وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة   أي إن كان المدين غير قادر على الأداء لعسرة ملازمة له كملازمة الصاحب لصاحبه فانتظار إلى وقت يتيسر فيه ، فلا يزيد عليه ليرهقه ، فيعجز عن الوفاء ، بل ينتظر حتى يجيء الوقت الذي يستطيع الأداء وهنا بعض عبارات فيها إشارات بيانية جديرة بالتنبيه : 
أولها : التعبير بذو عسرة في قوله وإن كان ذو عسرة  أي كان صاحب عسرة وضيق شديد يلازمه كملازمة الصاحب ، لأن كلمة ذو تدل على المصاحبة ;  [ ص: 1061 ] وفرض أن بعض المدينين ذو عسرة يدل على أن مدينين آخرين يستطيعون الوفاء ، ومنهم الذين يقترضون للاستغلال . 
ثانيها : قوله تعالى : فنظرة إلى ميسرة  معناها : فالحكم أو الأمر انتظار إلى ميسرة ، وهناك قراءة أخرى ، وهي ( فناظره إلى ميسرة ) أي فمنتظره إلى ميسرة . 
ثالثها : قوله إلى ميسرة  فالميسرة بفتح السين وضمها كمقبرة ومقبرة : هي حال اليسر ، فليست الميسرة هي مجرد اليسار ، بل هي اليسار المستقر الثابت الذي يتمكن فيه المدين من وفاء دينه كله مقدما القوي على الضعيف ، أي أن الدائن ينتظر المدين حتى يقف من عثرة العسرة ويستقيم أمره ، لا أن يترقب أي مال حتى يأخذه كما يأخذ الصائد قنيصته   . 
وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون  أي أنه إذا ثبت العجز وتقرر ، وأصبح احتمال اليسار غير قريب فتصدقوا بالدين على صاحبه وأبرئوه منه ; فإن ذلك يكون خيرا لكم في الدنيا والآخرة ; أما في الدنيا فلأنكم إذا فقدتم الأمل في الاستيفاء فكل جهد في سبيله ضائع ، وكل تعقب في سبيله يورث الإحن من غير جدوى ; ويثير الأحقاد المستمرة من غير فائدة ، فيكون من الخير العفو والإبراء ، والإبقاء على الأخوة ، والعلاقات الاجتماعية ، وأما في الآخرة فالنعيم المقيم . 
وهذا الجزء من النص الكريم فيه إشعار للدائنين بأنه إذا ذهب دينهم بالتوى وعجز المدين عن الوفاء فلا تذهب أنفسهم حسرات  ، وليعلموا أن التصدق أجدى إن كانوا يعلمون . وذكر سبحانه هذه الجملة السامية : إن كنتم تعلمون  لأن غمرة الألم لفقد الدين قد تنسيهم ما ينبغي في مثل هذه الحال فنبههم إلى ما ينبغي ليكونوا في حال وعي نفسي دائم ، ولا ينسيهم المال الحال والمآل . 
* * *
				
						
						
