[ ص: 4135 ] ولقد قال تعالى في نعمة النعم: والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون .
بعد أن ذكر سبحانه نعمته في الأنعام، وما تتخذ منها من منافع وما يكون فيها - ذكر نعمة في غيرها مما لا يشمله اسمها وكان العرب يجدون فيها متاعا، وهي الخيل والبغال والحمير، فإن فيها نعمة التمكين من ركوبها أو نعمة أنها تتخذ زينة لهم في غدوهم ورواحهم، وقد قال تعالى: زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث
فالخيل المسومة من زينة الحياة، فالخيل ومثلها البغال والحمير تتخذ زينة، وقد قال العلماء في الخيل ومثلها البغال، وكلمة الخيل قد يدخل في عمومها البغال؛ ولذا يكون سهمها في الغزو واحدا عند كثير من الفقهاء وعلى رأسهم صاحب أبو يوسف رضي الله عنهما. إن الخيل تتخذ لأغراض ثلاثة: الغرض الأول: القنية، للإنتاج وهذه حسنة في ذاتها؛ لأن الإنتاج في الحيوان كالإنتاج في النبات مستحسن بل مطلوب. أبي حنيفة
الغرض الثاني: للجهاد، فإن في نواصيها الخير وذلك مطلوب.
الغرض الثالث: للخيلاء والتفاخر، والخيلاء منهي عنه.
والزينة هي ما يكون في الخيل من راحة للنفس، وفرق بين اتخاذها زينة والخيلاء بها، فإن الخيلاء تفسد القلب، أما التزين، أو طلب ما يكون فيه زينة فإنه لا شيء يمس القلب ليفسده.
ولقد قال تعالى بعد ذلك: ويخلق ما لا تعلمون أي يخلق ما نعلم وما لا نعلم، وما كان يعلمه العرب وما لا يعلمونه، ولو أن المتأمل المستبصر تعرف إعجاز القرآن في إخباره بما كان مغيبا في زمان نزوله لوجده في مثل هذه الآية، [ ص: 4136 ] فإن مما خلقه الله تعالى مما كان العرب لا يعلمونه، ولم يكن قط في عصر نزول القرآن - السيارات التي تنهب الأرض نهبا، والطائرات التي تقطع أجواء الفضاء قطعا، ومما يجري الآن في عصر الفضاء فإن ذلك كله خلقه الله تعالى، ومكن الإنسان في عصره ما لم يكن ليعلمه، وسنرى مما يخلقه الله، ويعلمه من بعدنا، ولا نعلمه نحن.