الروح والقرآن
قال الله تعالى:
ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا إلا رحمة من ربك إن فضله كان عليك كبيرا قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنـزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا
[ ص: 4446 ] إن المشركين كانوا يتعنتون في أسئلتهم وإجاباتهم، ويستعينون بأهل الكتاب في إحراج النبي صلى الله عليه وسلم -.
ويروى أنهم قد قالوا لهم: سلوه عن ثلاثة: عن الروح، وعن العبد الصالح، وعن ذي القرنين، فإن أجاب عن بعضها فهو نبي، وقد بين سبحانه وتعالى حال العبد الصالح الذي صحب موسى، وعن ذي القرنين في سورة الكهف، وعن الروح فقال:
ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا
سألوه عن الروح: ما ماهيتها؟ أهي عرض أم جوهر؟ والروح أهي الروح التي تكون في الأجسام فتجعلها تتحرك بإرادتها وتسير باختيارها، ويقصد من الناس، ويصح أن يراد منها النفس التي تتجه بالحق إلى مقاصده وغاياتها، سألوه عنها فأجاب سبحانه، أو أمر نبيه أن يجيب بقوله: قل الروح من أمر ربي أي أنها خلق من خلقه، والعلم بها من شأنه وأمره الخاص به، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا أي ما الذي أوتيتموه من العلم إلا قدرا ضئيلا، والعلم بها فوق طاقتكم، إنما اختص الخلاق العليم، وعبر بـ (ربي) للإشارة إلى أنها سر خلقه وتكوينه، وقد شرف الله تعالى الروح فقال تعالى: فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فأضاف سبحانه روح آدم إليه تشريفا وتكريما للروح الإنسانية.
[ ص: 4447 ] وإن التوراة التي بأيدينا فيها النص على أن نفس كل إنسان دمه، أما القرآن كلام الله الصادق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فهو يقرر الحقيقة الثابتة الخالدة وهي أن الروح من أمر إنشاء الله وخلقه، وسر الله تعالى في إبداعه وتكوينه، وما أوتي الإنسان إلا العلم بالمحسوسات واستخدام قواها، وهو لا يعرف حقيقة الأشياء ولكن يعرف مظاهرها وقوانينها الظاهرة لديه، وهذا مؤدى قوله تعالى: وما أوتيتم من العلم إلا قليلا وهو العلم بالمحسوسات وظواهرها البيئية التي تتكشفها العقول وتعرفها الفهوم.
ألم تر الإنسان قد علا من الأرض وجعل النجوم له مراما، ووصل إلى القمر والمريخ، ويحاول أن يتعرف ما وراء هذا الفضاء فهل تراه استطاع أن يخلق ذبابا، كما قال تعالى: يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب
قولوا للذين يقتعدون الفضاء وينقلون أجهزة العلم إليه: أيستطيع أحد أن ينشئ روح إنسان أو حيوان أو بعوضة في الأرض أو هامة من هوام الأرض؟ إن ذلك من شأن منشئ الوجود بديع السماوات والأرض والأجسام والأنفس والأرواح، وكل شيء عنده بمقدار.