وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنـزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا
ما كان بالنسبة للحلال والأطعمة صورة مما هم عليه من الأوهام، وهي وإن لم تكن في ذاتها أمورا كبيرة تدل على عقل جامد لا ينفذ إليه الحق السائغ الذي تستقيم عنده العقول، وترتاح إليه، فإن صغائر الأمور تدل على النفوس التي تتردى في كبارها، وأولئك لجمود تفكيرهم وطمس بصائرهم إذا قيل لهم تعالوا؛ أي: تساموا واعلوا بتفكيرهم لتدركوا ما أنزل الله تعالى من قرآن يتلى، وما بين به النبي -صلى الله عليه وسلم- من نيرات واضحات، إذا قيل لهم أعرضوا بجانبهم، تولوا وقالوا: حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا، وتلك حجة كل ضال مقلد لمن سبقوه وترك كل هداية مرشدة، والامتناع عن الإصغاء إلى الحق.
ولم يذكر الفاعل في قوله تعالى: وإذا قيل لهم تعالوا وذلك لكثرة الدعاة وتكرار الدعوة، فالله يدعوهم إلى الحق، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يدعوهم، والمؤمنون بأقوالهم ولسان حالهم يدعونهم، والدعوة لهم مكررة ليست واحدة حتى يذكر قائلها، ويندد الله سبحانه وتعالى عليهم بقوله:
أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون والمعنى: أيقولون: حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا، ويقلدونهم، ويتبعونهم، ويغلقون باب الهداية عليهم ولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا من الدين، ولا من الحلال والحرام، ولا يهتدون إذا بين لهم الطريق، أي: ولو كانوا حائرين بائرين لا يدركون الحق في ذاته ولا يهتدون إليه إذا أرشدوا وبين لهم.
[ ص: 2378 ] ولقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- شديد الرغبة في هدايتهم، حتى خاطبه ربه بقوله: لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين
وكان كذلك المؤمنون، فبين الله أنهم غير مسؤولين عن إيمانهم بعد أن يرشدوهم، فقال تعالت كلماته: