حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين ؛ " أتوا " ؛ بمعنى: أقبلوا على وادي النمل؛ ولذا كان التعدي بـ " على " ؛ وقالوا: إنه واد بالشام؛ ونقول: إن كل أرض فيها النمل؛ ويتخذ له مكانا يقيم فيه؛ ويكون كالوادي له؛ و " حطم " ؛ معناها: " كسر " ؛ ومعنى لا يحطمنكم سليمان وجنوده ؛ أي: لا يسر من فوقكم؛ فيحطم عظامكم؛ وقد أكدت النملة القول بما يشبه القسم؛ ولذا كانت اللام؛ وكانت نون التوكيد الثقيلة؛ وأسندت الحطم - أولا - لسليمان؛ باعتباره قائد [ ص: 5445 ] الجند؛ والجند جنده؛ فهو الذي يسند إليه الحطم - أولا - وبالذات؛ ولغيره بالتبع؛ وهم لا يشعرون ؛ بما يمرون عليهم من نمل.
سمع سليمان كلامها: فتبسم ضاحكا من قولها ؛ و " ضاحكا " ؛ حال مؤكدة لمعنى التبسم؛ وهو يتضمن معنى التعجب من حرصها؛ واهتدائها إلى النتيجة لمرور الجيش عليها؛ وعلى صواحبها؛ وإن ذلك دفعه لأن يتجه إلى ربه الذي أعطاه وأباه ما أعطى؛ فقال: رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين ؛ لم يغتر؛ ولم يفخر؛ ولم يفاخر؛ بل عرف حق النعمة؛ واتجه إلى شكرها؛ ودعا ربه ثلاثا؛ أولا: ضرع إلى ربه أن يدفعه؛ فقال: أوزعني؛ أي: ادفعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت بها علي؛ وعلى والدي؛ فإن هذه نعمة تحتاج إلى الالتجاء إليك؛ لأتمكن من شكرها؛ وهي علي؛ وعلى والدي؛ فقد كان نبيا آتيته ما آتيت ولده سليمان؛ فكان ما أنا فيه نعمة علي وعليه.
ثانيا: دعا ربه أن يوفقه للخير؛ فقال: وأن أعمل صالحا ترضاه ؛ أي: أن أعمل عملا هو صالح في ذاته؛ وأن ترضاه بأن يكون خاليا من كل غرض غير رضاك؛ سبحانك؛ إنك أنت المعطي؛ والمانع.
ثالثا: أن يكون في ضمن عباد الله الصالحين؛ فقال: وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين ؛ أي أن الدخول في الصالحين من عباده - سبحانه - هو برحمته - سبحانه -؛ لا بعمل قدمه؛ فكل عمل هو من فضله؛ وكل جزاء هو من رحمته.