابقة، فهذه الآية السامية الأخيرة، تؤكد علم الله تعالى الشامل، وتبين سببه، وتبين سلطان الله تعالى المطلق، الذي يدبر كل شيء فيه على مقتضى علمه وحكمته التي أقامت الوجود، ورتبه ونمقه، وأبدعه كله علم الله تعالى بديع السماوات والأرض
وإن ملكه لا يكون على الإنسان فقط، بل هو على السماوات بأبراجها والأرض بطبقاتها لا يخرج عن ملكه شيء في السماء، يحيي ويميت، وفي ذلك [ ص: 3464 ] إشارة إلى الوصف الذي يحياه الحي كافرا، أو مؤمنا، والحال التي سيموت عليها مؤمنا أو كافرا، وأن لا استغفار لمن لم يرج توبته، ولا استغفار لمن مات، وأغلق أبواب عمله في الدنيا.
وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير الخطاب للمؤمنين ومعناه، فلا تؤثروا عليه قرابة، فلا ترأفوا بمن عصى الله تعالى ورسوله الذي أرسله رحمة للعالمين، وإنه سبحانه أولى بخلقه يهدي من يشاء ويضل من يشاء. وما لكم أيها المؤمنون من ولي يواليكم وتحبونه إلا الله تعالى، ولا نصير ينصركم سواه،