وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا ؛ إنه منذ هبط آدم وإبليس إلى الأرض؛ والخير؛ والشر في نزاع مستمر; تحقيقا [ ص: 5274 ] لقوله (تعالى): وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين ؛ فإذا كان من سنة الله (تعالى) في خلقه أن يبعث النذير والداعي إلى الخير؛ فإنه تكون وسوسة الشيطان دائمة مستمرة؛ والإنسان في غلاب مستمر بين نوازع الشر؛ ودواعي الخير؛ وبين الداعي إلى الخير؛ ودعاة الشر؛ دائما؛ ولذلك جعل الله للنبيين أعداء من المجرمين؛ ليتحقق للنبي فضل الجهاد؛ وليتحقق الابتلاء الذي يبتلى به النبيون؛ كما قال (تعالى): ونبلوكم بالشر والخير فتنة ؛ ولذلك كان لكل نبي عدو من المجرمين؛ وإلا ما كان فضل الجهاد؛ وفضل الاختبار الشديد لأهل الإيمان.
وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين ؛ الإشارة إلى ما قوبل به النبي - صلى الله عليه وسلم - من عداوة كبار المشركين؛ كأبي لهب؛ وأبي جهل؛ ولجاجتهما في العداوة؛ والإحن مع قرب القرابة؛ والرحم الواصلة؛ والمعنى: كهذه العداوة التي تلقاها من بعض المجرمين من قومك؛ جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين؛ و " عدوا " ؛ تشمل الجمع؛ والواحد؛ أي: يكون لنبي عدو؛ فرادى؛ وجماعات; لأن تلك سنة الحياة التي سنها الله (تعالى): ولن تجد لسنت الله تحويلا ؛ و " من " ؛ هنا؛ ابتدائية؛ أي: يكونون من المجرمين دون غيرهم.
وإذا كان ذلك شأن الوجود الإنساني أن يكون الإنسان في متنازع الخير والشر؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - غالب؛ لأن الله (تعالى) ناصره؛ ومعه؛ ولذا قال: وكفى بربك هاديا ونصيرا ؛ الباء لتأكيد كفاية الله (تعالى) له؛ وأنه معه يغنيه عن الاستعانة بغيره؛ والتعبير " بربك " ؛ أي: كالئك؛ وحافظك ومربيك؛ والقائم على شؤونك؛ " هاديا " ؛ إلى أقوم سبل الحياة الفاضلة؛ " ونصيرا " ؛ نصرا مؤزرا دائما؛ وليستخلفن في الأرض المؤمنين الصالحين.