[ ص: 5382 ] عاد وهود
قال (تعالى): كذبت عاد المرسلين إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاتقوا الله وأطيعون واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين إن هذا إلا خلق الأولين وما نحن بمعذبين فكذبوه فأهلكناهم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم
إن هذه الآيات الكريمات: كذبت عاد المرسلين إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ؛ [ ص: 5383 ] هي التي قدمت بها قصة نوح - عليه السلام -؛ وذكرها هنا ليس تكرارا من غير معان واضحة بينة؛ وهي تدل - أولا - على أن ينكرون أصل الرسالة الإلهية إلى البشر؛ فهم لا يؤمنون بالله (تعالى)؛ إذ لا يؤمنون بالغيب؛ وإنما يؤمنون بالأمور المحسوسة فقط؛ والإيمان بالغيب هو التدين؛ كما قال (تعالى) في أوصاف المؤمنين: الكافرين بالرسل لا يعارضون الآيات؛ وينكرونها؛ إنما هم لجحودهم الذين يؤمنون بالغيب
وتدل - ثانيا - على أن كما كان يقول كل رسول: الرسل أمناء الله (تعالى) على خلقه؛ وإرشادهم وتقويمهم؛ إني لكم رسول أمين ؛ وهم يكونون من المعروفين بالأمانة في أقوالهم؛ لتكون شهرتهم بالأمانة دليلا على صدقهم ابتداء؛ فلا يفاجؤون بما يتوهم كذبه.
وتدل - ثالثا - على أن وأنهم لا يرجون أجرا إلا من رب العالمين؛ يوم تجزى كل نفس ما كسبت. رسل الله لا مطمع لهم في أمر دنيوي؛ إنما يريدون الهداية والتقوى والإيمان؛
وتدل - رابعا - على أن ولذلك قال كل منهم في مبدإ دعوته: التقوى مطلب النبيين أجمعين; فاتقوا الله ؛ وتدل - خامسا - على أن لأنها طاعة لله (تعالى)؛ وكما قال الله (تعالى): طاعة الرسول واجبة؛ من يطع الرسول فقد أطاع الله ؛ وإن ذلك ليس تكرارا؛ ولكنه تأكيد بيان طبائع المشركين؛ وبيان هداية الرسل.