nindex.php?page=treesubj&link=29747_31979_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=42وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=43يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=44ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون
بين الله سبحانه الأمر الخارق للسنن التي سنها في خروج الحي من الحي، بالنسبة لولادة
يحيى من عجوز عاقر، وإن الذي خرق هذه السن هو خالق السنن، وإنما خرقها الذي خلقها ليعلم الناس أنه سبحانه خلقها بإرادته وحكمته؛
[ ص: 1212 ] فإنه سبحانه وتعالى فعال لما يريد. وبعد أن بين ذلك، وهو العليم، مهد سبحانه لخارق أعظم وأبين، ليقرع حس الناس في عصر غلب فيه التفكير المادي على التفكير الروحي؛ وذلك هو خلق
عيسى ابن مريم من غير أب، كما خلق من قبل
آدم من غير أب ولا أم، وكان ذلك التمهيد ببيان الإرهاصات التي سبقت ولادة
عيسى عليه السلام، وهو اصطفاء
مريم واختيارها لتكون محل تلك الوديعة التي يودعها الله رحمها من غير علاقة ذكر بأنثى، وكان الاصطفاء بالطهارة والعفة والقنوت، والركوعو الخضوع لرب العالمين، ثم باختيارها النهائي للوديعة الربانية؛ ولذا قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=42وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين " الواو " هنا عاطفة، وهي تعطف هذا النص الكريم على قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=35إذ قالت امرأت عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فهذا عود إلى قصة
مريم البتول التي ابتدأت بالنذر بها وهي حامل، ثم ببيان حال أمها عند وضعها وبعد وضعها، وما كان من رزق الله تعالى لها وكفالة نبي الله
زكريا إياها، مما جعلها تنشأ تنشئة التقوى والورع، ولما شبت عن الطوق واكتملت في تكوينها وأنوثتها خاطبتها الملائكة بذلك الخطاب
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=42قالت الملائكة يا مريم وتفسر كلمة الملائكة هنا بعدد منهم، لا بواحد، كما استظهرنا مع
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير في خطاب الملائكة لنبي الله تعالى
زكريا عليه السلام؛ ولكن يجيء هنا البحث: من أي نوع
nindex.php?page=treesubj&link=31979_31981خطاب الملائكة لمريم البتول؛ أكان بالمخاطبة كما يخاطب النبيون، أم كان بالإلهام أو الرؤيا الصادقة في النوم؟ لم تبين الآية هنا نوع الخطاب؛ ولذا قال بعض العلماء: إن الخطاب كان بالإلهام، وإلى هذا يومئ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري رضي الله عنه، ولكنه صرح بقوله: " روي أنهم كلموها شفاها معجزة
لزكريا، أو إرهاصا لنبوة
عيسى عليه السلام " .
وبعض العلماء كما ترى قرر أن الخطاب كان مشافهة ولم يكن إلهاما، ولا رؤيا صادقة في النوم؛ وإنا نميل إلى ذلك الرأي؛ لأنه ثبت بنص القرآن الصريح
[ ص: 1213 ] الذي لا يحتمل تأويلا أن الملك خاطبها حين ابتدأ حملها، كما جاء في سورة مريم، إذ قال الله سبحانه وتعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=16واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=17فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=18قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=19قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا
والروح الذي ذكر مضافا إليه سبحانه هو روح من عند الله، أرسله سبحانه ليبشر
مريم البتول بعيسى عليه السلام، ولم يكن الملك يحمل وديعة كما يحمل الإنسان؛ لأنه ليس بإنسان، والعلاقة الجنسية من خواص الآدمية؛ بل الوديعة التي يحملها هي بشرى، والخلق والتكوين لرب العالمين، وهو يخلق الحي من غير جرثومة حياة، كما يخلق جرثومة الحياة نفسها.
nindex.php?page=treesubj&link=28748_32003_31979وإذا كانت الملائكة قد خاطبت مريم مشافهة فهل هي نبية، لأن الملائكة خاطبوها؟ هكذا قال بعض العلماء.
ولكن الأكثرين على أنه لا يمكن أن تكون نبية، وخطاب الملائكة لها لا يقتضي النبوة؛ لأن النبي من يوحى إليه بشرع،
ومريم لم يوح إليها بشيء من الشرع، ولكنه كان خطابا للبشارة بواقعة معينة دالة على علو منزلتها، واصطفاء الله سبحانه وتعالى لها.
والاصطفاء افتعال من صفا؛ فمعنى اصطفى: طلب الصفوة المختارة؛ والمعنى اللازم هو اختيار الله تعالى لها باعتبارها من صفوة الإنسانية البرة التقية. ولقد كان اصطفاء الله تعالى إياها مرتين بينهما طهر وتقى؛ فأما الاصطفاء الأول فحين قبولها نذرا من أمها البرة التقية، واختيارها لسدانة البيت المقدس؛ وأما الاصطفاء الثاني؛ فهو حين اختارها لتكون أما لمن لا أب له، إذ تلد بعد أن تحمل من غير علاقة تناسلية مما يجري بين البشر؛ وبين الاصطفاءين طهر وتقى وعفاف، وإيمان وانصراف للعبادة، وهذا هو معنى قوله تعالى عن خطاب ملائكته لمريم:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=42إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين وذكر في الاصطفاء ما يدل على أنها
[ ص: 1214 ] به مختارة دون نساء العالمين؛ لأن الاصطفاء الأول ومعه الطهر والتقى لا تختص به
مريم، فكم من عابدات قانتات قوامات بالليل صوامات بالنهار؛ أما الاصطفاء الثاني وهو أن تلد من غير أب فإن ذلك قد اختصت به لم تشركها فيه امرأة في هذا الوجود، ولذا قال فيه:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=42واصطفاك على نساء العالمين
وإن هذا التعبير يدل فوق دلالته على اختصاصها بهذا الاصطفاء، يدل على أن لها فضلا على نساء العالمين، إذ إن التعبير
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=42على نساء العالمين يتضمن معنى الأفضلية عليهن، وإن لها ذلك الفضل، ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=654998كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران ، وآسية امرأة فرعون، وإن فضل nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام " وروي من طرق صحيحة: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=666183nindex.php?page=treesubj&link=31914_30396_31330_31979_31361خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران ، وآسية امرأة فرعون، nindex.php?page=showalam&ids=10640وخديجة بنت خويلد ، nindex.php?page=showalam&ids=129وفاطمة بنت محمد " .
nindex.php?page=treesubj&link=29747_31979_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=42وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=43يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=44ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ
بَيَّنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْأَمْرَ الْخَارِقَ لِلسُّنَنِ الَّتِي سَنَّهَا فِي خُرُوجِ الْحَيِّ مِنَ الْحَيِّ، بِالنِّسْبَةِ لِوِلَادَةِ
يَحْيَى مِنْ عَجُوزٍ عَاقِرٍ، وَإِنَّ الَّذِي خَرَقَ هَذِهِ السِّنَّ هُوَ خَالِقُ السُّنَنِ، وَإِنَّمَا خَرَقَهَا الَّذِي خَلَقَهَا لِيَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ خَلَقَهَا بِإِرَادَتِهِ وَحِكْمَتِهِ؛
[ ص: 1212 ] فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ. وَبَعْدَ أَنْ بَيَّنَ ذَلِكَ، وَهُوَ الْعَلِيمُ، مَهَّدَ سُبْحَانَهُ لِخَارِقٍ أَعْظَمَ وَأَبْيَنَ، لِيَقْرَعَ حِسَّ النَّاسِ فِي عَصْرٍ غَلَبَ فِيهِ التَّفْكِيرُ الْمَادِّيُّ عَلَى التَّفْكِيرِ الرُّوحِيِّ؛ وَذَلِكَ هُوَ خَلْقُ
عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مِنْ غَيْرِ أَبٍ، كَمَا خَلَقَ مِنْ قَبْلُ
آدَمَ مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَلَا أُمٍّ، وَكَانَ ذَلِكَ التَّمْهِيدُ بِبَيَانِ الْإِرْهَاصَاتِ الَّتِي سَبَقَتْ وِلَادَةَ
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهُوَ اصْطِفَاءُ
مَرْيَمَ وَاخْتِيَارُهَا لِتَكُونَ مَحَلَّ تِلْكَ الْوَدِيعَةِ الَّتِي يُودِعُهَا اللَّهُ رَحِمَهَا مِنْ غَيْرِ عَلَاقَةِ ذَكَرٍ بِأُنْثَى، وَكَانَ الِاصْطِفَاءُ بِالطَّهَارَةِ وَالْعِفَّةِ وَالْقُنُوتِ، وَالرُّكُوعِوَ الْخُضُوعِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، ثُمَّ بِاخْتِيَارِهَا النِّهَائِيِّ لِلْوَدِيعَةِ الرَّبَّانِيَّةِ؛ وَلِذَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=42وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ " الْوَاوُ " هُنَا عَاطِفَةٌ، وَهِيَ تَعْطِفُ هَذَا النَّصَّ الْكَرِيمَ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=35إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَهَذَا عَوْدٌ إِلَى قِصَّةِ
مَرْيَمَ الْبَتُولِ الَّتِي ابْتَدَأَتْ بِالنَّذْرِ بِهَا وَهِيَ حَامِلٌ، ثُمَّ بِبَيَانِ حَالِ أُمِّهَا عِنْدَ وَضْعِهَا وَبَعْدَ وَضْعِهَا، وَمَا كَانَ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ تَعَالَى لَهَا وَكَفَالَةِ نَبِيِّ اللَّهِ
زَكَرِيَّا إِيَّاهَا، مِمَّا جَعَلَهَا تَنْشَأُ تَنْشِئَةَ التَّقْوَى وَالْوَرَعِ، وَلَمَّا شَبَّتْ عَنِ الطَّوْقِ وَاكْتَمَلَتْ فِي تَكْوِينِهَا وَأُنُوثَتِهَا خَاطَبَتْهَا الْمَلَائِكَةُ بِذَلِكَ الْخِطَابِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=42قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ وَتُفَسَّرُ كَلِمَةُ الْمَلَائِكَةِ هُنَا بِعَدَدٍ مِنْهُمْ، لَا بِوَاحِدٍ، كَمَا اسْتَظْهَرْنَا مَعَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنِ جَرِيرٍ فِي خِطَابِ الْمَلَائِكَةِ لِنَبِيِّ اللَّهِ تَعَالَى
زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ وَلَكِنْ يَجِيءُ هُنَا الْبَحْثُ: مَنْ أَيِّ نَوْعٍ
nindex.php?page=treesubj&link=31979_31981خِطَابُ الْمَلَائِكَةِ لِمَرْيَمَ الْبَتُولِ؛ أَكَانَ بِالْمُخَاطَبَةِ كَمَا يُخَاطَبُ النَّبِيُّونَ، أَمْ كَانَ بِالْإِلْهَامِ أَوْ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةِ فِي النَّوْمِ؟ لَمْ تُبَيِّنِ الْآيَةُ هُنَا نَوْعَ الْخِطَابِ؛ وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ الْخِطَابَ كَانَ بِالْإِلْهَامِ، وَإِلَى هَذَا يُومِئُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَكِنَّهُ صَرَّحَ بِقَوْلِهِ: " رُوِيَ أَنَّهُمْ كَلَّمُوهَا شِفَاهًا مُعْجِزَةً
لِزَكَرِيَّا، أَوْ إِرْهَاصًا لِنُبُوَّةِ
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ " .
وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَمَا تَرَى قَرَّرَ أَنَّ الْخِطَابَ كَانَ مُشَافَهَةً وَلَمْ يَكُنْ إِلْهَامًا، وَلَا رُؤْيَا صَادِقَةً فِي النَّوْمِ؛ وَإِنَّا نَمِيلُ إِلَى ذَلِكَ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ الصَّرِيحِ
[ ص: 1213 ] الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا أَنَّ الْمَلِكَ خَاطَبَهَا حِينَ ابْتَدَأَ حَمَلُهَا، كَمَا جَاءَ فِي سُورَةِ مَرْيَمَ، إِذْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=16وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=17فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=18قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=19قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا
وَالرُّوحُ الَّذِي ذُكِرَ مُضَافًا إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ هُوَ رُوحٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، أَرْسَلَهُ سُبْحَانَهُ لِيُبَشِّرَ
مَرْيَمَ الْبَتُولَ بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَمْ يَكُنِ الْمَلَكُ يَحْمِلُ وَدِيعَةً كَمَا يَحْمِلُ الْإِنْسَانُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِنْسَانٍ، وَالْعَلَاقَةُ الْجِنْسِيَّةُ مِنْ خَوَاصِّ الْآدَمِيَّةِ؛ بَلِ الْوَدِيعَةُ الَّتِي يَحْمِلُهَا هِيَ بُشْرَى، وَالْخَلْقُ وَالتَّكْوِينُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهُوَ يَخْلُقُ الْحَيَّ مِنْ غَيْرِ جُرْثُومَةِ حَيَاةٍ، كَمَا يَخْلُقُ جُرْثُومَةَ الْحَيَاةِ نَفْسَهَا.
nindex.php?page=treesubj&link=28748_32003_31979وَإِذَا كَانَتِ الْمَلَائِكَةُ قَدْ خَاطَبَتْ مَرْيَمَ مُشَافَهَةً فَهَلْ هِيَ نَبِيَّةٌ، لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ خَاطَبُوهَا؟ هَكَذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ.
وَلَكِنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ نَبِيَّةً، وَخِطَابُ الْمَلَائِكَةِ لَهَا لَا يَقْتَضِي النُّبُوَّةَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ مَنْ يُوحَى إِلَيْهِ بِشَرْعٍ،
وَمَرْيَمُ لَمْ يُوحَ إِلَيْهَا بِشَيْءٍ مِنَ الشَّرْعِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ خِطَابًا لِلْبِشَارَةِ بِوَاقِعَةٍ مُعَيَّنَةٍ دَالَّةٍ عَلَى عُلُوِّ مَنْزِلَتِهَا، وَاصْطِفَاءِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَهَا.
وَالِاصْطِفَاءُ افْتِعَالٌ مِنْ صَفَا؛ فَمَعْنَى اصْطَفَى: طَلَبَ الصَّفْوَةَ الْمُخْتَارَةَ؛ وَالْمَعْنَى اللَّازِمُ هُوَ اخْتِيَارُ اللَّهِ تَعَالَى لَهَا بِاعْتِبَارِهَا مِنْ صَفْوَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ الْبَرَّةِ التَّقِيَّةِ. وَلَقَدْ كَانَ اصْطِفَاءُ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهَا مَرَّتَيْنِ بَيْنَهُمَا طُهْرٌ وَتُقًى؛ فَأَمَّا الِاصْطِفَاءُ الْأَوَّلُ فَحِينَ قَبُولِهَا نَذْرًا مِنْ أُمِّهَا الْبَرَّةِ التَّقِيَّةِ، وَاخْتِيَارُهَا لِسِدَانَةِ الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ؛ وَأَمَّا الِاصْطِفَاءُ الثَّانِي؛ فَهُوَ حِينَ اخْتَارَهَا لِتَكُونَ أُمًّا لِمَنْ لَا أَبَ لَهُ، إِذْ تَلِدُ بَعْدَ أَنْ تَحْمِلَ مِنْ غَيْرِ عَلَاقَةٍ تَنَاسُلِيَّةٍ مِمَّا يَجْرِي بَيْنَ الْبَشَرِ؛ وَبَيْنَ الِاصْطِفَاءَيْنِ طُهْرٌ وَتُقًى وَعَفَافٌ، وَإِيمَانٌ وَانْصِرَافٌ لِلْعِبَادَةِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ خِطَابِ مَلَائِكَتِهِ لِمَرْيَمَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=42إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ وَذَكَرَ فِي الِاصْطِفَاءِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا
[ ص: 1214 ] بِهِ مُخْتَارَةٌ دُونَ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ؛ لِأَنَّ الِاصْطِفَاءَ الْأَوَّلَ وَمَعَهُ الطُّهْرُ وَالتُّقَى لَا تَخْتَصُّ بِهِ
مَرْيَمُ، فَكَمْ مِنْ عَابِدَاتٍ قَانِتَاتٍ قَوَّامَاتٍ بِاللَّيْلِ صَوَّامَاتٍ بِالنَّهَارِ؛ أَمَّا الِاصْطِفَاءُ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ تَلِدَ مِنْ غَيْرِ أَبٍ فَإِنَّ ذَلِكَ قَدِ اخْتَصَّتْ بِهِ لَمْ تُشْرِكْهَا فِيهِ امْرَأَةٌ فِي هَذَا الْوُجُودِ، وَلِذَا قَالَ فِيهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=42وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ
وَإِنَّ هَذَا التَّعْبِيرَ يَدُلُّ فَوْقَ دَلَالَتِهِ عَلَى اخْتِصَاصِهَا بِهَذَا الِاصْطِفَاءِ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهَا فَضْلًا عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ، إِذْ إِنَّ التَّعْبِيرَ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=42عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الْأَفْضَلِيَّةِ عَلَيْهِنَّ، وَإِنَّ لَهَا ذَلِكَ الْفَضْلَ، وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٌ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=110أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=654998كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ غَيْرُ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ ، وَآسِيَةَ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ، وَإِنَّ فَضْلَ nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ " وَرُوِيَ مِنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=666183nindex.php?page=treesubj&link=31914_30396_31330_31979_31361خَيْرُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ أَرْبَعٌ: مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، nindex.php?page=showalam&ids=10640وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ ، nindex.php?page=showalam&ids=129وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ " .