فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما يتكلم بلغة المتكلم؛ ومعه غيره؛ وهذا يسير إلى أن الله معه؛ فهي ليست إرادته وحده؛ إنما هي إرادة الله - سبحانه وتعالى -؛ وهو لها منفذ؛ فلم يجعلها له وحده؛ لأنها ليست إرادته وحده؛ ولم يجعلها لله (تعالى); لأنه لم يجد من الأدب أن ينسب القتل لله (تعالى).
وهنا يسأل سائل: لماذا قال في السفينة: فأردت أن أعيبها ولم يقل بلسان المتكلم ومعه غيره; لأن خرق السفينة ليس في حظ القتل؛ فصح أن ينسبه لنفسه؛ وإن كان بأمر الله؛ أما القتل فأشار إلى أنه بأمر الله (تعالى)؛ لخطورته؛ وأسند التبديل إلى الله; لأنه لا يكون إلا منه؛ الفاء هنا تفيد السببية الظاهرة؛ أي أنه بسبب ما يخشاه منه من الكفر والطغيان؛ كانت إرادة التبديل؛ وقوله (تعالى): أن يبدلهما ربهما خيرا منه أي أن يجعل بدلا منه يحل محله؛ خيرا منه زكاة؛ أي طاهرا ناميا؛ وأقرب رحما؛ "الرحم "؛ بضم الراء؛ تطلق ويراد منها: الرحمة؛ وتطلق ويراد [ ص: 4570 ] منها: "الرحم "؛ وعلى الأول يكون المعنى: خيرا منه طهارة؛ وأقرب رحمة؛ أي: أدنى إلى الرحمة والبر من هذا الذي يرهقهما طغيانا وكفرا؛ وعلى الثاني: أقرب رحما؛ أي: أوصل لرحمه؛ وأحفظ لحق الأبوة؛ فيكون منه الطهارة والبر بهما؛ فلا يكون كفر وشرك؛ ولا طغيان عليهما؛ ويكون قد دبر لهما الله بالولد الذي لا يرجى منه خير من يرجى خيره وبره وصلته الرحم؛ ويلاحظ أن الأوصل رحما لا يكون بره لأبويه فقط؛ بل يكون لأسرته كلها لهما؛ ولمن يتفرع منهما؛ أو من أجدادهما.
بعد ذلك أجاب عن الجدار؛ ولماذا أقامه؛