ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون إذا كانوا يطلبون آيات كالآيات التي كانت للأولين؛ التي طلبوها هم أيضا؛ فما آمنوا بعد أن أجيب طلبهم؛ وقد عاهدوا الله (تعالى)؛ على أن يؤمنوا إذا جاءتهم؛ فلما جاءتهم نكثوا في أيمانهم؛ فحل الهلاك بهم؛ فإذا كنتم تقايسون بين الآيات تطلبونها؛ وآيات الذين سبقوا؛ ففكروا في نتائج آياتهم؛ وهي ذات النتيجة التي تكون منكم؛ فلن تؤمنوا كما لم يؤمنوا; لأن الجاحد لا ينفعه دليل؛ ولا تقنعه حجة.
قوله (تعالى): ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها "القرية ": المدينة العظيمة؛ أو الإقليم؛ والمعنى: ما آمنوا؛ بل كذبوا؛ وهلكوا؛ واعتبروا بهم؛ ولقد قال (تعالى): وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون
ولذا قال (تعالى): أفهم يؤمنون الفاء تفصح عن شرط؛ تقديره: "أئذا جاءتهم الآية هم يؤمنون؟! "؛ والاستفهام إنكاري؛ والمعنى أنهم لا يؤمنون؛ كما أنه لم يؤمن من كانوا قبلهم؛ فالجحود؛ لا يعالجه الدليل؛ وكثرته؛ إنما يعالجه العقاب وصرامته.
وسياق الآيات الكريمات أنهم أنكروا أن يكون الرسول بشرا من البشر؛ ثم واصلوا إنكارهم؛ فادعوا الافتراء؛ وقالوا في شخصه: ساحر؛ وإن ما جاء به أضغاث أحلام؛ وأنه مفتر؛ وأنه شاعر؛ ثم قالوا من بعد - منكرين للآية الدالة على رسالته -: [ "فليأتنا بآية "؛] ولم يعقلوا بعقلهم الجحود المنكر أن يكون وإن عجزوا عن الإتيان بمثله؛ بعد أن تحداهم أن يأتوا بمثله؛ أو بعضه؛ ولو مفترى. القرآن معجزة؛
والحقيقة أن الجحود هو الذي أملى الاعتراض عليه؛ وهو لأنه باق؛ متجدد الإعجاز؛ لا تبلى جدته؛ وهذا يناسب رسالة باقية ما بقي الإنسان على ظهر البسيطة. أنسب معجزة لخاتم النبيين؛