وبين الله تعالى المحرمات من الخبائث، فقال:
إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنـزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم .
(إنما) أداة قصر، أي أن المحرم عليكم من النعم ونحوها الميتة والدم ولحم الخنزير، إذا أهل لغير الله به، أصناف أربعة هي: ويدخل فيها الميتة وهي التي كانت قد حبس دمها فيها، فإنها كالتي ماتت حتف أنفها، إذ لم تذك التذكية الشرعية، وحبس الدم فيها ولم يرق، الموقوذة والنطيحة، وقد ذكر هنا مطلقا، وذكر مقيدا في آية الأنعام في قوله تعالى: والدم وهو الدم المسفوح، قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنـزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به
ولحم الخنزير إذ إنه نجس بذاته، وما أهل به لغير الله وهو المذبوح لغير الله.
[ ص: 4290 ] ومن المقررات أنه إذا اتحد المسبب والحكم، وجاء اللفظ في أحد الموضعين مطلقا، وفي الآخر مقيدا حمل المطلق على المقيد.
وهذه الآية الأخيرة تفيد أن تحريم هذه الأشياء؛ لأنه رجس، وفيها ضرر جسمي إذ هي قاذورات خبيثة، وما أهل لغير الله كان تحريمه لأنه فسوق وخروج عن التوحيد؛ لأنه ذكر غير اسم الله تعالى عليه.
وهذا التحريم في حال الاختيار، أما ولذا قال تعالى في حال الاضطرار فإنه يرخص فيه الأكل، فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم أي: فإنه يرخص الأكل، وإن الله تعالى يغفر الإثم لأن الله يرفعه بمغفرته وبرحمته، وقد اشترط للإباحة شرطان، أو ذكر الترخيص مقرونا بوصفين:
الوصف الأول - أن يكون غير باغ طالبا له يشتهيه، وهذا الوصف تحقيق للضرورة؛، لأنه إذا كان يبتغيه وهو في فسحة من العمل لا يكون مضطرا، ولأنه إذا كان يبتغيه يتجاوز حد الضرورة.
والوصف الثاني: ولا عاد أي: متجاوز حد الضرورة.
وقد قالوا إن هذه رخصة إسقاط؛ لأنه قد سقط عنه التحريم بهذه الضرورة، وقالوا إن الأكل في هذه الحال واجب، وليس بمباح فقط؛ لأنه يتردد بين أمرين أحدهما أقوى تحريما من الآخر:
الأمر الأول: الأكل.
والأمر الثاني: تلف النفس ولا شك أن تلف النفس أقوى تحريما من الأكل.
وقال أهل الطب إن تحريم هذه الأشياء لما فيها من رجس وقذر، وذلك يضر الجسم، فإذا كان الجسم في حال جوع شديد ومخمصة كان هذا الجوع مخففا لأضرارها، وكان الأخذ منها لا ضرر فيه لحال الجوع الشديد؛ فيأخذ من غير تعد ولا شهوة أكل ولا تجاوز لحد الضرورة، فإن تجاوزها كان الضرر، وتحقق الرجس والقذر.