قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما "الردم "؛ أقوى من السد؛ وقد قال في ذلك : "ردما "؛ أي: حاجزا حصينا موثقا؛ و "الردم "؛ أكبر من السد؛ من قولهم: "ثوب مردم "؛ أي: رقاع فوق رقاع؛ أي: إني أبني لكم سدا وثيقا قويا؛ والمعنى: ما مكني فيه ربي ووسع علي فيه؛ وبسط لي؛ خير من خرجكم؛ فلست مستعينا بخرج؛ ولكني مستعين بقوة منكم؛ فأعينوني بقوة تحتمل العمل من رجالكم؛ أي: فلست أحتاج إلى المال؛ ولكن أحتاج إلى أيد عاملة تعمل؛ ولقد قال الزمخشري القرطبي - في معنى هذه الآية الكريمة -: "ما بسطه الله لي من القدرة؛ والملك؛ خير من خرجكم؛ وأموالكم؛ ولكن أعينوني بقوة الأبدان؛ أي: برجال؛ وعمل منكم بالأبدان؛ والآلة التي أبني بها الردم؛ وهو السد. [ ص: 4589 ] ولقد استنبط من هذا القصص عن ذي القرنين أنه لا يجوز للملك - ما دام في قدرة وسعة - أن يفرض ضرائب ترهق؛ ويقول في ذلك: "إن الملك فرض عليه أن يقوم بحماية الخلق في حفظ بيضتهم؛ وسد فرجتهم؛ وإصلاح ثغورهم من أموالهم التي تفيء عليهم؛ وحقوقهم التي يجمعها في خزائنهم؛ حتى لو أكلتها وأنفذتها المؤن؛ فكان عليهم جبر ذلك من أموالهم؛ وعليه حسن النظر؛ وذلك بشروط ثلاثة؛ الشرط الأول: ألا يستأثر عليهم بشيء؛ والشرط الثاني: أن يبدأ بأهل الحاجة؛ والشرط الثالث: أن يسوي في العطاء.
أخذ بعد ذلك ذو القرنين يبني السد محكما؛ لا يتفلت منه أحد إليهم؛