ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم
في هذا القصص القرآني الصادق تستمر الآيات الكريمة متممة قصة البشارة بعيسى عليه السلام؛ بشرت به أمه قبل أن يكون في بطنها، وقد أوحي إليها أنه ستكون له تلك المنزلة في الدنيا والآخرة التي اصطفاه الله تعالى لها، وإن من سنة [ ص: 1227 ] الله تعالى في كلامه المعجز أن يشتمل الكلام على الإيجاز، الذي هو من أسرار الإعجاز، ففي أثناء البشارة قبل الحمل كان بيان رسالته وما هيأه الله به لأداء الرسالة، والمعجزات الكبرى التي أجراها الله سبحانه وتعالى على يديه، وماهية الرسالة التي جاء بها، ومقام رسالته من الرسالات قبلها، ثم بيان تلقي الذين أرسل إليهم هذه الرسالة مؤيدة بهذه المعجزات الباهرة القاهرة، ثم بيان النهاية التي انتهى بها، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم.
ولقد ابتدأ سبحانه ببيان علم الرسالة الذي تكون به قوة الرسول الذي يدعو قوما معاندين من أمثال اليهود والمشركين من الرومان، فقال:
ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل في هذه الآية الكريمة يبين الله سبحانه وتعالى علم الرسالة التي أرسله بها، وهو علم بأربعة أمور: علمه بالكتاب، وعلمه بالحكمة، وعلمه بالتوراة، وعلمه بالإنجيل. أما علمه بالكتاب فقد قال بعض مفسري السلف: إنه العلم بالخط والكتابة، وتوجيه ذلك التفسير أن عيسى بعث في أمة اشتهرت بالعلم والمعرفة، فلا بد أن يكون فيه ما هو سبيل العلم والمعرفة وهو الكتابة، وقد كانت آيته في إثبات رسالته فوق علم العلماء، وقدرة الناس قاطبة. وقال بعض مفسري السلف أيضا: إن علم عيسى بالكتاب هو علمه بما نزل على النبيين السابقين. وإنا نختار الأول، فإنه على التفسير الثاني يكون تكرار؛ لأن علم الرسالات السابقة، في التوراة التي ذكر أنها من علمه، والتأسيس أولى من التأكيد. وأما العلم الثاني، وهو الحكمة، فهو العلم الذي يحكم صاحبه في القول والعمل، وسياسة الناس في القول والعمل، ولذا يقول العلماء: إن الحكمة هي العلم النافع؛ فهي العلم الذي تظهر ثمرته في القول والعمل وهداية الناس، وقيادة نفوسهم؛ ولذلك قال الله تعالى آمرا نبيه الكريم - صلى الله عليه وسلم -: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن وإن هذا النوع من العلم هو ألزم العلوم لمن يقود الناس إلى الإيمان، ويدعوهم بدعاية الرحمن. [ ص: 1228 ] وأما العلم الثالث والرابع فهما علم التوراة وعلم الإنجيل، والتوراة تومئ إلى علم الرسالات التي كانت قبلها، وعلم الإنجيل هو العلم برسالته التي بعث بها في وسط تلك المادية التي استولت على بني إسرائيل، وهذا يدل على اتصال رسالته بالرسالات التي سبقته، وهي لبنة في صرح الرسالات الإلهية وبعد أن أشار سبحانه وتعالى إلى علم الرسالة التي هيأه الله تعالى لها، أشار إلى من أرسل إليهم، فقال تبارك وتعالى: وكل رسول مبعوث لا تكون رسالته مقطوعة عما قبلها، بل هي موصولة بها متممة لها،