الأوثان ليس لها وجود حتى تعبد.
قال الله تعالى:
nindex.php?page=treesubj&link=28662_30525_30549_30558_32533_34091_34104_34131_28984nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=33أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت وجعلوا لله شركاء قل سموهم أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض أم بظاهر من القول بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ومن يضلل الله فما له من هاد nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=34لهم عذاب في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أشق وما لهم من الله من واق
هذا بيان لبطلان عبادة الأوثان، وهو برهان يستمد منها، لا من أمر خارج عنها، فالله الأعلى يوازن بين قدرته على كل شيء، وحياطته لكل شيء، وقيامه تعالى على الأنفس، وبين الأوثان التي لا تضر ولا تنفع، وأنها لا حقيقة لها في عالم الأحياء، يقول تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=33أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت الاستفهام هنا للتوبيخ، وبيان عجز آلهتهم، وقدرة الله تعالى، وقائم معناها: القيام على شئون الأنفس، خلقها، وهي مربوبة له، وعالم بها، ومحافظ عليها، يعلم ما تسره وما تعلنه، وما تظهره، وما تخفيه.
ويقول
ابن كثير في معنى هذه العبارة السامية:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=33أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت أي: حفيظ عليهم رقيب على كل نفس منفوسة يعلم ما يعمل العاملون من خير وشر، ولا تخفى عليه خافية
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=61وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه [ ص: 3957 ] فمعنى قام ليس ضد القعود، وإنما معناه القيام على شئون الأنفس، والعلم بها، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=255هو الحي القيوم وعبر عن القيام بهذه المعاني؛ لأن القيام يدل على الحركة، والحركة تدل على معاناة الأعمال خيرها وشرها، وهو بالنسبة لله تعالى القيام على شئون هذا الوجود، وهو هنا الأنفس.
وذكر الله تعالى كل نفس للدلالة على عموم تدبيره للأنفس، والعلم بما تفعل من خير وشر، وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=33بما كسبت يتضمن العلم بكل ما تصنع النفوس العاملة، والجزاء على ما تفعل، وفي ذلك بعضها لإنذار العصاة، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=10سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=11له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=33أفمن هو قائم على كل نفس لتمام الموازنة تكون التسوية مقتضية محذوفا مقدرا تقديره كي لا يستطيع شيئا، ولا يقوم على شيء ولا يضر ولا ينفع.
وقد أشار سبحانه وتعالى إلى ضلالهم في عبادة الأوثان، فقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=33وجعلوا لله شركاء وهذه الجملة حالية، والحال أنهم جعلوا لله شركاء يشركونهم في العبادة مع أنها لا تنفع ولا تضر، ومع أن ذاته العلية جلت عن المشاركة، وتعالى عن ذلك علوا كبيرا، أمر الله تعالى نبيه الكريم أن يسألهم عن حقيقتها، ولكنها من بيان الكنه والحقيقة يتبين بطلان ما يعتقدون قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=33قل سموهم عبر عنهم بضمير ما يفعل على حسب زعمهم وأوهامهم، وإلا فهي حجارة لا تضر ولا تنفع، ولا تعقل ولا تدرك.
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=33سموهم أي اذكروا أسماءهم، وأوصافهم، أي: شيء لهم من الأسماء والصفات، وإنهم إذا جاءوا إلى ذلك، قالوا: إنها أحجار سميت اللات أو العزى أو هبل، أو نحو ذلك من الصفات التي تجعلها دونهم، فكيف يعبدون ما هي دونهم أو لا وجود لها في حقيقة أمرها، إلا أن تكون أحجارا، لا تنطق ولا تضر، ولا تنفع.
[ ص: 3958 ] nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=33أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض " أم " للإضراب الانتقالي مع تضمنها معنى الاستفهام الإنكاري التوبيخي، أي أتنبئونه بشيء لا يعلمه في الأرض، وهو خالقها، والذي يعلم ما في السماوات وما في الأرض، أي أتنبئونه بأمر لا وجود له، والمؤدى أنها لا وجود لها في الأرض فهل تنبئونه بأمر لا يعلمه في هذه الأرض، وهذا كلام يؤدي لا محالة إلى أشياء لا وجود لها في الأرض؛ لأنها لو كان لها أسماء وأوصاف لادعي وجودها، ولو كان لها وجود كآلهة في الأرض لعلمها سبحانه.
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=33أم بظاهر من القول أم للإضراب عن السابق مع دلالتها على الاستفهام التوبيخي الذي ينبههم إلى فساد قولهم، والمعنى أهذا العلم بظاهر من القول الذي لا يدل على حقيقة فقط، إنما أوهامهم جعلتهم يرددون ظاهرا من القول لا يستطيعون أن يقولوا فيه إنه شيء له وجود وصفات اقتضت الألوهية. والحقيقة أنه زين لهم وهم لا مدلول له جعلهم يكفرون، وهم لا يشعرون؛ ولذا قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=33بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل
بل للإضراب عن القول، أي أنه ما دام قد ثبت أنه لا حقيقة لأصنامهم التي يعبدونها، فأوصافهم لا تثبت ألوهية، بل لا تثبت وجود نفع وضرر لها، فالأمر أنهم زين لهم ما هم عليه بوهم توهموه، وخيال تخيلوه، وكان ذلك الخيال أساس مكرهم، وتدبيرهم ضد الحق وأهل الإيمان، وبه صدوا عن السبيل، وصدوا غيرهم عن الطريق السوي، وفي قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=33وصدوا عن السبيل قراءة بالضم، أي أنه بهذا التزيين الضال صدوا عن الطريق الحق، وهو عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، وهناك قراءة بالفتح، أي صدوا غيرهم عن الحق بالاعتداء، والإيذاء، والاستهزاء بالرسل، ويجب أن يراد القراءتان أنه لا مانع من الجمع بينهما، فهم أبعدوا بأوهامهم عن الحق، وأوغلوا في الضلال بإبعاد غيرهم عنه.
وأكد الله سبحانه وتعالى الحكم بالضلال عليهم، فقال عز من قائل:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=33ومن يضلل الله فما له من هاد أي من يحكم الله تعالى بضلاله؛ لأنه سار في طريق
[ ص: 3959 ] الغواية وصل إلى الضلال،
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=33فما له من هاد (من) لعموم النفي، أي ليس له من هاد أي هاد، فلا هادي بعد الله.
الْأَوْثَانُ لَيْسَ لَهَا وُجُودٌ حَتَّى تَعْبُدَ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=treesubj&link=28662_30525_30549_30558_32533_34091_34104_34131_28984nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=33أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=34لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ
هَذَا بَيَانٌ لِبُطْلَانِ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَهُوَ بُرْهَانٌ يُسْتَمَدُّ مِنْهَا، لَا مِنْ أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهَا، فَاللَّهُ الْأَعْلَى يُوَازِنُ بَيْنَ قُدْرَتِهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَحِيَاطَتِهِ لِكُلِّ شَيْءٍ، وَقِيَامِهِ تَعَالَى عَلَى الْأَنْفُسِ، وَبَيْنَ الْأَوْثَانِ الَّتِي لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَأَنَّهَا لَا حَقِيقَةَ لَهَا فِي عَالَمِ الْأَحْيَاءِ، يَقُولُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=33أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ الِاسْتِفْهَامُ هُنَا لِلتَّوْبِيخِ، وَبَيَانِ عَجْزِ آلِهَتِهِمْ، وَقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَائِمٌ مَعْنَاهَا: الْقِيَامُ عَلَى شُئُونِ الْأَنْفُسِ، خَلَقَهَا، وَهِيَ مَرْبُوبَةٌ لَهُ، وَعَالِمٌ بِهَا، وَمُحَافِظٌ عَلَيْهَا، يَعْلَمُ مَا تُسِرُّهُ وَمَا تُعْلِنُهُ، وَمَا تُظْهِرُهُ، وَمَا تُخْفِيهِ.
وَيَقُولُ
ابْنُ كَثِيرٍ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ السَّامِيَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=33أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ أَيْ: حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ رَقِيبٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ يَعْلَمُ مَا يَعْمَلُ الْعَامِلُونَ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَلَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=61وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ [ ص: 3957 ] فَمَعْنَى قَامَ لَيْسَ ضِدَّ الْقُعُودِ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الْقِيَامُ عَلَى شُئُونِ الْأَنْفُسِ، وَالْعِلْمُ بِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=255هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَعَبَّرَ عَنِ الْقِيَامِ بِهَذِهِ الْمَعَانِي؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ يَدُلُّ عَلَى الْحَرَكَةِ، وَالْحَرَكَةُ تَدُلُّ عَلَى مُعَانَاةِ الْأَعْمَالِ خَيْرِهَا وَشَرِّهَا، وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلَّهِ تَعَالَى الْقِيَامُ عَلَى شُئُونِ هَذَا الْوُجُودِ، وَهُوَ هُنَا الْأَنْفُسُ.
وَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى كُلَّ نَفْسٍ لِلدَّلَالَةِ عَلَى عُمُومِ تَدْبِيرِهِ لِلْأَنْفُسِ، وَالْعِلْمِ بِمَا تَفْعَلُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=33بِمَا كَسَبَتْ يَتَضَمَّنُ الْعِلْمَ بِكُلِّ مَا تَصْنَعُ النُّفُوسُ الْعَامِلَةُ، وَالْجَزَاءَ عَلَى مَا تَفْعَلُ، وَفِي ذَلِكَ بَعْضُهَا لِإِنْذَارِ الْعُصَاةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=10سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=11لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=33أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ لِتَمَامِ الْمُوَازَنَةِ تَكُونُ التَّسْوِيَةُ مُقْتَضِيَةً مَحْذُوفًا مُقَدَّرًا تَقْدِيرُهُ كَيْ لَا يَسْتَطِيعَ شَيْئًا، وَلَا يَقُومُ عَلَى شَيْءٍ وَلَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ.
وَقَدْ أَشَارَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَى ضَلَالِهِمْ فِي عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، فَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=33وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ، وَالْحَالُ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ يُشْرِكُونَهُمْ فِي الْعِبَادَةِ مَعَ أَنَّهَا لَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ، وَمَعَ أَنَّ ذَاتَهُ الْعَلِيَّةَ جَلَّتْ عَنِ الْمُشَارَكَةِ، وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا، أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ الْكَرِيمَ أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْ حَقِيقَتِهَا، وَلَكِنَّهَا مِنْ بَيَانِ الْكُنْهِ وَالْحَقِيقَةِ يَتَبَيَّنُ بَطَلَانُ مَا يَعْتَقِدُونَ قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=33قُلْ سَمُّوهُمْ عَبَّرَ عَنْهُمْ بِضَمِيرِ مَا يَفْعَلُ عَلَى حَسَبِ زَعْمِهِمْ وَأَوْهَامِهِمْ، وَإِلَّا فَهِيَ حِجَارَةٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَا تَعْقِلُ وَلَا تُدْرِكُ.
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=33سَمُّوهُمْ أَيِ اذْكُرُوا أَسْمَاءَهُمْ، وَأَوْصَافَهُمْ، أَيْ: شَيْءٌ لَهُمْ مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَإِنَّهُمْ إِذَا جَاءُوا إِلَى ذَلِكَ، قَالُوا: إِنَّهَا أَحْجَارٌ سُمِّيَتِ اللَّاتَ أَوِ الْعُزَّى أَوْ هُبَلَ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي تَجْعَلُهَا دُونَهُمْ، فَكَيْفَ يَعْبُدُونَ مَا هِيَ دُونَهُمْ أَوْ لَا وُجُودَ لَهَا فِي حَقِيقَةِ أَمْرِهَا، إِلَّا أَنْ تَكُونَ أَحْجَارًا، لَا تَنْطِقُ وَلَا تَضُرُّ، وَلَا تَنْفَعُ.
[ ص: 3958 ] nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=33أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ " أَمْ " لِلْإِضْرَابِ الِانْتِقَالِيِّ مَعَ تَضَمُّنِهَا مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ التَّوْبِيخِيِّ، أَيْ أَتُنَبِّئُونَهُ بِشَيْءٍ لَا يَعْلَمُهُ فِي الْأَرْضِ، وَهُوَ خَالِقُهَا، وَالَّذِي يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ، أَيْ أَتُنَبِّئُونَهُ بِأَمْرٍ لَا وُجُودَ لَهُ، وَالْمُؤَدَّى أَنَّهَا لَا وُجُودَ لَهَا فِي الْأَرْضِ فَهَلْ تُنَبِّئُونَهُ بِأَمْرٍ لَا يَعْلَمُهُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ، وَهَذَا كَلَامٌ يُؤَدِّي لَا مَحَالَةَ إِلَى أَشْيَاءَ لَا وُجُودَ لَهَا فِي الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَ لَهَا أَسْمَاءٌ وَأَوْصَافٌ لَادُّعِيَ وُجُودُهَا، وَلَوْ كَانَ لَهَا وُجُودٌ كَآلِهَةٍ فِي الْأَرْضِ لَعَلِمَهَا سُبْحَانَهُ.
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=33أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ أَمْ لِلْإِضْرَابِ عَنِ السَّابِقِ مَعَ دَلَالَتِهَا عَلَى الِاسْتِفْهَامِ التَّوْبِيخِيِّ الَّذِي يُنَبِّهُهُمْ إِلَى فَسَادِ قَوْلِهِمْ، وَالْمَعْنَى أَهَذَا الْعِلْمُ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ الَّذِي لَا يَدُلُّ عَلَى حَقِيقَةٍ فَقَطْ، إِنَّمَا أَوْهَامُهُمْ جَعَلَتْهُمْ يُرَدِّدُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْقَوْلِ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَقُولُوا فِيهِ إِنَّهُ شَيْءٌ لَهُ وُجُودٌ وَصِفَاتٌ اقْتَضَتِ الْأُلُوهِيَّةَ. وَالْحَقِيقَةُ أَنَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ وَهْمٌ لَا مَدْلُولَ لَهُ جَعَلَهُمْ يَكْفُرُونَ، وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ؛ وَلِذَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=33بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ
بَلْ لِلْإِضْرَابِ عَنِ الْقَوْلِ، أَيْ أَنَّهُ مَا دَامَ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا حَقِيقَةَ لِأَصْنَامِهِمُ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا، فَأَوْصَافُهُمْ لَا تُثْبِتُ أُلُوهِيَّةً، بَلْ لَا تُثْبِتُ وُجُودُ نَفْعٍ وَضَرَرٍ لَهَا، فَالْأَمْرُ أَنَّهُمْ زُيِّنَ لَهُمْ مَا هُمْ عَلَيْهِ بِوَهْمٍ تَوَهَّمُوهُ، وَخَيَالٍ تَخَيَّلُوهُ، وَكَانَ ذَلِكَ الْخَيَالُ أَسَاسَ مَكْرِهِمْ، وَتَدْبِيرِهِمْ ضِدَّ الْحَقِّ وَأَهْلِ الْإِيمَانِ، وَبِهِ صُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ، وَصَدُّوا غَيْرَهُمْ عَنِ الطَّرِيقِ السَّوِيِّ، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=33وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ قِرَاءَةٌ بِالضَّمِّ، أَيْ أَنَّهُ بِهَذَا التَّزْيِينِ الضَّالِّ صُدُّوا عَنِ الطَّرِيقِ الْحَقِّ، وَهُوَ عِبَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَهُنَاكَ قِرَاءَةٌ بِالْفَتْحِ، أَيْ صَدُّوا غَيْرَهُمْ عَنِ الْحَقِّ بِالِاعْتِدَاءِ، وَالْإِيذَاءِ، وَالِاسْتِهْزَاءِ بِالرُّسُلِ، وَيَجِبُ أَنْ يُرَادَ الْقِرَاءَتَانِ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، فَهُمْ أُبْعِدُوا بِأَوْهَامِهِمْ عَنِ الْحَقِّ، وَأَوْغَلُوا فِي الضَّلَالِ بِإِبْعَادِ غَيْرِهِمْ عَنْهُ.
وَأَكَّدَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْحُكْمَ بِالضَّلَالِ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=33وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ أَيْ مِنْ يَحْكُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِضَلَالِهِ؛ لِأَنَّهُ سَارَ فِي طَرِيقِ
[ ص: 3959 ] الْغَوَايَةِ وَصَلَ إِلَى الضَّلَالِ،
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=33فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (مِنْ) لِعُمُومِ النَّفْيِ، أَيْ لَيْسَ لَهُ مِنْ هَادٍ أَيُّ هَادٍ، فَلَا هَادِيَ بَعْدَ اللَّهِ.