وإن هذا سنة الله تعالى في خلقه العصاة، ولذا قال تعالت كلماته:
وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد
التشبيه في قوله تعالى: وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة هو تشبيه حال القرى القائمة الظالمة في توقع عذاب الله لها بحال الذين أخذوا من قبل كغرق قوم نوح، وكالرجفة التي أخذت ثمود ومدين، وكالريح الصرصر الذي أخذ من قبل عادا كهذا الأخذ الذي أخذ به السابقون، يؤخذ القائمون في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإن ذلك الماضي إنذار للحاضرين من القرى الظالمين كالمشركين في مكة الذين يتحدون الله ورسوله، ويحسبون أنهم الغالبون، والله تعالى غالب على أمره، وقد قرر بعد ذلك شدة عذابه في أخذه لهم من حيث لا يحتسبون، فقال عز من قائل: إن أخذه أليم شديد أي: إن أخذه المفاجئ الذي لا يرتقبونه فوق ما فيه من ألم المفاجأة، وهم يرتعون ويلعبون هو في ذاته مؤلم موجع وشديد في إيلامه وفي حاله، وحالهم معه كانوا ينتظرون مطرا يمطرهم، فإذا هو ريح فيها عذاب أليم.
وإن ذلك إنذار كما ذكرنا للمشركين، حتى يرجعوا عن غيهم، وإن الله إذا كان قد أخر عنهم العذاب، لأجل محدود، فإنهم ليسوا غالبين، وإنه سبحانه [ ص: 3751 ] جاعل العذاب من نوع آخر، يستبقي الأطهار ولا يستأصل الأشرار لأنه يكون من أصلابهم من يعبد الله ويجاهد في سبيله، ألم يجعل من أصلابهم قادة مجاهدين، فكان من أصلابهم خالد بن الوليد، وغيرهما من القادة المجاهدين. وعكرمة بن أبي جهل،
ووصف أخذ القرى بأنه يأخذها وهي متلبسة بظلمها، تحمل في نفسها موجب عذابها.
وإن هذه الإنذارات يتعظ بها وينزجر من يؤمن بالآخرة، ويخاف مقام الله فيها، ولذا قال: