وليحكم أهل الإنجيل بما أنـزل الله فيه
* * *
في هذا النص الكريم قراءات نذكر منها قراءتين في قوله: "وليحكم": أولاهما: قراءة بكسر اللام وفتح الميم، وتكون اللام للتعليل، ويكون في مقام العطف على ما سبق، لأنه في معنى التعليل، ويكون المعنى على هذه القراءة: "وآتينا حمزة عيسى ابن مريم الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين. وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل فيه"، وأهل الإنجيل هم من عاصروا المسيح عليه السلام، ومن [ ص: 2221 ] جاءوا بعدهم حتى بعث محمد -صلى الله عليه وسلم-، إذ يجب العمل بشريعته حتى يجيء ما ينسخها، محمد عليه الصلاة والسلام صاروا أهل شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم-. فالعمل واجب بشريعة الإنجيل من أهل الإنجيل، فلما جاءت شريعة
والقراءة الثانية بسكون اللام، وسكون الميم على أن اللام للأمر، وسياق الكلام على هذا يوجب تقدير محذوف، وهو "قلنا" مثلا ليكون متقابلا مع أهل التوراة الذين قال تعالى فيهم: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس [المائدة].
فالمعنى: وقلنا ليحكم أهل الإنجيل. وعلى هذا التقدير يكون العمل بالإنجيل سابقا على نزول القرآن.
وإذا لم تقدر كلمة "قلنا"، فإن الكلام لا يدل على بقاء شريعة الإنجيل للنصارى؛ وذلك لأنه بعد بعث محمد -صلى الله عليه وسلم- صاروا هم أهل القرآن؛ لأنهم هم الذين يخاطبون برسالته، ومعهم غيرهم من الخليقة، فكل الذين يدركون نبيا هم أهل رسالته التي يخاطبون بها، لا فرق بين قريب دان، وبعيد قاص، وأيضا فإن محمد -صلى الله عليه وسلم- قد نسخت ما يخالفها مما سبقها، إذ شريعة القرآن هي المهيمنة على ما عداها، كما قال تعالى: شريعة