وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء
الباعث لأهل التقوى على الجلوس والاستماع إلى الظالمين، وهم يخوضون في الآيات البينات الثابتة الدالة على صدق محمد -صلى الله عليه وسلم- منكرين، جاحدين مستهزئين، لاجين في عنادهم هو رغبتهم الملحفة في الهداية فأشارت الآية الكريمة أنه لا رجاء فيهم، ولا غضاضة على أهل التقوى في ذلك; لأنهم ما عليهم إلا التذكير، وما عليهم من تبعات أعمالهم شيء، إنما تبعات أعمالهم عليهم.
وهذا النص الكريم الذي نتكلم في معناه يبين أن فالمراد من حسابهم أي: أعمالهم المحسوبة عليهم، فهو من إطلاق المصدر على اسم المفعول باعتبار أن العمل هو السبب في الحساب، وهو من إطلاق اسم المسبب، وإرادة السبب، والمعنى: ما دمتم قد أديتم واجب الإرشاد والتذكير، فما عليكم من تبعة أعمالهم من شيء. ولقد قال في معنى: الذين يتقون الله تعالى حق تقاته، ويجعلون بينهم وبين غضبه سبحانه وتعالى وقاية ليس عليهم تبعة عن أعمال الذين يخوضون في آيات الله تعالى، ما عليك من حسابهم من شيء الأصفهاني ما نصه: وقوله تعالى: ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء
فنجد قوله تعالى: عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم أي: أن المعنى ما دام أهل التقوى قد أدوا، فلا حساب عليهم، ولا ينالهم أذى من حسابهم، وقوله: من شيء "من" هنا للدلالة على عموم النفي واستغراقه، أو تأكيد استغراقه، أي: ما عليكم أي قدر -ولو ضؤل- من تبعات أعمالهم ما دمتم قد ذكرتموهم العاقبة لما هم عليه، فالواجب عليكم التذكير؛ ولذا قال سبحانه: [ ص: 2548 ] ولكن ذكرى لعلهم يتقون
هذا النص الكريم يبين ما على النبي والمتقين من بعد إلا التذكير الثابت الدائم المستمر، وفي أوقات يرجى فيها الإنصات والالتفات، والعناية بما يلقى عليهم، وذلك التذكير لرجاء أن يكونوا في حال من يتوقع إيمانهم، والتذكير بذاته موجب للإيمان إذا زالت الموانع، وأشد الموانع أن يسبق الجحود، وأن تغلف القلوب، فالرجاء في قوله تعالى: لعلهم يتقون ليس من الله تعالى، ولكن لتصوير حالهم إذا استقامت قلوبهم، وخلصت من الشر والجحود نفوسهم، وهو أنه يرجى إيمانهم، ولكنهم أحلوا محل الرجاء الجحود، والإصرار على الكفر، والعناد.. وقانا الله شر ذلك، وجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.