قوله تعالى: قل إني على بينة من ربي أي: دلالة ويقين وحجة وبرهان، لا على هوى; ومنه البينة لأنها تبين الحق وتظهره. وكذبتم به أي: بالبينة لأنها في معنى البيان; كما قال: وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقيل: يعود على الرب، أي: كذبتم بربي لأنه جرى ذكره.
وقيل: بالعذاب. وقيل: بالقرآن. وفي معنى هذه الآية والتي قبلها ما أنشده مصعب بن عبد الله بن الزبير لنفسه، وكان شاعرا محسنا رضي الله عنه: [ ص: 2520 ]
أأقعد بعد ما رجفت عظامي وكان الموت أقرب ما يليني أجادل كل معترض خصيم
وأجعل دينه غرضا لديني فأترك ما علمت لرأي غيري
وليس الرأي كالعلم اليقين وما أنا والخصومة وهي شيء
يصرف في الشمال وفي اليمين وقد سنت لنا سنن قوام
يلحن بكل فج أو وجين وكان الحق ليس به خفاء
أغر كغرة القلق المبين وما عوض لنا منهاج جهم
بمنهاج ابن آمنة الأمين فأما ما علمت فقد كفاني
وأما ما جهلت فجنبوني
وقيل: الحكم الفاصل بين الحق والباطل لله. يقص الحق أي: يقص القصص الحق; وبه استدل من منع المجاز في القرآن، وهي قراءة نافع وابن كثير وعاصم ومجاهد والأعرج قال وابن عباس; قال الله عز وجل: ابن عباس: نحن نقص عليك أحسن القصص والباقون: (يقضي الحق) بالضاد المعجمة، وكذلك قرأ -رضي الله عنه- علي وأبو عبد الرحمن السلمي وهو مكتوب في المصحف بغير ياء، ولا ينبغي الوقف عليه، وهو من القضاء; ودل على ذلك أن بعده: وسعيد بن المسيب، وهو خير الفاصلين والفصل لا يكون إلا [ ص: 2521 ] قضاء دون قصص، ويقوي ذلك قوله قبله: إن الحكم إلا لله ويقوي ذلك أيضا قراءة (إن الحكم إلا لله يقضي الحق) فدخول الباء يؤكد معنى القضاء. ابن مسعود:
قال النحاس: هذا لا يلزم؛ لأن معنى "يقضي" يأتي ويصنع فالمعنى: يأتي الحق، ويجوز أن يكون المعنى: يقضي القضاء الحق. قال مكي: وقراءة الصاد أحب إلي; لاتفاق الحرميين على ذلك، ولأنه لو كان من القضاء للزمت الباء فيه كما أتت في قراءة وعاصم قال ابن مسعود، النحاس: وهذا الاحتجاج لا يلزم; لأن مثل هذه الباء تحذف كثيرا.
قوله تعالى: