وإنه كان من المشركين من يعتذرون عن عبادة الأوثان بأنه لم يجئ إليهم من يهديهم كاليهود والنصارى، فذكر الله سبحانه وتعالى أنه أنزل إليهم الكتاب المبارك لكي يقطع عذر جهلهم، فقال تعالى:
أن تقولوا إنما أنـزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين
المشركون كانوا يعتذرون عن وثنيتهم بكل تعلة سواء أكانت مقبولة أو مرذولة، فهم كانوا يرون اليهود والنصارى لا يعبدون الحجارة، وإن كان فيهم -خصوصا النصارى- من يقدسون بعض الأحجار كتمثال العذراء. فكانوا يعتذرون عن وثنيتهم بأنه لم يجئ كتاب يهديهم إلى الحق كهاتين الطائفتين.
وقوله تعالى: أن تقولوا إنما أنـزل الكتاب على طائفتين متصل بالآيات التي قبلها، فهي قطع الطريق عن تعلة متعللون، وهو أنهم لا كتاب يهديهم، فالمعنى وهذا كتاب مبارك خاطبناكم لئلا تقولوا معتذرين، أو فأنزلناه حجة عليكم، حتى لا تقولوا: إنما أنزل الكتاب على طائفتين.
[ ص: 2748 ] وقد اعتذروا باعتذارين!
أولهما: أنهم قالوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا، والطائفتان هما اليهود والنصارى، والكتاب المذكور هو فيما يظهر التوراة، فهي مصدر عند اليهود والنصارى، كما هو مقرر عند النصارى في هذا الزمان، وقد قرروا قصر هذه الكتب على هاتين الطائفتين، بكلمة: (إنما)، أي: الإنزال مقصور على هاتين الطائفتين، ولم ينزل علينا، وما كنا لنكلف بكتاب لم ينزل علينا إنما نزل على غيرنا.
ثانيهما: أننا كنا عن دراستهم غافلين غير مهتمين بدراسة ما عندهم، ولا ظالمين ولكن غافلين عنه، ولأننا لا نعرف لغة الكتاب، ولم يبلغ إلينا.
وقوله تعالى: وإن كنا عن دراستهم لغافلين (إن) هي المخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن، والمعنى: أنه الحال والشأن كنا عن دراستهم غافلين لا نعرفها، ولم ننبه إلى معرفتها.
وقد أكدوا غفلتهم عنها بعدة مؤكدات.
أولها: (إن) المخففة فهي للتأكيد. ثانيها: (كنا)، وهي تدل على استمرار غفلتهم، ثالثها: الجملة الاسمية فهي تؤكد ثبوت الغفلة، رابعها: (اللام).
وكان تسجيل الغفلة عليهم وتأكيدها لتأكيد عذرهم.
وقد بين الله تعالى أنه قطع عليهم عذرهم بإنزال القرآن الكريم فلا حجة لجهلهم من بعد بيانه، وإنه المبارك والنور، وفيه الهداية، وفيه الشريعة الكاملة.