وقد خص الغفران والرحمة بيوم لا يجدي فيه غير غفران الله تعالى ورحمته، ولذا قال:
يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون .
(يوم) منصوب على الظرفية للوصفين السابقين، أي: إن ربك غفور رحيم، في هذا اليوم الذي يحاسب كل إنسان على ما قدم في الدنيا من عمل، وكل إنسان يدافع عن نفسه؛ ولذا قال تعالى: يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها أي تدافع كل نفس أو تبين كل نفس، والمجادلة: المحاجة، أي تحاج كل نفس عن نفسها فيما نسب إليها، فتحاج كل نفس بنفسها عن نفسها، فلا يكون معها ولي ولا شفيع، ولا نصير، ولا فدية ولا عدل، بل تكون هي المسؤولة عما فعلت وارتكبت، وأعمالها محصية ثابتة، كما جاء في قوله تعالى:
[ ص: 4284 ] وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا
وقوله تعالى: تأتي كل نفس تجادل عن نفسها أي تحضر الأنفس، وتسأل عما قدمت، وتنطق عليهم أيديهم وألسنتهم، فالحساب تكون أدلته مهيأة ثابتة، ولا يكون إلا الحكم، والحكم لله الواحد القهار فلا نقض لحكمه.
وتوفى كل نفس ما عملت والمراد جزاء ما عملت، ولكن لأن الجزاء عدل وفاق للعمل، ويساويه تمام المساواة عبر بالعمل بدل الجزاء، إذ هي شيء واحد، أو متساويان تساويا مطلقا، وأكد الله سبحانه المساواة والوفاق بين العمل وجزائه فقال: وهم لا يظلمون أي: لا ينقص من عملهم شيء، فلا ظلم؛ لأن الحاكم هو الله، وهو خير الفاصلين.