وإنهم مع هذه الحال أرسل إليهم رسولا من أنفسهم فكذبوه، وقد قال تعالى في ذلك:
ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون .
جاءهم رسول منهم عرفوا صدقه وأمانته، إذ نشأ بينهم وليدا عفا لم يزن بريبة، ولم يسجد لصنم حتى بعث فيهم رسولا، هذا ما تتضمنه كلمة (منهم) ، [ ص: 4287 ] فليس غريبا عنهم، وذلك كقوله تعالى: لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم
ولقد أكد سبحانه بعثه - صلى الله عليه وسلم - فيهم بـ (اللام) وبـ (قد) ، وقال: (جاءهم) ، أي: بعث ابتداء فيهم، وتنكير (رسول) للتعظيم، وإلى مكانته عند الله، وعندهم لأمانته وعفته ولصدقه، ولكنهم بدل أن يعاجلوا بالإيمان عاجلوا بتكذيبه، فـ (الفاء) للترتيب والتعقيب، أي أن النتيجة جاءت على نقيض المقدمات؛ إذ إنه كان معروفا بالصدق والأمانة، فكان الواجب أن يبادروا بتصديقه، ولكنهم بادروا بتكذيبه، وعقب التكذيب أخذهم العذاب، إذ أخذوا في أسبابه، وهو التكذيب والصد عن سبيل الله وإيذاء المؤمنين.
والعذاب هو عذاب الدنيا بالتقتيل فيهم وهزيمتهم، وذهاب سيطرتهم، وقيام الحق رغم أنوفهم، هذا في الدنيا، أما في الآخرة؛ فبالعذاب الأليم، وإلقائهم في الجحيم.
ثم قال تعالى: وهم ظالمون الواو للحال، أي: والحال أنهم ظالمون، فالعذاب نزل بهم، وهم أحق به، فهو بما كسبوه من تكذيب الحق، وتجاوزوا حد التكذيب إلى الظلم إذ صدوا عن سبيل الله وفتتوا المؤمنين في إيمانهم وعذبوهم، وحاولوا أن يردوهم عن دينهم فارتدوا خاسئين.