[ ص: 466 ] أول الجهاد جهاد النفس
nindex.php?page=treesubj&link=19570_19573_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=153يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين nindex.php?page=treesubj&link=25561_30415_32416_34475_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=154ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون nindex.php?page=treesubj&link=19573_32495_34308_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=155ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين nindex.php?page=treesubj&link=24582_32495_33155_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=156الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون nindex.php?page=treesubj&link=19573_32495_34513_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=157أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون
* * *
اتجه المسلمون بأمر الله تعالى إلى
البيت الحرام الذي جعله الله تعالى مثابة للناس وأمنا ، وقد اتجهوا إليه في الصلاة إيذانا بإبعاده عن الشرك ، وأن تحيط به الأوثان ، وقد أشار سبحانه وتعالى بأنه سيكون الفتح ، وأنه سيكون في حوزة أهل التوحيد ، وأنه من بعد سيكون يأس الشيطان من أن يعبد في الأرض المباركة ، وقد كان
البيت الحرام في أيدي المشركين ولا يخرجون منه إلا بجهاد لإخراج أعداء الله من
بيت الله ، أو لجعل كلمة الله تعالى العليا في بيته ، وإنه بالتحقيق ثبت بالتقريب أن تحويل القبلة كان في الليلة الخامسة عشرة من شعبان ، وكان ابتداء يوم الفرقان لغزوة
بدر الكبرى في السابع عشر من رمضان ، فكان بين التحويل ويوم الفرقان شهر واحد .
ولذلك جاءت الدعوة إلى الجهاد ، عقب تحويل القبلة ،
nindex.php?page=treesubj&link=27390وأول الجهاد جهاد النفس ، فجهاد النفس قبل امتشاق الحسام في الميدان ، وجهاد النفس بتعويدها الصبر
[ ص: 467 ] وقمع الأهواء والشهوات والاتجاه إلى الله تعالى ; ولذا ابتدأ به فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=153يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة استعينوا في أموركم ، وفي استجابة أوامر ربكم والأخذ بأحكام دينكم وإعداد العدة للقاء عدوكم ، فمجاهدة النفس مقدمة على جهاد العدو ، بل هي عدته وقوته .
nindex.php?page=treesubj&link=19571والصبر ضبط النفس والاستيلاء عليها ،
nindex.php?page=treesubj&link=19590وهو يتنوع بتنوع موضوعه ، فهناك صبر على منازعة الأهواء والشهوات لتعميمها والاستيلاء عليها بجعل الشهوة أمة للعقل ليست مسيطرة عليه ، ولا مسيرة للنفس ، وهناك صبر لأداء الطاعات والقيام بالواجبات فإن ذلك يحتاج إلى عزم قوي لا يكل ولا يمل ، وهناك صبر على لغو القول من الناس ، واستهزاء السفهاء ، وتهكم ذوي الأهواء ، وهناك صبر بالإقامة مع الضعفاء وقد قال الله تعالى فيه :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=28واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه
وهناك صبر عند المصائب في الدنيا فلا يفزع ولا يجزع ويعلم أن الصبر فيه أجر وأن الجزع فيه وزر ، وهناك صبر عند لقاء الأعداء ولعله نتيجة لصفة الصبر وتشعبها في كل النواحي التي ذكرناها .
nindex.php?page=treesubj&link=19572والصبر خير كله ، وهو أول صفات المؤمنين ، ومن الصبر ألا يكفر عند النعمة وألا ييئس عند النقمة ، ولقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=9ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نـزعناها منه إنه ليئوس كفور nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=10ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=11إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير
ولقد قال - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بسنده عن
nindex.php?page=showalam&ids=52صهيب ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=662326عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له " فالصبر كله خير ، وهو عدة الإيمان والأخلاق ، وبناء المجتمع الصالح ، وهو أقوى عدة للجهاد .
[ ص: 468 ] هذا أمر الصبر والاستعانة به مناجاة العبد لربه ، وصرف القلب " إليه ، والاتجاه إليه ، وهي التي تملأ القلب بذكر الله تعالى فينسى ما بينه وبين الناس ، وهي استحضار العزة من الله ، وامتلاء الإنسان بجبروت الله ، وأنه فوق قوى البشر ، والاستعانة هي سلوك المؤمن ، روي "
nindex.php?page=hadith&LINKID=673047أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا حزبه أمر صلى " .
ولقد أمر الله تعالى نبيه بالصبر والصلاة إذا اشتدت عليه شديدة الناس بالقول والعمل ، فقال تعالت كلماته :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=130فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى فعبر عن الصلاة هنا بالتسبيح فسبيل الرضا بالنوازل والشدائد من الناس - كما تدل الآية - الصبر على ما يقولون ، والصلاة إذ هي اطمئنان القلوب ، وسرور النفوس وبها تستبدل النعمة بالنقمة ، والسراء بالضراء .
وختم الله تعالى الآية بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=153إن الله مع الصابرين بمعاونته لهم ، فينصرهم ، بسيطرتهم على نفوسهم ، ثم ينصرهم على أعدائهم ، ثم يغلبهم على كل شر في الحياة ، ثم تقوية عزمهم ، وضبطهم لنفوسهم ، فالله معهم في كل أعمالهم ، وهو وليهم ونعم المولى ونعم النصير .
هذا ما يعد الله به تعالى نفوس المجتهدين ، صبر وذكر لله تعالى ، وإنه من بعد ذلك يكون القتال ، ويكون الشهداء ، وفي ذلك إشارة إلى أنه ليس القتال شهوة ، ولا نزهة ، ولكنه فداء وبلاء ، واستشهاد ، وإن
nindex.php?page=treesubj&link=25561الشهداء لا يموتون ولكنهم أحياء عند ربهم يرزقون ، والحياة ليست للأشباح فقط ، بل هي للأرواح ، ولذا قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=154ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون النهي عن القول ، والقول دليل الاعتقاد فهو نهي عن الاعتقاد ، وقد صرح الله تعالى بالنهي عن الاعتقاد في آية أخرى في معنى هذه الآية الكريمة وفي موضوعها فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=169ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون وفي الآية التي نتكلم في معناها قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=154ولكن [ ص: 469 ] لا تشعرون أي ولكن لا تحسونهم بمرأى العين ، وذلك لا يقتضي أنهم ماتوا ، بل هم عند ربهم يرزقون ، ولقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=169ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=170فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=171يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين
وإن حياتهم روحية يستبشرون بها بأنهم فدوا إخوانهم ، وأنهم قدموا أنفسهم ، وآثروا إخوانهم ، ولقد صور النبي - صلى الله عليه وسلم - حياتهم فيما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : "
إن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش ، فاطلع عليهم ربك اطلاعة فقال : ماذا تبغون ؟ فقالوا : يا ربنا وأي شيء نبغي وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك ، ثم عاد عليهم بمثل هذا ، فلما رأوا أنهم لا يتركون من أن يسألوا قالوا : نريد أن تردنا إلى الدار الدنيا فنقاتل في سبيلك حتى نقتل مرة أخرى ، فيقول الرب جل جلاله : إني كتبت أنهم إليها لا يرجعون " .
هذا حديث مصور لحياتهم الروحية ، وأنهم في جنات النعيم ، وأنهم ما ندموا على أن قتلوا شهداء بل إنهم فرحون بذلك ، وأنهم يتمنون أن يعودوا ليقتلوا في سبيل الله تعالى ; لأنهم راضون بما فعلوا ، فهم يطلبون الشهادة بأرواحهم كما
[ ص: 470 ] طلبوها بأبدانهم ، وإن ذكر الشهداء بعد الأمر بالصبر والصلاة تأكيد لضرورة الصبر ، ولا يكون من غير صلاة . وإن الجهاد بلاء ، ولا بد أن يستعدوا له ، فهو اختبار ; ولذلك قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=155ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين إن هذا النص جاء توطئة للجهاد ، وليتحملوا كل ما فيه من شدائد ، وكله شدائد إلا على المؤمنين الصابرين ، وإنه يجب أن يتوقعوا ذلك ويتحملوه ، فإن الأمر المتوقع إذا وقع سهل حمله ، وإذا جاء على غير توقع صعب وقعه ، وهلعت النفوس ، وهذا النص كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=214أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ومثل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=142أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين
فهذه من أخوات هذه الآية التي نتكلم في معناها ، فهي بيان لما يتوقعه المجاهدون ، وخصوصا إن هذه الآية كما يبدو من سياقها مع الآيات كانت في السنة الثانية من الهجرة ، وقد فتح باب الجهاد الأكبر ويوم الفرقان قريب الوقوع وهو
بدر الكبرى الذي فرق بين عهد النصر المؤزر ، وعهد الاستضعاف .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=155ولنبلونكم البلاء الاختبار لا ليعلم الله تعالى ، بل ليظهر للناس ما أكنه الله تعالى في علمه المكنون ، ولقد أكد الله تعالى البلاء ليؤكد موضوعه بالقسم الذي دلت عليه لام القسم ، ونون التوكيد الثقيلة
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=155بشيء من الخوف قال بعض العلماء : التنكير فيه للتقليل ، وإني أرى أن المقام موجب أن يكون التنكير فيه للتكثير لكي يتحقق معنى الابتلاء فيقدمون على حرب لقوم شداد غلاظ من شأنهم أن يخوفوا ويفزعوا ، وقد قيل إن ذلك الخوف يتنافى مع الشجاعة التي عرف بها النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وصحبه الكرام أمثال
nindex.php?page=showalam&ids=135حمزة بن عبد المطلب أسد الله ،
nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي بن أبي طالب فارس الإسلام
nindex.php?page=showalam&ids=15والزبير وغيرهم من الصناديد الذين يتقدمون في الميدان لا يهابون إلا الله ، ونقول في ذلك إن الشجاعة لا تنافي الخوف ; لأن الخوف يحمل على تدبير الأمور ،
[ ص: 471 ] وبعد تدبيرها يفترق الشجاع عن الجبان ، فالجبان لا يقدم والشجاع مقدم مقدرا النواحي المخوفة ، والنواحي التي فيها جانب الله تعالى فيقدم على بينة ، وقد حقق الذين درسوا النفوس فقرروا أن الشجاعة لا تكون شجاعة إلا إذا أحس بخطورة الأمر وأقدم غير هياب ، وإن المؤمنين قد أصيبوا بما من شأنه أن يخيف ولكن لم يجبنوا عن اللقاء ، بل أقدموا عليه في غير تلكؤ ولا اضطراب .
هذا شأن الخوف ، ثم قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=155والجوع فقد أصيبوا بشيء غير قليل من الجوع ، وقد كانوا يربطون الأحجار على بطونهم .
كما كانوا يفعلون في حفر الخندق ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=155ونقص من الأموال فإنه في الحروب يتوقف اشتغال المؤمنين بالتجارة وغيرها ، فهل كان
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر التاجر تجري متاجره ، والحروب قائمة ; وهل كان
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان ذو النورين تستمر متاجره غادية رائحة والحرب قائمة بين الشرك وأهل التوحيد .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=155والأنفس فإن ملحمة الحرب يكون فيها الشهداء ، وقتل الأبطال .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=155والثمرات وقد أصيب
الأنصار في المعارك وقد خرجوا للجهاد فلم يسقوا زرعهم ولم يرعوا ثمرات نخيلهم فنقصت ثمارها .
ذكر الله تعالى ذلك الابتلاء قبل وقوعه ، وكانوا على مقربة منه ; لأن ذلك كان قبيل غزوة
بدر الكبرى ، فذكر الله تعالى ذلك ليتوقعوه قبل أن يقع فيعدوا له الأنفس بالصبر ، وضبط النفس ، والاستعانة بقوى النفس في الجهاد وتحمل الأذى من الحرب ، فقد كتب عليكم القتال ، وهو كره لكم ، ولكنه خير في نتيجته ما دام ردا للاعتداء ومنعا للفتنة وفتحا لطريق الدعوة .
ولذا قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=155وبشر الصابرين والبشارة هي النصر الكامل ، وذكر أن المبشرين هم الصابرون ، فالوصف علة للحكم فكانت البشارة بالنصر بسبب الصبر ; لأن الصبر عدة النصر ، كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه بطل الحرب الإسلامية : كنا ننصر بالصبر والتأييد .
وإن الصابرين هم الذين يضبطون أنفسهم فلا تنخلع قلوبهم بفزع ، ولا يصيبهم عندما يفاجئون بما لا يحبون ; ولذا عرفهم الله بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=156الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون [ ص: 472 ] الصبر يكون بمعنى ضبط النفس عن الأهواء والشهوات ، وعما يكون فيه معصية الله تعالى ، ويكون بعزمة المؤمن القوي في طاعة الله ، وبتحمل ما ينزل مما يفزع القلب ، واطمئنان من غير أنين ، ومن هذا النوع الصبر على ما يصيب من نوائب الدهر ومصائبه .
والمصائب جمع مصيبة ، وهي كل ما يصيب الإنسان بالأذى في نفسه من مرض ، أو ماله من خسارة فادحة ، أو فقد حبيب ، أو مفاجأة بما لا يسر بل يضر كهزيمة في حرب ، أو غدر غادر ، أو غير ذلك مما يكرث الإنسان من كوارث ، والصبر المحمود في هذه الأحوال وغيرها هو الصبر الجميل الذي يكون من غير أنين وشكوى كصبر
يعقوب عندما غاب ابنه
يوسف إذ قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=18فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون
وإنه مما يجعل الصبر جميلا لا أنين فيه ولا شكوى ، ولا تململ مما أنزل الله تعالى أن يفوض أمره إلى الله تعالى ، وأن يحيل المرجع والمآب إليه ، وأن يعتقد أن كل شيء من الله تعالى ، وأن إليه مرجع الأمور وعنده المستقر والمعاد ; ولذا قال تعالى في حال الصابرين وقولهم عندما تصيبهم المصيبة وتنزل بهم النازلة لا قبل لهم بها :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=156إنا لله وإنا إليه راجعون وإن هذه الجملة فيها من كمال التفويض والاعتزاز بجلال الله تعالى والاطمئنان إلى قدرته ما يعلو بالنفس على الأنين والشكوى لغير الله تعالى العلي القدير .
ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=156إنا لله أي أننا ملك له تعالى يتصرف فينا كيف يشاء ، وأمورنا بين يديه يصرفها كما يشاء ، وهو نعم المعتمد في كشف الضر وإزالة الكرب ، وإنه ملكنا بخلقه وتقديره وتصريفه فينا وله الأمر والتدبير ، وإليه مرجعنا فنحن راجعون إليه وحده ، ولذا قدم الجار والمجرور
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=156وإنا إليه راجعون فنحن هنا في الحياة مملوكون له ، ومن بعد ذلك نرجع إليه وعسى أن يكون ذلك خيرا لنا . روى
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بسنده عن
[ ص: 473 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=661678ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته " .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=156إنا لله وإنا إليه راجعون إقرار بالتوحيد واستشعار للعبودية ، وإيمان بالبعث والنشور ، وفي ذلك عزاء أي عزاء وسلوى عن البلاء ، ولقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بسنده عن
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=658533ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله عز وجل : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=156إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها ، إلا أخلف الله له خيرا منها " .
وإن
nindex.php?page=treesubj&link=19579_19585_19576الصالحين لا يفرون من المصائب تنزل بهم ، ولا يرونها من جانبها الشديد ، بل يرونها من جانبها الصالح المفيد ، فهي تربي في المؤمن الإحساس بالربوبية والضعف أمام القدرة الإلهية والإخلاص لله تعالى ، فالإخلاص حيث الضعف أمام الله ، وأنه لا كاشف للضر سواه ، وإن ذلك يجعله يرجع إلى الله تعالى ويكون ممن أناب إليه سبحانه كما قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=32وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين وحيث يحس بشدة المصيبة يتضرع إليه ، فيدعو إليه متضرعا ليكشف عنه الضر . وإن المصائب تجعل النفوس بعيدة عن الاستكبار فتطمئن إلى الضعفاء ، ويتربى فيها الحلم ، والعفو وكثرة الثواب بكثرة الصبر ،
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=10إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب وإن الصالحين لهذه المصائب وثمراتها من طهارة القلب وتنزيه النفس يفرحون ولا يكربون ، وإن كانت تجعل غيرهم في كرب ، وإنه إذا فرح شكره وإنها تمحص القلوب وتطهرها من الغطرسة والعتو .
[ ص: 474 ] وإن الصالحين بتفويضهم أمورهم لله تعالى ، وثقتهم بالله تعالى يعلمون أن وراء ما نزل من مصيبة ضرا لهم ولخيرهم
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=19فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا النساء ، وإن المصائب تفطم النفس عن الأشر ، وتبعد عن الترف ، ووراء الترف الظلم فيكون الاستماع للبشير النذير قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=34وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون
وإن الرضا بقدر الله تعالى فيما ينزل من نوازل يجعل النفس في اطمئنان من الجزع والهلع ، وبعد عن السخط والغضب .
وأخيرا إن
nindex.php?page=treesubj&link=19576_19572المصائب تصقل النفوس ، وتربي فيها قوة الاحتمال إن صبرت وفوضت ، ورجت الثواب والفرج من الله تعالى ، وفيها يكثر الدعاء لله تعالى ،
nindex.php?page=treesubj&link=19738والدعاء مخ العبادة ، ولقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60ادعوني أستجب لكم وكان بعض الصالحين إذا ألم به مرض أو وصب دعا ربه أن يجعله يحس بنعمة المرض والسقم ، إذ إنه يقربه من ربه فلا يطغى ولا يستغني بنفسه عن ربه .
ولقد قال تعالى في جزاء الصابرين عند النازلة التي تكرثهم ، والرضا بما يأتي به الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=157أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون
الإشارة هنا إلى الصابرين الذين يتحملون الخوف مهما يكن مقداره ، ونقص الأموال والأنفس والثمرات في سبيل الله تعالى ، وإذا نزلت بهم نازلة أصابت نفوسهم من فقد حبيب أو حرمان من مطلب من مطالب الدنيا . هؤلاء الذين تلك أحوالهم ، هم من الصديقين والشهداء
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=157عليهم صلوات من ربهم ورحمة الصلوات جمع صلاة ، وجمعها الله تعالى لكثرتها ، وتنوع آحادها ،
nindex.php?page=treesubj&link=843والصلاة معناها الدعاء ولكنها من الله تعالى استجابة الدعاء ، وذلك بالعفو والمغفرة ، وعفو الله ومغفرته دليل رضوانه ، ورضوان الله تعالى أكبر الجزاء ، كما قال تعالى في
[ ص: 475 ] ختام جزاء الآخرة :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=72ورضوان من الله أكبر وإن الله تعالى لم يمن على عباده الصابرين بالمغفرة والرضوان فقط ، وحسبهما جزاء للصبر ولكن من بالرحمة ، رحمة الله تعالى التي وسعت كل شيء ، فرحمهم في الدنيا بالهداية والتوفيق لفعل الخير ، ورحمهم في الآخرة بالنعيم المقيم .
وقد وصفهم سبحانه بأنهم المهتدون ، فقال تعالت كلماته :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=157وأولئك هم المهتدون أي المتصفون بالصبر على الشدائد من الخوف ونقص في الأموال والأنفس والثمرات ، هم الذين كتب الله تعالى لهم الهداية ، وفي النص السامي
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=157وأولئك هم المهتدون إشارة إلى قصر الهداية عليهم وأنهم المهتدون حقا ، وذلك بتعريف المسند والمسند إليه وبالضمير " هم " وذلك أشرف بيان أنهم المختصون وحدهم بالهداية الكاملة وهبنا الله تعالى عفوه ومغفرته ورحمته وهدايته .
* * *
[ ص: 466 ] أَوَّلُ الْجِهَادِ جِهَادُ النَّفْسِ
nindex.php?page=treesubj&link=19570_19573_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=153يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ nindex.php?page=treesubj&link=25561_30415_32416_34475_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=154وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ nindex.php?page=treesubj&link=19573_32495_34308_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=155وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ nindex.php?page=treesubj&link=24582_32495_33155_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=156الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ nindex.php?page=treesubj&link=19573_32495_34513_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=157أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ
* * *
اتَّجَهَ الْمُسْلِمُونَ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى
الْبَيْتِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا ، وَقَدِ اتَّجَهُوا إِلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ إِيذَانًا بِإِبْعَادِهِ عَنِ الشِّرْكِ ، وَأَنْ تُحِيطَ بِهِ الْأَوْثَانُ ، وَقَدْ أَشَارَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِأَنَّهُ سَيَكُونُ الْفَتْحُ ، وَأَنَّهُ سَيَكُونُ فِي حَوْزَةِ أَهْلِ التَّوْحِيدِ ، وَأَنَّهُ مِنْ بَعْدُ سَيَكُونُ يَأْسُ الشَّيْطَانِ مِنْ أَنْ يُعْبَدَ فِي الْأَرْضِ الْمُبَارَكَةِ ، وَقَدْ كَانَ
الْبَيْتُ الْحَرَامُ فِي أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ وَلَا يَخْرُجُونَ مِنْهُ إِلَّا بِجِهَادٍ لِإِخْرَاجِ أَعْدَاءِ اللَّهِ مِنْ
بَيْتِ اللَّهِ ، أَوْ لِجَعْلِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى الْعُلْيَا فِي بَيْتِهِ ، وَإِنَّهُ بِالتَّحْقِيقِ ثَبَتَ بِالتَّقْرِيبِ أَنَّ تَحْوِيلَ الْقِبْلَةِ كَانَ فِي اللَّيْلَةِ الْخَامِسَةِ عَشْرَةَ مِنْ شَعْبَانَ ، وَكَانَ ابْتِدَاءُ يَوْمِ الْفُرْقَانِ لِغَزْوَةِ
بَدْرٍ الْكُبْرَى فِي السَّابِعِ عَشَرَ مِنْ رَمَضَانَ ، فَكَانَ بَيْنَ التَّحْوِيلِ وَيَوْمِ الْفُرْقَانِ شَهْرٌ وَاحِدٌ .
وَلِذَلِكَ جَاءَتِ الدَّعْوَةُ إِلَى الْجِهَادِ ، عَقِبَ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=27390وَأَوَّلُ الْجِهَادِ جِهَادُ النَّفْسِ ، فَجِهَادُ النَّفْسِ قَبْلَ امْتِشَاقِ الْحُسَامِ فِي الْمَيْدَانِ ، وَجِهَادُ النَّفْسِ بِتَعْوِيدِهَا الصَّبْرَ
[ ص: 467 ] وَقِمْعِ الْأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ وَالِاتِّجَاهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ; وَلِذَا ابْتَدَأَ بِهِ فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=153يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ اسْتَعِينُوا فِي أُمُورِكُمْ ، وَفِي اسْتِجَابَةِ أَوَامِرِ رَبِّكُمْ وَالْأَخْذِ بِأَحْكَامِ دِينِكُمْ وَإِعْدَادِ الْعُدَّةِ لِلِقَاءِ عَدُوِّكُمْ ، فَمُجَاهِدَةُ النَّفْسِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى جِهَادِ الْعَدُوِّ ، بَلْ هِيَ عُدَّتُهُ وَقُوَّتُهُ .
nindex.php?page=treesubj&link=19571وَالصَّبْرُ ضَبْطُ النَّفْسِ وَالِاسْتِيلَاءُ عَلَيْهَا ،
nindex.php?page=treesubj&link=19590وَهُوَ يَتَنَوَّعُ بِتَنَوُّعِ مَوْضُوعِهِ ، فَهُنَاكَ صَبْرٌ عَلَى مُنَازَعَةِ الْأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ لِتَعْمِيمِهَا وَالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا بِجَعْلِ الشَّهْوَةِ أَمَةً لِلْعَقْلِ لَيْسَتْ مُسَيْطِرَةً عَلَيْهِ ، وَلَا مَسِيرَةً لِلنَّفْسِ ، وَهُنَاكَ صَبْرٌ لِأَدَاءِ الطَّاعَاتِ وَالْقِيَامِ بِالْوَاجِبَاتِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إِلَى عَزْمٍ قَوِيٍّ لَا يَكِلُّ وَلَا يَمَلُّ ، وَهُنَاكَ صَبْرٌ عَلَى لَغْوِ الْقَوْلِ مِنَ النَّاسِ ، وَاسْتِهْزَاءِ السُّفَهَاءِ ، وَتَهَكُّمِ ذَوِي الْأَهْوَاءِ ، وَهُنَاكَ صَبْرٌ بِالْإِقَامَةِ مَعَ الضُّعَفَاءِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=28وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ
وَهُنَاكَ صَبْرٌ عِنْدَ الْمَصَائِبِ فِي الدُّنْيَا فَلَا يَفْزَعُ وَلَا يَجْزَعُ وَيَعْلَمُ أَنَّ الصَّبْرَ فِيهِ أَجْرٌ وَأَنَّ الْجَزَعَ فِيهِ وَزِرٌ ، وَهُنَاكَ صَبْرٌ عِنْدَ لِقَاءِ الْأَعْدَاءِ وَلَعَلَّهُ نَتِيجَةٌ لِصِفَةِ الصَّبْرِ وَتَشَعُّبِهَا فِي كُلِّ النَّوَاحِي الَّتِي ذَكَرْنَاهَا .
nindex.php?page=treesubj&link=19572وَالصَّبْرُ خَيْرٌ كُلُّهُ ، وَهُوَ أَوَّلُ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَمِنَ الصَّبْرِ أَلَّا يَكْفُرَ عِنْدَ النِّعْمَةِ وَأَلَّا يَيْئَسَ عِنْدَ النِّقْمَةِ ، وَلَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=9وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَـزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=10وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=11إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ
وَلَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٌ بِسَنَدِهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=52صُهَيْبٍ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=662326عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمَرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ " فَالصَّبْرُ كُلُّهُ خَيْرٌ ، وَهُوَ عُدَّةُ الْإِيمَانِ وَالْأَخْلَاقِ ، وَبِنَاءُ الْمُجْتَمَعِ الصَّالِحِ ، وَهُوَ أَقْوَى عُدَّةٍ لِلْجِهَادِ .
[ ص: 468 ] هَذَا أَمْرُ الصَّبْرِ وَالِاسْتِعَانَةُ بِهِ مُنَاجَاةُ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ ، وَصَرْفُ الْقَلْبِ " إِلَيْهِ ، وَالِاتِّجَاهُ إِلَيْهِ ، وَهِيَ الَّتِي تَمْلَأُ الْقَلْبَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَنْسَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ ، وَهِيَ اسْتِحْضَارُ الْعِزَّةِ مِنَ اللَّهِ ، وَامْتِلَاءُ الْإِنْسَانِ بِجَبَرُوتِ اللَّهِ ، وَأَنَّهُ فَوْقَ قُوَى الْبَشَرِ ، وَالِاسْتِعَانَةُ هِيَ سُلُوكُ الْمُؤْمِنِ ، رُوِيَ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=673047أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى " .
وَلَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِذَا اشْتَدَّتْ عَلَيْهِ شَدِيدَةُ النَّاسِ بِالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ ، فَقَالَ تَعَالَتْ كَلِمَاتُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=130فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى فَعَبَّرَ عَنِ الصَّلَاةِ هُنَا بِالتَّسْبِيحِ فَسَبِيلُ الرِّضَا بِالنَّوَازِلِ وَالشَّدَائِدِ مِنَ النَّاسِ - كَمَا تَدُلُّ الْآيَةُ - الصَّبْرُ عَلَى مَا يَقُولُونَ ، وَالصَّلَاةُ إِذْ هِيَ اطْمِئْنَانُ الْقُلُوبِ ، وَسُرُورُ النُّفُوسِ وَبِهَا تُسْتَبْدَلُ النِّعْمَةُ بِالنِّقْمَةِ ، وَالسَّرَّاءُ بِالضَّرَّاءِ .
وَخَتَمَ اللَّهُ تَعَالَى الْآيَةَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=153إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ بِمُعَاوَنَتِهِ لَهُمْ ، فَيَنْصُرُهُمْ ، بِسَيْطَرَتِهِمْ عَلَى نُفُوسِهِمْ ، ثُمَّ يَنْصُرُهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ ، ثُمَّ يَغْلِبُهُمْ عَلَى كُلِّ شَرٍّ فِي الْحَيَاةِ ، ثُمَّ تَقْوِيَةُ عَزْمِهِمْ ، وَضَبْطُهُمْ لِنُفُوسِهِمْ ، فَاللَّهُ مَعَهُمْ فِي كُلِّ أَعْمَالِهِمْ ، وَهُوَ وَلِيُّهُمْ وَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ .
هَذَا مَا يُعِدُّ اللَّهُ بِهِ تَعَالَى نُفُوسَ الْمُجْتَهِدِينَ ، صَبْرٌ وَذِكْرٌ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَإِنَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ يَكُونُ الْقِتَالُ ، وَيَكُونُ الشُّهَدَاءُ ، وَفِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْقِتَالُ شَهْوَةً ، وَلَا نُزْهَةً ، وَلَكِنَّهُ فِدَاءٌ وَبَلَاءٌ ، وَاسْتِشْهَادٌ ، وَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=25561الشُّهَدَاءَ لَا يَمُوتُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ، وَالْحَيَاةُ لَيْسَتْ لِلْأَشْبَاحِ فَقَطْ ، بَلْ هِيَ لِلْأَرْوَاحِ ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=154وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ النَّهْيُ عَنِ الْقَوْلِ ، وَالْقَوْلُ دَلِيلُ الِاعْتِقَادِ فَهُوَ نَهْيٌ عَنِ الِاعْتِقَادِ ، وَقَدْ صَرَّحَ اللَّهُ تَعَالَى بِالنَّهْيِ عَنِ الِاعْتِقَادِ فِي آيَةٍ أُخْرَى فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَفِي مَوْضُوعِهَا فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=169وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ وَفِي الْآيَةِ الَّتِي نَتَكَلَّمُ فِي مَعْنَاهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=154وَلَكِنْ [ ص: 469 ] لا تَشْعُرُونَ أَيْ وَلَكِنْ لَا تُحِسُّونَهُمْ بِمَرْأَى الْعَيْنِ ، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ مَاتُوا ، بَلْ هُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ، وَلَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=169وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=170فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=171يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ
وَإِنَّ حَيَاتَهُمْ رُوحِيَّةٌ يَسْتَبْشِرُونَ بِهَا بِأَنَّهُمْ فَدَوْا إِخْوَانَهُمْ ، وَأَنَّهُمْ قَدَّمُوا أَنْفُسَهُمْ ، وَآثَرُوا إِخْوَانَهُمْ ، وَلَقَدْ صَوَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيَاتَهُمْ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ : "
إِنَّ أَرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ فِي حَوَاصِلِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ ثُمَّ تَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مُعَلَّقَةٍ تَحْتَ الْعَرْشِ ، فَاطَّلَعَ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ اطِّلَاعَةً فَقَالَ : مَاذَا تَبْغُونَ ؟ فَقَالُوا : يَا رَبَّنَا وَأَيُّ شَيْءٍ نَبْغِي وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ ، ثُمَّ عَادَ عَلَيْهِمْ بِمِثْلِ هَذَا ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَا يُتْرَكُونَ مِنْ أَنْ يَسْأَلُوا قَالُوا : نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّنَا إِلَى الدَّارِ الدُّنْيَا فَنُقَاتِلَ فِي سَبِيلِكَ حَتَّى نَقْتُلَ مَرَّةً أُخْرَى ، فَيَقُولُ الرَّبُّ جَلَّ جَلَالُهُ : إِنِّي كَتَبْتُ أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يَرْجِعُونَ " .
هَذَا حَدِيثٌ مُصَوِّرٌ لِحَيَاتِهِمُ الرُّوحِيَّةِ ، وَأَنَّهُمْ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ، وَأَنَّهُمْ مَا نَدِمُوا عَلَى أَنْ قُتِلُوا شُهَدَاءَ بَلْ إِنَّهُمْ فَرِحُونَ بِذَلِكَ ، وَأَنَّهُمْ يَتَمَنَّوْنَ أَنْ يَعُودُوا لِيُقْتَلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى ; لِأَنَّهُمْ رَاضُونَ بِمَا فَعَلُوا ، فَهُمْ يَطْلُبُونَ الشَّهَادَةَ بِأَرْوَاحِهِمْ كَمَا
[ ص: 470 ] طَلَبُوهَا بِأَبْدَانِهِمْ ، وَإِنَّ ذِكْرَ الشُّهَدَاءِ بَعْدَ الْأَمْرِ بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ تَأْكِيدٌ لِضَرُورَةِ الصَّبْرِ ، وَلَا يَكُونُ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ . وَإِنَّ الْجِهَادَ بَلَاءٌ ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَسْتَعِدُّوا لَهُ ، فَهُوَ اخْتِبَارٌ ; وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=155وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ إِنَّ هَذَا النَّصَّ جَاءَ تَوْطِئَةً لِلْجِهَادِ ، وَلِيَتَحَمَّلُوا كُلَّ مَا فِيهِ مِنْ شَدَائِدَ ، وَكُلُّهُ شَدَائِدُ إِلَّا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الصَّابِرِينَ ، وَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَتَوَقَّعُوا ذَلِكَ وَيَتَحَمَّلُوهُ ، فَإِنَّ الْأَمْرَ الْمُتَوَقَّعَ إِذَا وَقَعَ سَهُلَ حَمْلُهُ ، وَإِذَا جَاءَ عَلَى غَيْرِ تَوَقُّعٍ صَعُبَ وَقْعُهُ ، وَهَلِعَتِ النُّفُوسُ ، وَهَذَا النَّصُّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=214أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ وَمِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=142أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ
فَهَذِهِ مِنْ أَخَوَاتِ هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي نَتَكَلَّمُ فِي مَعْنَاهَا ، فَهِيَ بَيَانٌ لِمَا يَتَوَقَّعُهُ الْمُجَاهِدُونَ ، وَخُصُوصًا إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ كَمَا يَبْدُو مِنْ سِيَاقِهَا مَعَ الْآيَاتِ كَانَتْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ ، وَقَدْ فُتِحَ بَابُ الْجِهَادِ الْأَكْبَرِ وَيَوْمُ الْفُرْقَانِ قَرِيبُ الْوُقُوعِ وَهُوَ
بَدْرٌ الْكُبْرَى الَّذِي فَرَقَ بَيْنَ عَهْدِ النَّصْرِ الْمُؤَزَّرِ ، وَعَهْدِ الِاسْتِضْعَافِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=155وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ الْبَلَاءُ الِاخْتِبَارُ لَا لِيَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى ، بَلْ لِيَظْهَرَ لِلنَّاسِ مَا أَكَنَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي عِلْمِهِ الْمَكْنُونِ ، وَلَقَدْ أَكَّدَ اللَّهُ تَعَالَى الْبَلَاءَ لِيُؤَكِّدَ مَوْضُوعَهُ بِالْقَسَمِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ لَامُ الْقَسَمِ ، وَنُونُ التَّوْكِيدِ الثَّقِيلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=155بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : التَّنْكِيرُ فِيهِ لِلتَّقْلِيلِ ، وَإِنِّي أَرَى أَنَّ الْمَقَامَ مُوجِبٌ أَنْ يَكُونَ التَّنْكِيرُ فِيهِ لِلتَّكْثِيرِ لِكَيْ يَتَحَقَّقَ مَعْنَى الِابْتِلَاءِ فَيُقْدِمُونَ عَلَى حَرْبٍ لِقَوْمٍ شِدَادٍ غِلَاظٍ مِنْ شَأْنِهِمْ أَنْ يُخَوِّفُوا وَيُفَزِّعُوا ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّ ذَلِكَ الْخَوْفَ يَتَنَافَى مَعَ الشَّجَاعَةِ الَّتِي عُرِفَ بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَصَحْبُهُ الْكِرَامُ أَمْثَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=135حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَسَدِ اللَّهِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=8وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَارِسِ الْإِسْلَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=15وَالزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّنَادِيدِ الَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ فِي الْمَيْدَانِ لَا يَهَابُونَ إِلَّا اللَّهَ ، وَنَقُولُ فِي ذَلِكَ إِنَّ الشَّجَاعَةَ لَا تُنَافِي الْخَوْفَ ; لِأَنَّ الْخَوْفَ يَحْمِلُ عَلَى تَدْبِيرِ الْأُمُورِ ،
[ ص: 471 ] وَبَعْدَ تَدْبِيرِهَا يَفْتَرِقُ الشُّجَاعُ عَنِ الْجَبَانِ ، فَالْجَبَانُ لَا يُقْدِمُ وَالشُّجَاعُ مُقْدِمٌ مُقَدِّرًا النَّوَاحِيَ الْمُخَوِّفَةَ ، وَالنَّوَاحِيَ الَّتِي فِيهَا جَانِبُ اللَّهِ تَعَالَى فَيُقْدِمُ عَلَى بَيِّنَةٍ ، وَقَدْ حَقَّقَ الَّذِينَ دَرَسُوا النُّفُوسَ فَقَرَّرُوا أَنَّ الشَّجَاعَةَ لَا تَكُونُ شَجَاعَةً إِلَّا إِذَا أَحَسَّ بِخُطُورَةِ الْأَمْرِ وَأَقْدَمَ غَيْرَ هَيَّابٍ ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ أُصِيبُوا بِمَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُخِيفَ وَلَكِنْ لَمْ يَجْبُنُوا عَنِ اللِّقَاءِ ، بَلْ أَقْدَمُوا عَلَيْهِ فِي غَيْرِ تَلَكُّؤٍ وَلَا اضْطِرَابٍ .
هَذَا شَأْنُ الْخَوْفِ ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=155وَالْجُوعِ فَقَدْ أُصِيبُوا بِشَيْءٍ غَيْرِ قَلِيلٍ مِنَ الْجُوعِ ، وَقَدْ كَانُوا يَرْبُطُونَ الْأَحْجَارَ عَلَى بُطُونِهِمْ .
كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=155وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ فَإِنَّهُ فِي الْحُرُوبِ يَتَوَقَّفُ اشْتِغَالُ الْمُؤْمِنِينَ بِالتِّجَارَةِ وَغَيْرِهَا ، فَهَلْ كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ التَّاجِرُ تَجْرِي مَتَاجِرُهُ ، وَالْحُرُوبُ قَائِمَةٌ ; وَهَلْ كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانُ ذُو النُّورَيْنِ تَسْتَمِرُّ مَتَاجِرُهُ غَادِيَةً رَائِحَةً وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ بَيْنَ الشِّرْكِ وَأَهْلِ التَّوْحِيدِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=155وَالأَنْفُسِ فَإِنَّ مَلْحَمَةَ الْحَرْبِ يَكُونُ فِيهَا الشُّهَدَاءُ ، وَقَتْلُ الْأَبْطَالِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=155وَالثَّمَرَاتِ وَقَدْ أُصِيبَ
الْأَنْصَارُ فِي الْمَعَارِكِ وَقَدْ خَرَجُوا لِلْجِهَادِ فَلَمْ يَسْقُوا زَرْعَهُمْ وَلَمْ يَرْعَوْا ثَمَرَاتِ نَخِيلِهِمْ فَنَقَصَتْ ثِمَارُهَا .
ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ الِابْتِلَاءَ قَبْلَ وُقُوعِهِ ، وَكَانُوا عَلَى مَقْرُبَةٍ مِنْهُ ; لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قُبَيْلَ غَزْوَةِ
بَدْرٍ الْكُبْرَى ، فَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ لِيَتَوَقَّعُوهُ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ فَيُعِدُّوا لَهُ الْأَنْفُسَ بِالصَّبْرِ ، وَضَبْطِ النَّفْسِ ، وَالِاسْتِعَانَةِ بِقُوَى النَّفْسِ فِي الْجِهَادِ وَتَحَمُّلِ الْأَذَى مِنَ الْحَرْبِ ، فَقَدْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ ، وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ، وَلَكِنَّهُ خَيْرٌ فِي نَتِيجَتِهِ مَا دَامَ رَدًّا لِلِاعْتِدَاءِ وَمَنْعًا لِلْفِتْنَةِ وَفَتْحًا لِطَرِيقِ الدَّعْوَةِ .
وَلِذَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=155وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ وَالْبِشَارَةُ هِيَ النَّصْرُ الْكَامِلُ ، وَذَكَرَ أَنَّ الْمُبَشَّرِينَ هُمُ الصَّابِرُونَ ، فَالْوَصْفُ عِلَّةٌ لِلْحُكْمِ فَكَانَتِ الْبِشَارَةُ بِالنَّصْرِ بِسَبَبِ الصَّبْرِ ; لِأَنَّ الصَّبْرَ عُدَّةُ النَّصْرِ ، كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَطَلُ الْحَرْبِ الْإِسْلَامِيَّةِ : كُنَّا نُنْصَرُ بِالصَّبْرِ وَالتَّأْيِيدِ .
وَإِنَّ الصَّابِرِينَ هُمُ الَّذِينَ يَضْبُطُونَ أَنْفُسَهُمْ فَلَا تَنْخَلِعُ قُلُوبُهُمْ بِفَزَعٍ ، وَلَا يُصِيبُهُمْ عِنْدَمَا يُفَاجَئُونَ بِمَا لَا يُحِبُّونَ ; وَلِذَا عَرَّفَهُمُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=156الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [ ص: 472 ] الصَّبْرُ يَكُونُ بِمَعْنَى ضَبْطِ النَّفْسِ عَنِ الْأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ ، وَعَمَّا يَكُونُ فِيهِ مَعْصِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى ، وَيَكُونُ بِعَزْمَةِ الْمُؤْمِنِ الْقَوِيِّ فِي طَاعَةِ اللَّهِ ، وَبِتَحَمُّلِ مَا يَنْزِلُ مِمَّا يُفْزِعُ الْقَلْبَ ، وَاطْمِئْنَانٌ مِنْ غَيْرِ أَنِينٍ ، وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ الصَّبْرُ عَلَى مَا يُصِيبُ مِنْ نَوَائِبِ الدَّهْرِ وَمَصَائِبِهِ .
وَالْمَصَائِبُ جَمْعُ مُصِيبَةٍ ، وَهِيَ كُلُّ مَا يُصِيبُ الْإِنْسَانَ بِالْأَذَى فِي نَفْسِهِ مِنْ مَرَضٍ ، أَوْ مَالِهِ مِنْ خَسَارَةٍ فَادِحَةٍ ، أَوْ فَقْدِ حَبِيبٍ ، أَوْ مُفَاجَأَةٍ بِمَا لَا يَسُرُّ بَلْ يَضُرُّ كَهَزِيمَةٍ فِي حَرْبٍ ، أَوْ غَدْرِ غَادِرٍ ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرُثُ الْإِنْسَانَ مِنْ كَوَارِثَ ، وَالصَّبْرُ الْمَحْمُودُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَغَيْرِهَا هُوَ الصَّبْرُ الْجَمِيلُ الَّذِي يَكُونُ مِنْ غَيْرِ أَنِينٍ وَشَكْوَى كَصَبْرِ
يَعْقُوبَ عِنْدَمَا غَابَ ابْنُهُ
يُوسُفُ إِذْ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=18فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ
وَإِنَّهُ مِمَّا يَجْعَلُ الصَّبْرَ جَمِيلًا لَا أَنِينَ فِيهِ وَلَا شَكْوَى ، وَلَا تَمَلْمُلَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُفَوِّضَ أَمْرَهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَأَنْ يُحِيلَ الْمَرْجِعَ وَالْمَآبَ إِلَيْهِ ، وَأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَأَنَّ إِلَيْهِ مَرْجِعَ الْأُمُورِ وَعِنْدَهُ الْمُسْتَقَرُّ وَالْمَعَادُ ; وَلِذَا قَالَ تَعَالَى فِي حَالِ الصَّابِرِينَ وَقَوْلِهِمْ عِنْدَمَا تُصِيبُهُمُ الْمُصِيبَةُ وَتَنْزِلُ بِهِمُ النَّازِلَةُ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=156إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ وَإِنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فِيهَا مِنْ كَمَالِ التَّفْوِيضِ وَالِاعْتِزَازِ بِجَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى وَالِاطْمِئْنَانِ إِلَى قُدْرَتِهِ مَا يَعْلُو بِالنَّفْسِ عَلَى الْأَنِينِ وَالشَّكْوَى لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى الْعَلِيِّ الْقَدِيرِ .
وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=156إِنَّا لِلَّهِ أَيْ أَنَّنَا مِلْكٌ لَهُ تَعَالَى يَتَصَرَّفُ فِينَا كَيْفَ يَشَاءُ ، وَأُمُورُنَا بَيْنَ يَدَيْهِ يُصَرِّفُهَا كَمَا يَشَاءُ ، وَهُوَ نِعْمَ الْمُعْتَمَدُ فِي كَشْفِ الضُّرِّ وَإِزَالَةِ الْكُرَبِ ، وَإِنَّهُ مَلَكَنَا بِخَلْقِهِ وَتَقْدِيرِهِ وَتَصْرِيفِهِ فِينَا وَلَهُ الْأَمْرُ وَالتَّدْبِيرُ ، وَإِلَيْهِ مَرْجِعُنَا فَنَحْنُ رَاجِعُونَ إِلَيْهِ وَحْدَهُ ، وَلِذَا قُدِّمَ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=156وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ فَنَحْنُ هُنَا فِي الْحَيَاةِ مَمْلُوكُونَ لَهُ ، وَمِنْ بَعْدِ ذَلِكَ نَرْجِعُ إِلَيْهِ وَعَسَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَيْرًا لَنَا . رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٌ بِسَنَدِهِ عَنْ
[ ص: 473 ] رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=661678مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ وَلَا نَصَبٍ وَلَا سَقَمٍ وَلَا حُزْنٍ حَتَّى الْهَمَّ يُهِمُّهُ إِلَّا كَفَّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ " .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=156إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ إِقْرَارٌ بِالتَّوْحِيدِ وَاسْتِشْعَارٌ لِلْعُبُودِيَّةِ ، وَإِيمَانٌ بِالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ ، وَفِي ذَلِكَ عَزَاءٌ أَيُّ عَزَاءٍ وَسَلْوَى عَنِ الْبَلَاءِ ، وَلَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٌ بِسَنَدِهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=54أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=658533مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=156إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ أَجِرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلُفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا ، إِلَّا أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا " .
وَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19579_19585_19576الصَّالِحِينَ لَا يَفِرُّونَ مِنَ الْمَصَائِبِ تَنْزِلُ بِهِمْ ، وَلَا يَرَوْنَهَا مِنْ جَانِبِهَا الشَّدِيدِ ، بَلْ يَرَوْنَهَا مِنْ جَانِبِهَا الصَّالِحِ الْمُفِيدِ ، فَهِيَ تُرَبِّي فِي الْمُؤْمِنِ الْإِحْسَاسَ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَالضَّعْفَ أَمَامَ الْقُدْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ وَالْإِخْلَاصَ لِلَّهِ تَعَالَى ، فَالْإِخْلَاصُ حَيْثُ الضَّعْفُ أَمَامَ اللَّهِ ، وَأَنَّهُ لَا كَاشِفَ لِلضُّرِّ سِوَاهُ ، وَإِنَّ ذَلِكَ يَجْعَلُهُ يَرْجِعُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَكُونُ مِمَّنْ أَنَابَ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=32وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَحَيْثُ يُحِسُّ بِشِدَّةِ الْمُصِيبَةِ يَتَضَرَّعُ إِلَيْهِ ، فَيَدْعُو إِلَيْهِ مُتَضَرِّعًا لِيَكْشِفَ عَنْهُ الضُّرَّ . وَإِنَّ الْمَصَائِبَ تَجْعَلُ النُّفُوسَ بَعِيدَةً عَنِ الِاسْتِكْبَارِ فَتَطْمَئِنُّ إِلَى الضُّعَفَاءِ ، وَيَتَرَبَّى فِيهَا الْحِلْمُ ، وَالْعَفْوُ وَكَثْرَةُ الثَّوَابِ بِكَثْرَةِ الصَّبْرِ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=10إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَإِنَّ الصَّالِحِينَ لِهَذِهِ الْمَصَائِبِ وَثَمَرَاتِهَا مِنْ طَهَارَةِ الْقَلْبِ وَتَنْزِيهِ النَّفْسِ يَفْرَحُونَ وَلَا يَكْرُبُونَ ، وَإِنْ كَانَتْ تَجْعَلُ غَيْرَهُمْ فِي كَرْبٍ ، وَإِنَّهُ إِذَا فَرِحَ شَكَرَهُ وَإِنَّهَا تُمَحِّصُ الْقُلُوبَ وَتُطَهِّرُهَا مِنَ الْغَطْرَسَةِ وَالْعُتُوِّ .
[ ص: 474 ] وَإِنَّ الصَّالِحِينَ بِتَفْوِيضِهِمْ أُمُورَهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَثِقَتِهِمْ بِاللَّهِ تَعَالَى يَعْلَمُونَ أَنَّ وَرَاءَ مَا نَزَلَ مِنْ مُصِيبَةٍ ضَرًّا لَهُمْ وَلِخَيْرِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=19فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا النِّسَاءَ ، وَإِنَّ الْمَصَائِبَ تَفْطِمُ النَّفْسَ عَنِ الْأَشَرِ ، وَتَبْعُدُ عَنِ التَّرَفِ ، وَوَرَاءَ التَّرَفِ الظُّلْمُ فَيَكُونُ الِاسْتِمَاعُ لِلْبَشِيرِ النَّذِيرِ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=34وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ
وَإِنَّ الرِّضَا بِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا يَنْزِلُ مِنْ نَوَازِلَ يَجْعَلُ النَّفْسَ فِي اطْمِئْنَانٍ مِنَ الْجَزَعِ وَالْهَلَعِ ، وَبُعْدٍ عَنِ السَّخَطِ وَالْغَضَبِ .
وَأَخِيرًا إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19576_19572الْمَصَائِبَ تُصْقِلُ النُّفُوسَ ، وَتُرَبِّي فِيهَا قُوَّةَ الِاحْتِمَالِ إِنْ صَبَرَتْ وَفَوَّضَتْ ، وَرَجَتِ الثَّوَابَ وَالْفَرَجَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَفِيهَا يَكْثُرُ الدُّعَاءُ لِلَّهِ تَعَالَى ،
nindex.php?page=treesubj&link=19738وَالدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ ، وَلَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ وَكَانَ بَعْضُ الصَّالِحِينَ إِذَا أَلَمَّ بِهِ مَرَضٌ أَوْ وَصَبٌ دَعَا رَبَّهُ أَنْ يَجْعَلَهُ يُحِسُّ بِنِعْمَةِ الْمَرَضِ وَالسَّقَمِ ، إِذْ إِنَّهُ يُقَرِّبُهُ مِنْ رَبِّهِ فَلَا يَطْغَى وَلَا يَسْتَغْنِي بِنَفْسِهِ عَنْ رَبِّهِ .
وَلَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي جَزَاءِ الصَّابِرِينَ عِنْدَ النَّازِلَةِ الَّتِي تَكْرُثُهُمْ ، وَالرِّضَا بِمَا يَأْتِي بِهِ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=157أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ
الْإِشَارَةُ هُنَا إِلَى الصَّابِرِينَ الَّذِينَ يَتَحَمَّلُونَ الْخَوْفَ مَهْمَا يَكُنْ مِقْدَارُهُ ، وَنَقْصَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَإِذَا نَزَلَتْ بِهِمْ نَازِلَةٌ أَصَابَتْ نُفُوسَهُمْ مِنْ فَقْدِ حَبِيبٍ أَوْ حِرْمَانٍ مِنْ مَطْلَبٍ مِنْ مَطَالِبِ الدُّنْيَا . هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تِلْكَ أَحْوَالُهُمْ ، هُمْ مِنَ الصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=157عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ الصَّلَوَاتُ جَمْعُ صَلَاةٍ ، وَجَمَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِكَثْرَتِهَا ، وَتَنَوُّعِ آحَادِهَا ،
nindex.php?page=treesubj&link=843وَالصَّلَاةُ مَعْنَاهَا الدُّعَاءُ وَلَكِنَّهَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى اسْتِجَابَةُ الدُّعَاءِ ، وَذَلِكَ بِالْعَفْوِ وَالْمَغْفِرَةِ ، وَعَفْوُ اللَّهِ وَمَغْفِرَتُهُ دَلِيلُ رِضْوَانِهِ ، وَرِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى أَكْبَرُ الْجَزَاءِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي
[ ص: 475 ] خِتَامِ جَزَاءِ الْآخِرَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=72وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَمُنَّ عَلَى عِبَادِهِ الصَّابِرِينَ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرِّضْوَانِ فَقَطْ ، وَحَسْبُهُمَا جَزَاءٌ لِلصَّبْرِ وَلَكِنْ مَنَّ بِالرَّحْمَةِ ، رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ، فَرَحِمَهُمْ فِي الدُّنْيَا بِالْهِدَايَةِ وَالتَّوْفِيقِ لِفِعْلِ الْخَيْرِ ، وَرَحِمَهُمْ فِي الْآخِرَةِ بِالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ .
وَقَدْ وَصَفَهُمْ سُبْحَانَهُ بِأَنَّهُمُ الْمُهْتَدُونَ ، فَقَالَ تَعَالَتْ كَلِمَاتُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=157وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ أَيِ الْمُتَّصِفُونَ بِالصَّبْرِ عَلَى الشَّدَائِدِ مِنَ الْخَوْفِ وَنَقْصٍ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ، هُمُ الَّذِينَ كَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمُ الْهِدَايَةَ ، وَفِي النَّصِّ السَّامِي
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=157وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ إِشَارَةٌ إِلَى قَصْرِ الْهِدَايَةِ عَلَيْهِمْ وَأَنَّهُمُ الْمُهْتَدُونَ حَقًّا ، وَذَلِكَ بِتَعْرِيفِ الْمُسْنَدِ وَالْمُسْنَدِ إِلَيْهِ وَبِالضَّمِيرِ " هُمْ " وَذَلِكَ أَشْرَفُ بَيَانٍ أَنَّهُمُ الْمُخْتَصُّونَ وَحْدَهُمْ بِالْهِدَايَةِ الْكَامِلَةِ وَهَبَنَا اللَّهُ تَعَالَى عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرَحْمَتَهُ وَهِدَايَتَهُ .
* * *