nindex.php?page=treesubj&link=25561_31706_32350_34513_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=169ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=170فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=171يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=172الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم ما زالت النصوص الكريمة في ذكر أعقاب غزوة أحد التي كانت أبلغ درس إسلامي للغزاة خاصة، وللمؤمنين عامة، وقد كانت المسبار الذي سبرت به النفوس، وتكشفت به قلوب المؤمنين، وأظهرت قلوب المنافقين، ولقد كانت عباراتهم فيها شماتة بأهل الإيمان، وقد بين الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات
nindex.php?page=treesubj&link=25561ما ناله أهل الشهادة باستشهادهم، وما هم عليه من روح وريحان، وما يستقبلونه من جنات النعيم، وقد بين في هذه الآيات الكريمة ما أعده الله سبحانه للمؤمنين
[ ص: 1501 ] المجاهدين الذين استجابوا لله ورسوله من بعد ما أصابهم القرح، من أجر لا يضيع، وعمل صالح يرى، وقول طيب هدوا إليه يسمع، وقد قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=169ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء
وفي هذا النص الكريم رد على شماتة المنافقين، وتحريض للمؤمنين، وتقرير لحقيقة إسلامية ثابتة، وهي أن
nindex.php?page=treesubj&link=25559_25561الاستشهاد في سبيل الله تعالى ليس فناء، بل هو بقاء، وأن
nindex.php?page=treesubj&link=29661الموت ليس إنهاء للحياة، ولكنه امتداد لها بصورة أكمل وأبقى، أو بعبارة أخرى هو انتقال من دور الحياة المادية إلى دور الحياة الروحية حتى تكون القيامة، وتجزى كل نفس بما كسبت، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر. نهى الله سبحانه وتعالى نبيه الأمين عن أن يظن أي ظن بأن الذين قتلوا في سبيل الله تعالى أموات بل هم أحياء، والتأكيد هنا تأكيد للنهي، أي أن الله تعالى ينهى نبيه نهيا مؤكدا عن أن يظن ذلك الظن، فـ " نون التأكيد " ليست لتأكيد الظن المنهي عنه، بل هي لتأكيد النهي، كما يقال: لا تفعلن كذا، فليست النون لتأكيد الفعل، بل هي لتأكيد النهي، ولا شك أن نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - نهي لغيره، وغيره أولى بهذا النهي منه وأجدر؛ لأن الناس منهم من ظنوا بالله الظنون، وقد أصابتهم حسرة شديدة، وبعضهم أصابتهم خيبة آمال، ومنهم من كان في ألم شديد للذين قتلوا منهم، وقد وجه النهي للنبي - صلى الله عليه وسلم - ابتداء ليكون انتهاء النبي - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة لهم، والنبي أقرب البشر إلى الله سبحانه، فنهيه فيه تأكيد النهي لغيره.
والذين قتلوا في سبيل الله تعالى هم الذين قتلوا في سبيل الحق والدعوة إليه، سواء أكان ذلك في ميدان القتال، أم كان في ميدان الدعوة إلى الله تعالى وإلى صراط مستقيم،
nindex.php?page=treesubj&link=25561وكل داع لله إذا قتل في سبيله أو مات في طلبه فهو قد قتل في سبيل الله تعالى، ولقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=848092أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر " فمن قتل في هذه السبيل فقد قتل في سبيل الله تعالى.
[ ص: 1502 ] وقد يقول قائل كل ميت فهو حي بروحه؛ لأن الله تعالى قد بين في محكم آياته أن الموت ليس فناء، كما قال سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=185كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - بمخاطبته يوم بدر قتلى المشركين أن أرواحهم تسمع الكلام ، فلماذا إذن اختص الذين قتلوا في سبيل الله تعالى بأنهم أحياء؟.
والجواب أحد أمور ثلاثة: (أولها) أن هذا النص الكريم رد على شماتة الذين شمتوا من اليهود، وتطييب لقلوب الذين فقدوا أحبتهم من المؤمنين، وتشجيع للذين يحملون السيوف على عواتقهم لجعل كلمة الله تعالى هي العليا، وكلمة الشرك هي السفلى.
(ثانيها) أن النص الكريم تذكير بحقيقة مقررة ثابتة وهي أن الموت ليس فناء، في وقت قد غامت فيه على النفوس غيمة من الألم المرير، وقد كان أقرب المتوفين ذكرا في هذا الوقت هم الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله تعالى.
(ثالثها) أن الله تعالى قد ذكر لأولئك الشهداء حياة ليست كحياة غيرهم، بل هي حياة فيها تكريم واستبشار ورزق كريم، ونعيم وسعادة ورضا بما كان منهم، وأنهم قد نالوا جزاء كريما بمجرد الاستشهاد، وأن هذه الحياة السعيدة لا يصح أن يطلق عليها اسم الموت، وإن كان يصح إطلاقها على غيرهم.
وما هذه الحياة التي ينالونها بعد الاستشهاد وما كيفها؟ وإن كنا لا نشعر بها ولا نراها، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=154ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون ؟ والجواب عن ذلك: أنه قد وردت أحاديث كثيرة في هذا الباب تدل على حياة كريمة لهؤلاء الشهداء، فقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=660508عن nindex.php?page=showalam&ids=17073مسروق : إنا سألنا nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس عن هذه الآية: nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=169ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فقال: إنا قد سألنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 1503 ] فقال: " أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة " ، فقال: " هل تشتهون شيئا؟ قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا، ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا، قالوا: يا رب، نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا " .
وهذا الحديث يدل على حياة كريمة، وهي حياة روحية لا جسدية، وأقصى ما يدل عليه التجسيد هو أنها تكون في طيور خضر، وأن هذه الآية تشير إلى الجزاء الأوفى الذي يستقبلهم في الحياة الآخرة، وإلى أن
nindex.php?page=treesubj&link=29662الأرواح بعد الموت إما في شقاء، وإما في نعيم، وأن حياة أولئك الشهداء الأطهار في أحسن نعيم، وأكمله، ولذا قال سبحانه: " عند ربهم يرزقون " .
في هذا النص الكريم ما يثبت أن حياتهم في هذه الفترة التي تكون بين الاستشهاد والحساب والثواب حياة كريمة سعيدة هنيئة؛ لأن فيه التصريح بأنهم عند ربهم الذي خلق الكون وخلقهم، والذي جاهدوا في سبيله، وقاتلوا وقتلوا، وإذا كانوا عنده فهم عند من يكرمهم ومن يجازيهم جزاء عاجلا، حتى يكون الجزاء الأوفى والنعيم المقيم، عندما تتصل أرواحهم الطاهرة بأجسامهم التي يعيدها الله سبحانه وتعالى إليهم في سعادة وحبور.
والرزق الذي يرزقهم الله تعالى رزق معنوي من سعادة وهناءة، وطيب مثوى تشعر به أرواحهم ويرون مقدمات جزائهم، ولا نقول إنه في هذه الفترة مادي؛ لأن الحياة في هذه الحال حياة أرواح قد انفصلت عن أجسادها، والرزق حينئذ يكون معنويا، وإن هذا معنى تقريبي؛ لأن كل الأحاديث النبوية الواردة في هذه الفترة تشير إلى أن الحياة روحية، ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك [ ص: 1504 ] رضي الله عنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=680774 " نسمة المؤمن طائر يعلق في شجرة الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم مبعثه " .
ولقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - مخاطبا صحابته من أهل بدر وأحد: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=674081لما أصيب إخوانكم يوم أحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر، ترد أنهار الجنة، تأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم وحسن مقيلهم، قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله بنا لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا في الحرب " .
وإن هذا الحديث وإن ذكر طعاما ماديا يتناوله الطير الخضر التي حلت فيها الأرواح هو يدل على أن الحياة روحية، إذ الأرواح ليست في أجسادها.
nindex.php?page=treesubj&link=25561_31706_32350_34513_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=169وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=170فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=171يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=172الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ مَا زَالَتِ النُّصُوصُ الْكَرِيمَةُ فِي ذِكْرِ أَعْقَابِ غَزْوَةِ أُحُدٍ الَّتِي كَانَتْ أَبْلَغَ دَرْسٍ إِسْلَامِيٍّ لِلْغُزَاةِ خَاصَّةً، وَلِلْمُؤْمِنِينَ عَامَّةً، وَقَدْ كَانَتِ الْمِسْبَارَ الَّذِي سُبِرَتْ بِهِ النُّفُوسُ، وَتَكَشَّفَتْ بِهِ قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ، وَأُظْهِرَتْ قُلُوبُ الْمُنَافِقِينَ، وَلَقَدْ كَانَتْ عِبَارَاتُهُمْ فِيهَا شَمَاتَةً بِأَهْلِ الْإِيمَانِ، وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَاتِ
nindex.php?page=treesubj&link=25561مَا نَالَهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ بِاسْتِشْهَادِهِمْ، وَمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ رَوْحٍ وَرَيْحَانٍ، وَمَا يَسْتَقْبِلُونَهُ مِنْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وَقَدْ بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ الْكَرِيمَةِ مَا أَعَدَّهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ
[ ص: 1501 ] الْمُجَاهِدِينَ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ، مَنْ أَجْرٍ لَا يَضِيعُ، وَعَمَلٍ صَالِحٍ يُرَى، وَقَوْلٍ طَيِّبٍ هُدُوا إِلَيْهِ يُسْمَعُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=169وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ
وَفِي هَذَا النَّصِّ الْكَرِيمِ رَدٌّ عَلَى شَمَاتَةِ الْمُنَافِقِينَ، وَتَحْرِيضٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَتَقْرِيرٌ لِحَقِيقَةٍ إِسْلَامِيَّةٍ ثَابِتَةٍ، وَهِيَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=25559_25561الِاسْتِشْهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ فَنَاءً، بَلْ هُوَ بَقَاءٌ، وَأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29661الْمَوْتَ لَيْسَ إِنْهَاءً لِلْحَيَاةِ، وَلَكِنَّهُ امْتِدَادٌ لَهَا بِصُورَةٍ أَكْمَلَ وَأَبْقَى، أَوْ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى هُوَ انْتِقَالٌ مِنْ دَوْرِ الْحَيَاةِ الْمَادِّيَّةِ إِلَى دَوْرِ الْحَيَاةِ الرُّوحِيَّةِ حَتَّى تَكُونَ الْقِيَامَةُ، وَتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنَّ شَرًّا فَشَرٌّ. نَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَبِيَّهُ الْأَمِينَ عَنْ أَنْ يَظُنَّ أَيَّ ظَنٍّ بِأَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى أَمْوَاتٌ بَلْ هُمْ أَحْيَاءٌ، وَالتَّأْكِيدُ هُنَا تَأْكِيدٌ لِلنَّهْيِ، أَيْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْهَى نَبِيَّهُ نَهْيًا مُؤَكَّدًا عَنْ أَنْ يَظُنَّ ذَلِكَ الظَّنَّ، فَـ " نُونُ التَّأْكِيدِ " لَيْسَتْ لِتَأْكِيدِ الظَّنِّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ، بَلْ هِيَ لِتَأْكِيدِ النَّهْيِ، كَمَا يُقَالُ: لَا تَفْعَلْنَ كَذَا، فَلَيْسَتِ النُّونُ لِتَأْكِيدِ الْفِعْلِ، بَلْ هِيَ لِتَأْكِيدِ النَّهْيِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ نَهْيَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهْيٌ لِغَيْرِهِ، وَغَيْرُهُ أَوْلَى بِهَذَا النَّهْيِ مِنْهُ وَأَجْدَرُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ مِنْهُمْ مَنْ ظَنُّوا بِاللَّهِ الظُّنُونَ، وَقَدْ أَصَابَتْهُمْ حَسْرَةٌ شَدِيدَةٌ، وَبَعْضُهُمْ أَصَابَتْهُمْ خَيْبَةُ آمَالٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ فِي أَلَمٍ شَدِيدٍ لِلَّذِينِ قُتِلُوا مِنْهُمْ، وَقَدْ وُجِّهَ النَّهْيُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْتِدَاءً لِيَكُونَ انْتِهَاءُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُسْوَةً حَسَنَةً لَهُمْ، وَالنَّبِيُّ أَقْرَبُ الْبَشَرِ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ، فَنَهْيُهُ فِيهِ تَأْكِيدُ النَّهْيِ لِغَيْرِهِ.
وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى هُمُ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الْحَقِّ وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ فِي مَيْدَانِ الْقِتَالِ، أَمْ كَانَ فِي مَيْدَانِ الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ،
nindex.php?page=treesubj&link=25561وَكُلُّ دَاعٍ لِلَّهِ إِذَا قُتِلَ فِي سَبِيلِهِ أَوْ مَاتَ فِي طَلَبِهِ فَهُوَ قَدْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=848092أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ " فَمَنْ قُتِلَ فِي هَذِهِ السَّبِيلِ فَقَدْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى.
[ ص: 1502 ] وَقَدْ يَقُولُ قَائِلٌ كُلُّ مَيِّتٍ فَهُوَ حَيٌّ بِرُوحِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ بَيَّنَ فِي مُحْكَمِ آيَاتِهِ أَنَّ الْمَوْتَ لَيْسَ فَنَاءً، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=185كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمُخَاطَبَتِهِ يَوْمَ بَدْرٍ قَتْلَى الْمُشْرِكِينَ أَنَّ أَرْوَاحَهُمْ تَسْمَعُ الْكَلَامَ ، فَلِمَاذَا إِذَنِ اخْتَصَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ؟.
وَالْجَوَابُ أَحَدُ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: (أَوَّلُهَا) أَنَّ هَذَا النَّصَّ الْكَرِيمَ رَدٌّ عَلَى شَمَاتَةِ الَّذِينَ شَمِتُوا مِنَ الْيَهُودِ، وَتَطْيِيبٌ لِقُلُوبِ الَّذِينَ فَقَدُوا أَحِبَّتَهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَتَشْجِيعٌ لِلَّذِينِ يَحْمِلُونَ السُّيُوفَ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ لِجَعْلِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى هِيَ الْعُلْيَا، وَكَلِمَةِ الشِّرْكِ هِيَ السُّفْلَى.
(ثَانِيهَا) أَنَّ النَّصَّ الْكَرِيمَ تَذْكِيرٌ بِحَقِيقَةٍ مُقَرَّرَةٍ ثَابِتَةٍ وَهِيَ أَنَّ الْمَوْتَ لَيْسَ فَنَاءً، فِي وَقْتٍ قَدْ غَامَتْ فِيهِ عَلَى النُّفُوسِ غَيْمَةٌ مِنَ الْأَلَمِ الْمَرِيرِ، وَقَدْ كَانَ أَقْرَبُ الْمُتَوَفِّينَ ذِكْرًا فِي هَذَا الْوَقْتِ هُمُ الشُّهَدَاءُ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى.
(ثَالِثُهَا) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ ذَكَرَ لِأُولَئِكَ الشُّهَدَاءِ حَيَاةً لَيْسَتْ كَحَيَاةِ غَيْرِهِمْ، بَلْ هِيَ حَيَاةٌ فِيهَا تَكْرِيمٌ وَاسْتِبْشَارٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ، وَنَعِيمٌ وَسَعَادَةٌ وَرِضًا بِمَا كَانَ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُمْ قَدْ نَالُوا جَزَاءً كَرِيمًا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِشْهَادِ، وَأَنَّ هَذِهِ الْحَيَاةَ السَّعِيدَةَ لَا يَصِحُّ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهَا اسْمُ الْمَوْتِ، وَإِنْ كَانَ يَصِحُّ إِطْلَاقُهَا عَلَى غَيْرِهِمْ.
وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الَّتِي يَنَالُونَهَا بَعْدَ الِاسْتِشْهَادِ وَمَا كَيَّفَهَا؟ وَإِنْ كُنَّا لَا نَشْعُرُ بِهَا وَلَا نَرَاهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=154وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ ؟ وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ: أَنَّهُ قَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي هَذَا الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى حَيَاةٍ كَرِيمَةٍ لِهَؤُلَاءِ الشُّهَدَاءِ، فَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٌ nindex.php?page=hadith&LINKID=660508عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=17073مَسْرُوقٍ : إِنَّا سَأَلْنَا nindex.php?page=showalam&ids=11عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=169وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَقَالَ: إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [ ص: 1503 ] فَقَالَ: " أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ، لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ، فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمُ اطِّلَاعَةً " ، فَقَالَ: " هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا؟ قَالُوا: أَيَّ شَيْءٍ نَشْتَهِي وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا، فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يَسْأَلُوا، قَالُوا: يَا رَبِّ، نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا حَتَّى نُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى، فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا " .
وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى حَيَاةٍ كَرِيمَةٍ، وَهِيَ حَيَاةٌ رُوحِيَّةٌ لَا جَسَدِيَّةٌ، وَأَقْصَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ التَّجْسِيدُ هُوَ أَنَّهَا تَكُونُ فِي طُيُورٍ خُضْرٍ، وَأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تُشِيرُ إِلَى الْجَزَاءِ الْأَوْفَى الَّذِي يَسْتَقْبِلُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الْآخِرَةِ، وَإِلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29662الْأَرْوَاحَ بَعْدَ الْمَوْتِ إِمَّا فِي شَقَاءٍ، وَإِمَّا فِي نَعِيمٍ، وَأَنَّ حَيَاةَ أُولَئِكَ الشُّهَدَاءِ الْأَطْهَارِ فِي أَحْسَنِ نَعِيمٍ، وَأَكْمَلِهِ، وَلِذَا قَالَ سُبْحَانَهُ: " عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ " .
فِي هَذَا النَّصِّ الْكَرِيمِ مَا يُثْبِتُ أَنَّ حَيَاتَهُمْ فِي هَذِهِ الْفَتْرَةِ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ الِاسْتِشْهَادِ وَالْحِسَابِ وَالثَّوَابِ حَيَاةٌ كَرِيمَةٌ سَعِيدَةٌ هَنِيئَةٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ التَّصْرِيحَ بِأَنَّهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمُ الَّذِي خَلَقَ الْكَوْنَ وَخَلَقَهُمْ، وَالَّذِي جَاهَدُوا فِي سَبِيلِهِ، وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا، وَإِذَا كَانُوا عِنْدَهُ فَهُمْ عِنْدَ مَنْ يُكْرِمُهُمْ وَمَنْ يُجَازِيهِمْ جَزَاءً عَاجِلًا، حَتَّى يَكُونَ الْجَزَاءُ الْأَوْفَى وَالنَّعِيمُ الْمُقِيمُ، عِنْدَمَا تَتَّصِلُ أَرْوَاحُهُمْ الطَّاهِرَةُ بِأَجْسَامِهِمُ الَّتِي يُعِيدُهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَيْهِمْ فِي سَعَادَةٍ وَحُبُورٍ.
وَالرِّزْقُ الَّذِي يَرْزُقُهُمُ اللَّهُ تَعَالَى رِزْقٌ مَعْنَوِيٌّ مِنْ سَعَادَةٍ وَهَنَاءَةٍ، وَطِيبِ مَثْوًى تَشْعُرُ بِهِ أَرْوَاحُهُمْ وَيَرَوْنَ مُقَدِّمَاتِ جَزَائِهِمْ، وَلَا نَقُولُ إِنَّهُ فِي هَذِهِ الْفَتْرَةِ مَادِّيٌّ؛ لِأَنَّ الْحَيَاةَ فِي هَذِهِ الْحَالِ حَيَاةُ أَرْوَاحٍ قَدِ انْفَصَلَتْ عَنْ أَجْسَادِهَا، وَالرِّزْقُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مَعْنَوِيًّا، وَإِنَّ هَذَا مَعْنًى تَقْرِيبِيٌّ؛ لِأَنَّ كُلَّ الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ الْوَارِدَةِ فِي هَذِهِ الْفَتْرَةِ تُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْحَيَاةَ رُوحِيَّةٌ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ [ ص: 1504 ] رَضِيَ اللَّهِ عَنْهُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=680774 " نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَائِرٌ يُعَلَّقُ فِي شَجَرَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يُرْجِعُهُ اللَّهُ إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ مَبْعَثِهِ " .
وَلَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُخَاطِبًا صَحَابَتَهُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَأُحُدٍ: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=674081لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانُكُمْ يَوْمَ أُحُدٍ جَعَلَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ، تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ، تَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا، وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ، فَلَمَّا وَجَدُوا طِيبَ مَأْكَلِهِمْ وَمَشْرَبِهِمْ وَحُسْنَ مَقِيلِهِمْ، قَالُوا: يَا لَيْتَ إِخْوَانَنَا يَعْلَمُونَ مَا صَنَعَ اللَّهُ بِنَا لِئَلَّا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَادِ، وَلَا يَنْكُلُوا فِي الْحَرْبِ " .
وَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَإِنْ ذَكَرَ طَعَامًا مَادِّيًّا يَتَنَاوَلُهُ الطَّيْرُ الْخُضْرُ الَّتِي حَلَّتْ فِيهَا الْأَرْوَاحُ هُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَيَاةَ رُوحِيَّةٌ، إِذِ الْأَرْوَاحُ لَيْسَتْ فِي أَجْسَادِهَا.