نعم الله تعالى في المطر والشمس والقمر والبحار
قال تعالى:
وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين هو الذي أنـزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون [ ص: 4137 ] وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون وعلامات وبالنجم هم يهتدون
يقرن الله تعالى الأمور الحسية بالمعنوية، فيذكر الحسي أولا، ثم يتجاوزه إلى المعنوي، وقد يكون ذلك في جملتين متصلتين سببية أو وصفية، كما قال تعالى: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى فصدر القول التزود في الحج بزاد الدنيا، وجاء في التعليل الزاد المعنوي، وذلك ليجمع بينهما، وكما قال تعالى: يا بني آدم قد أنـزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير
وقد ذكر سبحانه في الأيات السابقة ركوب الخيل والبغال والحمير وزينتها وأن الله يخلق ما لا يعلم من نزل فيهم القرآن، وقد خلق السيارة والطيارة، وقد أخرج روائع الأرض إلى السماء، حتى يصل الإنسان إلى الأفلاك ومواقع النجوم.
ذكر سبحانه تلك النعم المادية، وذكر بعدها المسالك المعنوية: الهداية والشقوة، فقال تعالى: وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر
القصد مصدر بمعنى اسم الفاعل، والقصد والقاصد معناهما مستقيم لا انحراف فيه، وطيب لا سوء فيه ثم إنه كما قال تعالى: لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك
ومعنى وعلى الله قصد السبيل أي على الله بيان السبيل المستقيم الموصل إلى الحق، ومعنى بيانها إقامة البنيان والأعلام الدالة على الطريق وإرسال الرسل للهداية وقد وهب إليهم القلوب المدركة للحق بفطرتها.
[ ص: 4138 ] وحذفت (بيان)، وبقيت كلمة قصد نظرا إلى المضاف، للإشارة إلى أن الطريق القاصد هو بنفسه هاد، ذلك لأن النفوس المفطورة على فطرة الله تعالى الحق وحده يهديها ويرشدها.
وليس معنى أن قصد الطريق على الله أنه لازم عليه، بمعنى أنه واجب عليه، فالله تعالى لا يجب عليه شيء وليس في الوجود من يوجب عليه شيئا، سبحانه وتعالى، وإنما كتب الله تعالى على نفسه أن يضع لهم أسباب العلم والهداية ودراية الحق ليسلكوه مختارين، فليس فيه إلزام على الله، كما أنه ليس فيه جبر للعباد.
ومنها جائر جائر أي مائل منحرف حائد، ليس بمستقيم، والضمير في (منها) يعود إلى السبيل وهي الطريق، وتؤنث. وذكر هذه الجملة بعد الأولى يدل على أن الأصل هو الاستقامة؛ لأن الفطرة مستقيمة بذاتها، والانحراف من تسلط الشياطين بتسليط الأهواء، والشهوات.
وإن هذين الخبرين يدلان على أن الناس فيهم المستقيم والمنحرف الجائر الحائد عن الطريق، وإن الله تعالى قد وضع للفريقين أسباب الهداية والصواب لعلمه القصد، فمنهم سلك القاصد ومنهم من انحرف عن الطريق السوي: ولو شاء لهداكم أجمعين أي لو شاء أن تكونوا جميعا على سواء في الرشاد، لهداكم أجمعين بأن جعلكم جميعا تسلكون سبل الهداية، وأنتم مختارون غير مجبرين كما قال تعالى: ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها
عاد سبحانه وتعالى من بعد أن بين أن الله سن طريق الهداية وهو طريق الفطرة، وأن الناس يجورون بالطريق فيرتكبون ما لا يجوز،