الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا أي: كان عملهم ضلالا في ضلال؛ ووصف العمل بأنه ضلال؛ مع أن الضلال في العامل مبالغة في الضلال؛ كأنه بضلال النفس انتقل الضلال إلى العمل؛ للإشارة إلى أن العمل يكون ضلالا بضلال النفس؛ وفساد القصد؛ وقال: "سعيهم "؛ ولم يقل: "عملهم "؛ للإشارة إلى أن كل جهد يبذلونه يكون جهدا في ضلال؛ فلا يكون فيه خير أبدا؛ ومع هذا لا يعتقد أنه ضلال؛ بل يحسبه رشادا؛ ولذا قال: وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا أي أنهم بضلال الفعل وضلال الفكر؛ يفعلون الشر؛ ويظنون أنهم يفعلون الخير؛ فانقلب تفكيرهم؛ فحسب الشر خيرا؛ وذلك أشد [ ص: 4596 ] الضلال؛ إذ يطغى الضلال على تفكيرهم؛ فينشئه بالباطل؛ ويحسب الباطل حقا؛ والحق باطلا؛ وهذا و "يحسبون "؛ أي: يظنون أن ما يفعلونه هو الحسن؛ و "صنعا "؛ حال من فاعل "يحسبون "؛ وهي حال مؤكدة لحسن ما يفعلون بزعمهم. أشد الضلال؛
وإن هذا النص ينطبق على المشركين؛ لأنهم يعبدون الأوثان؛ ويحسبون أن عبادتها صنع حسنى؛ إذ يتوهمون فيها قوى تعبد؛ ويرون الخير في اتباع آبائهم؛ وينطبق على رهبان النصارى؛ إذ ينقطعون للعبادة - في زعمهم - ولا يقيمون للحياة أي اعتبار؛ وقيل: إنها تنطبق على الخوارج؛ الذين كانوا يستبيحون دماء المؤمنين؛ ولكن قوله (تعالى):