[ ص: 368 ] الاختلاف بين أهل الكتاب
وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون
* * *
زعم اليهود أنه لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا ، وزعم النصارى أنه لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا ، وهم بذلك قد جمعهم الغرور ، والأماني الكاذبة ، لأن الاعتقادات الباطلة يجمع أهلها الأماني الكاذبة ، أو يستحسنون أعمالهم ويحسبون أنها الأمور الحسنة ، لتزين لهم أعمالهم ، ويحسبون أنهم يحسنون صنعا وأوهامهم تسيطر عليهم وتتردى بهم في مهاوي الضلال .
وفي هذه بين سبحانه وتعالى ما يفرقهم بعد أن أشار سبحانه وتعالى إلى ما يجمعهم . وما يفرقهم هو التناكر أو التكذيب والتضليل ، فاليهود يقولون : ليست النصارى على شيء والنصارى يقولون ليست اليهود على شيء ، ومعنى على شيء : على شيء من العلم ، ولا من الحق ، ولا من الهداية ، والتنكير لبيان عموم نفي الخير والأشياء الحسنة الطيبة التي ترفع صاحبها إلى مقام عال من الإنسانية الكاملة .
واختلفوا ذلك الاختلاف المفرق الذي يجعل كل فريق منهم في جانب مع أنهم علماء بالكتب السماوية ، ونزل عليهم في أصل نحلتهم رسول من الله تعالى رب العالمين ; ولذا قال تعالى موبخا مبينا سوء تفكيرهم : وهم يتلون الكتاب والمراد الكتاب أي يقرأونه ، ويعلمون ما فيه إن أرادوا ولم يحرفوه ، وفيه الميزان بين الحق والباطل ، وما فيه رضا الله ، وما فيه غضبه ، وفيه بيان ما يرفع ، وبيان ما [ ص: 369 ] يخفض ، ولكن أهواءهم هي التي تحكمهم ، والهوى يفرق ، والحق يجمع ، والحق يهدي ، والهوى يضل .
وإن هذا النوع من التفكير الخاضع للأهواء المردية الذي يسرف فيه صاحبه لا يفترق فيه من أوتي علم الكتاب عمن لم يؤت علما بكتاب ، ولذلك كان المشركون يقولون مثل قولهم ، لأن المنزع واحد ، وأهل كل ملة يقولون مثل قولهم إذا كان مصدر الحكم الهوى والشهوة ; لأن كل حزب بما لديهم فرحون ، ولذا قال تعالى : كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم أي قالوا ليس غيرهم على شيء من الحق والخير ، بل الحق عندهم دون غيرهم وزينت لهم أفعالهم ، فلم يروا غيرهم يستوجب الجنة فهي لهم وحدهم دون غيرهم .
ولعل عذرهم في عدم العلم ، أما الذين يتلون الكتاب من يهود ونصارى فما عذرهم ؟ !
وقد بين سبحانه وتعالى أنه هو الذي يفصل بينهم يوم القيامة ، فقال تعالت آياته : فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون أي ليست أمورهم سددا بددا لا حكم فيها يحكم ، ولا الأهواء هي التي تتحكم ، بل هناك الحاكم الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض والسماء ، وهناك يوم يكون فيه الميزان والحكم ; ولذا قال : فالله يحكم أي الذي يحكم ، هو الذي يعلم صغائر الأمور وكبيرها ، هو الذي يحكم وسيكون حكمه الفصل يوم القيامة يوم يقوم الناس لرب العالمين ، وموضوع حكمه تسامى في علمه وعدله وما كانوا فيه يختلفون أي الأمر الذي كانوا فيه يختلفون ويتجدد خلافهم آنا بعد آن . وهذا كقوله تعالى : إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد
وإن الله تعالى نهى نبيه الأمين - صلى الله عليه وسلم - عن أن يكون من الذين يفرقون دينهم شيعا ، ونهيه نهي لأمته ، فقال تعالى : إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون
[ ص: 370 ] ومع هذا الخبر الناهي الذي فيه العبرة وقع المسلمون في الاختلاف ولا حول ولا قوة إلا بالله .
* * *