ذكرهم بالنعمة؛ ثم أنذرهم بالجزاء؛ ولكن لم يرعووا؛ ولم يستيقظوا؛ وكانوا في عمياء ضالة؛ ولذا رأوا هذا؛ وقالوا: قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين إن هذا إلا خلق الأولين ؛ [ ص: 5387 ] " الوعظ " ؛ يجمع بين معنى التذكير بالخير؛ وإثارة النفس إلى الخير؛ والزجر المقترن بالتخويف؛ وقد جمع كلام نبي الله هود على المعنيين؛ فهو - أولا - ذكرهم بالنعم التي هي خير محض؛ ثم أنذرهم بالعذاب الشديد؛ فقالوا - مصرين على ما هم عليه -: قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين ؛ أي: تساوى عندنا حالك إذا كنت الواعظ المذكر بالنعم؛ والمنذر بالنقم؛ أم لم تكن من الواعظين؛ بأن تركتنا في أمورنا؛ وحالنا؛ ولم يكتفوا بذلك؛ بل تهجموا على ما يدعو إليه؛ وقالوا: إن هذا إلا خلق الأولين ؛ و " إن " ؛ نافية؛ أي: ما هذا إلا خلق الأولين؛ وفي النص الكريم قراءتان؛ إحداهما بضم الخاء واللام؛ والمعنى على هذا يتضمن - أولا - أن ما هم عليه من شرك؛ وقد اتبعوا فيه آباءهم؛ كما قال المشركون: وجدنا عليه آباءنا ؛ ويتضمن - ثانيا - أن ما هم عليه من بطش جعلهم جبارين؛ هو خلق الأولين من قومهم؛ ولذا عبروا بـ " خلق " ؛ بدل " دين " ؛ ليشملهما معا.
والقراءة الثانية هي: " خلق " ؛ بفتح الخاء؛ وسكون اللام؛ ويكون المعنى: إن هذا الوعظ إلا ما اختلقه الأولون؛ وافتراؤهم؛ كما قال المشركون عن القرآن الكريم؛ إن هذا إلا أساطير الأولين