[ ص: 483 ] الوحدانية والوثنيون
nindex.php?page=treesubj&link=19059_27962_32428_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=159إن الذين يكتمون ما أنـزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون nindex.php?page=treesubj&link=19705_19721_28723_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=160إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم nindex.php?page=treesubj&link=19059_30437_30539_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=161إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين nindex.php?page=treesubj&link=30431_30437_30539_34141_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=162خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون nindex.php?page=treesubj&link=28662_28723_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=163وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم nindex.php?page=treesubj&link=28659_30340_31753_31755_31756_31758_31761_32433_32438_32440_32441_32445_32446_34255_34277_34437_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنـزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون
* * *
بعد أن أنهى الله تعالى موضوعات أهل الكتاب في هذا الموضع من القرآن ، وقد كان فيهم كفران النعم ، والنفاق وكثرة العدوان والفساد في الأرض ، والعبث بالأحكام ، والاستهزاء بآيات الله تعالى . بعد ذلك أخذ يبين أقوال الوثنيين وإثبات وحدانية الله تعالى ، وابتدأ القول في بيان حال الكفار من المشركين وأهل الكتاب الذين ماتوا على الكفر ، فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=161إن الذين كفروا وماتوا وهم
ذكر بعض العلماء أن موضوع الآية الكريمة كفار
مكة الوثنيون قبل أن يدخلوا في الإسلام ، بدليل الكلام بعد ذلك في الوثنية والوثنيين ، وبيان الوحدانية ودليل التوحيد من خلق الكون .
[ ص: 484 ] ونحن نرى أن وصف الكفر يعم المشركين والكتابيين ، فالكتابيون كافرون كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=1لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ولقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=73لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ولقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون
وهذه
nindex.php?page=treesubj&link=30558_30539أوصاف الكفار ; لأنهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق ، فهم داخلون في وصف الكفار ، والكفر كله ملة واحدة ، فلا تفاوت فيهم ، ولا فضل لكافر على كافر وليس كفر دون كفر ، بل جميعهم في الجحيم على سواء .
وقد حكم الله تعالى عليهم الحكم الأبدي ، إذا ماتوا على الكفر مصرين عليه بعد أن بلغوا بالرسالة فكفروا بها ، وماتوا على الكفر بها جاحدين معاندين منافرين معذبين الضعفاء ، ومثيرين للبغضاء والأحقاد ، حكم الله تعالى عليهم بقوله عز من قائل :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=161أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ولعنة الله تعالى إبعادهم من رحمته ، وألا ينظر إليهم نظرة رضا ، ومن تكون حاله كذلك يكون في النار خالدا فيها ، ولعنة الملائكة تعذيبهم لهم بأمر الله تعالى ، وإبعادهم عن رحمته ، ولعنة الناس بنبذهم ، والدعاء باللعنة عليهم .
وهنا أمران بيانيان نشير إليهما ونجمل ولا نفصل :
أولهما - أن الإشارة في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=161أولئك عليهم لعنة الله تعود على الكفار الذين ماتوا مصرين على الكفر قد بلغتهم دعوة الله ، وكما قلنا ونكرر الإشارة إلى موصوف فيه إشارة إلى أن علة الحكم الوصف ، وهو موتهم على الكفر بعد البيان والإنذار الشديد ،
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=15وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا [ ص: 485 ] الثاني - أن الله تعالى ذكر في بيان عذابهم أن عليهم اللعنة ، أي أن اللعنة تنصب على رءوسهم انصبابا وتحيط بهم من فوق رءوسهم وعن أيمانهم ، وعن شمائلهم ، فهم بعداء عن رحمته ، وعليهم غضب الله والملائكة والناس أجمعين ، وإن تلك اللعنة تنالهم بسبب موتهم على الجحود والإصرار على الكفر .
وقد أثار الناس جدلا موضوعه هل تجوز
nindex.php?page=treesubj&link=29648لعنة الكافر وهو حي ، فناس لم يجيزوها ، لأنه يجوز أن يتوب الله تعالى عليه ، وجواز اللعنة إنما كانت على الكفار الذين ماتوا على الكفر ، ومن كان حيا ترجى توبته ، أو تجوز توبته .
ومن العلماء من أجاز اللعنة على الحال التي هو عليها ، وخصوصا إذا كان ممن يؤذون صاحب الدعوة ، ويروى في ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن
nindex.php?page=showalam&ids=59عمرو بن العاص ، وهو على الكفر ، فيروى في ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "
اللهم إن nindex.php?page=showalam&ids=59عمرو بن العاص هجاني وقد علم أني لست بشاعر ، فالعنه واهجه عدد ما هجاني " .
وقد اتفق أهل العلم على أن اللعن الذي ذكرته هذه الآية عقاب من الله تعالى ، وغضب على الكافر ، وجزاء له كجزاء جهنم .
وأكثر العلماء على أن
nindex.php?page=treesubj&link=19066لعن المسلم لا يجوز ولو كان عاصيا ، لأنه يخزيه ويذله ، وخزيانه وذله يقربه من الشيطان ويجعل للشيطان مدخلا في نفسه ، يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=656283أنه أتي بشارب خمر مرارا ، فقال بعض من حضره : لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به ، فقال الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - : " لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم " .
وقد بين سبحانه أنهم خالدون في عذابهم ، فقال تعالت كلماته :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=162خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون الخلود هو البقاء الدائم الذي لا نهاية له ، وكثيرا ما يذكر الخلود موصوفا بالدوام ، وبصيغة مؤكدة ، وقد انحرف بعض الناس فقال إنهم يبقون في العذاب بمقدار جرمهم الدنيوي وزمانه ، وذلك انحراف في الفكر وإن قاله بعض الذين لم يعرفوا بالانحراف .
[ ص: 486 ] والضمير في ( فيها ) يعود على اللعنة ، وتكون اللعنة من الله تعالى مقتضية الدخول في النار ، لأنها متضمنة غضب الله تعالى يوم القيامة ، وغضب الله تعالى مقترن به عذابه ، وإنه عذاب مؤلم مستمر لا يخفف عنهم ، ولا ينقطع بل هو مستمر ، لأن سببه استمر طول حياتهم في الدنيا ، ولا ينظرون ، وقد أكد الله تعالى أنهم لا ينظرون ولا يؤجلون بذكر ضمير الفصل الذي يؤكد الحكم .
وقد صرح الله سبحانه وتعالى بالوحدانية ، فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=163وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم وقوله تعالى : " وإلهكم " بالإضافة إليهم فيه إشارة إلى أن المعبود الذي تعبدونه بحق إله واحد ، فالذين تعبدونهم من أوثان وأحجار ليسوا بآلهة بل إلهكم الحق الذي يجب أن تعبدوه واحد لا إله إلا هو ، لا يعبد بحق إلا هو ، ولا يمكن أن يسمى غيره من الأوثان باسمه ، إنما هي أسماء سميتموها ما أنزل الله بها من سلطان ، فالإله هو الخالق الذي ينفع ويضر ، وأنشأ الوجود برحمته ، وعمهم بنعمته ، ولقد وصفه سبحانه وتعالى بأنه " الرحمن الرحيم " الذي يتصف بالرحمة ، وتعتبر صفة من صفاته ، وهو الذي يرحم العباد فعلا ، وقد بينا معنى الاسمين الكاملين من قبل .
وقد ذكر سبحانه وتعالى هذين الوصفين من بين الأسماء الحسنى ; لأنهم يحسون بأنهم في آلائه ، ورحمته ، فهم إذا كانوا في شدة لا يستغيثون بآلهتهم ، وإذا كانوا في ضر لا يلجئون إلا إليه
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=62أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله ويقول تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=12وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون ويقول تعالى في بيان حالهم في مأساتهم وشدائدهم وأنهم يضرعون إليه :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=63قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=64قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون
فأولئك الوثنيون من
العرب كانوا يعرفون الله تعالى ولكن يعبدون أوثانهم ، وعندما تشتد الشديدة عليهم يلجئون إلى الله وحده مستعينين طالبين الرحمة من
[ ص: 487 ] عنده ، ولا يرجون الرحمة من غيره قط ; ولذا كان وصفه بالرحمة ; لأنهم يلجئون إليه وحده عند رجاء الرحمة فلا يرجونها من غيره ، وكأن المعنى : الواحد الأحد هو الذي يرحمكم عندما تضرعون إليه فكان المنطق يوجب عليكم ألا تعبدوا غيره .
ولقد بين سبحانه دلائل وحدانيته ، وأن خلق الوجود بإرادته ، ولم يخلق الوجود من غير إرادة خلاقة مسيطرة على ما في الوجود ، يعرف ما خلق ، ويدبره والدليل على ذلك :
أولا - تنوع خلقه من سماوات وأرضين ، ومن ماء ينزل فيحيي الأرض بعد موتها ، مما يدل على أنه مخلوق بإرادة واحدة .
ثانيا - تصريف الوجود من حال إلى حال ، من ظلمة ونور وليل ونهار ، يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل .
ثالثا - المخلوقات المستمرة من رياح تتحرك وسحاب مسخر ، وجريان الفلك على الماء بأمره ، وكل ذاك لمعنى أريد ، وغاية قصدت لا تكون إلا من خالق مريد منفرد بالإيجاد .
رابعا - الإيجاد بالتوالد المستمر ، وانتظام هذا الوجود مما يدل على وحدة الموجد ،
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=22لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون
فهذه الآية الكريمة تشير إلى القدرة المنفردة بالتكوين ، فتنفرد لا محالة بالعبادة والألوهية ، وفي معنى هذه الآية وإن كانت بأسلوب بياني آخر ،
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=6أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=7والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=8تبصرة وذكرى لكل عبد منيب nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=9ونـزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=10والنخل باسقات لها طلع نضيد nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=11رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج [ ص: 488 ] هذه إشارات إلى بعض ما في الآية من بينات ، وأدلة على أن خالق الكون واحد مدبر وحده لا يشاركه في هذا الإيجاد المحكم الذي يسير على سنة رسمها منشئه ، لا تقدير لخلق إلا من الله وحده ، وهو العليم الحكيم . ولنذكر ما ساقه سبحانه وتعالى من كلمات في هذا الكون .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164إن في خلق السماوات والأرض قالوا : إن المشركين لما ذكر الله سبحانه وتعالى وحدانيته طلبوا دليلا على الدعوى ، وإردافها ببينة واضحة ، فقال الله تعالى ذلك ، وإذا لم يكن سؤال ، فإنها جواب على فرض سؤال إذ العقل طلعة يريد معرفة سر كل شيء .
والسماوات جمع سماء ، وجمعت لأنها تشتمل على طبقات مختلفة من أبراج ونجوم وكواكب يمسكهن الله تعالى برباط محكم مما سنه في الكون من جاذبية رابطة ، ونسق بهيج ،
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=41إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده فهو سبحانه خلقها وأمسكها وحفظها من أن تنتثر أو أن تنفطر ووحد الأرض ; لأنها في سطحها وظاهرها شيء واحد ، وإن كانت هي الأخرى طبقات .
وآية السماوات ما فيها من أبراج ونجوم وارتفاعها بغير عمد ترفعها ، وما فيها من الشمس والقمر والنجوم السائرة الباهرة مشرقة ومغربة نيرة ، وغير نيرة .
وآية الأرض ما فيها من بحار وجبال رواس ، وما في باطنها من فلزات ومعادن وماس ، وما في بحارها من لآلئ ومرجان وعنبر ، فكل هذا آية على وجود الله تعالى ووحدانيته ; فهو خالق الوجود وحده .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164واختلاف الليل والنهار بأن يكون كل واحد منهما خلفا ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=62وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة واختلافهما من حيث الظلمة والنور ، ومن حيث الطول والقصر وأن يطول الليل مرة أكثر من النهار وأن يطول النهار أخرى أكثر كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=61ذلك بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=37وآية لهم الليل [ ص: 489 ] نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون وآية الليل والنهار هي انتظامهما وتغير أحوالهما بفعل الواحد الحكيم العليم .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس والفلك تذكر - وتؤنث ، وهي السفن التي تحمل الأثقال وتنقلها من بلد إلى آخر ، أو إقليم إلى آخر ، لينتفع أهل الأرض بكل خيراتها ، وما يفضل من إقليم ينقل إلى غيرها ، فيعم الخير ، ويتبادل الناس جميعا ما في الأرض من نبات وحيوان ; ولذا قال سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164التي تجري في البحر بما ينفع الناس وآية الفلك أنها تحمل أثقالا ويحملها الماء السائل الرقيق ، ولقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=41وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=42وخلقنا لهم من مثله ما يركبون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=43وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=44إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين
وإن في الفلك آيات أخرى في تسخير الله تعالى لها بالرياح تجريها وتتحرك حيث أراد محركها ، وإنه بعد اتساع العلم ، وقدرة الإنسان في تسخير الآلات والسيطرة عليها ما زالت الرياح عاملا قائما في تسيير الجاريات وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164وما أنـزل الله من السماء من ماء السماء المراد بها ما علا مما يتصل بالأرض ، وإن الله وحده هو الذي ينزل الماء أي الأمطار ، ولأنها تجيء من غير حسبان ، وتجيء بالاستسقاء أحيانا ، أسند إنزال الماء إليه سبحانه وتعالى ، لأنه المصرف للسحاب ، ولا يمكن ابن الأرض أن يعرف متى تمطر السماء ، ومتى يكون مطرها غيثا يسقي الناس والدواب والأنعام والحرث والنسل ومتى يكون وابلا عاصفا مفسدا وفاسدا . وبين الله تعالى وجها من وجوه النعمة في نزول المياه من السماء إلى الأرض بتسخيره ، فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164فأحيا به الأرض بعد موتها والمراد الظاهر أنها من قبله كانت جرداء لا نبات فيها ، ولا زرع ولا ثمر ، فكانت كالميت فينزل الماء فيحييها بالخضرة والنضرة ، وتصير كأنها الحي ، في ريق حياته ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=33وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=34وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=35ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون [ ص: 490 ] وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164وبث فيها من كل دابة الدابة كل ما يدب على الأرض من الحيوان كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=6وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها وبث أي فرقها ونشرها من أنعام وإنسان وطير وغير ذلك من الحيوان ، فإن ذلك كله من الماء الذي ينزل من السماء سواء أكان سيلا يسيل ، أم نهرا يجري ، أم عينا تختزن فيها مياه الأمطار في باطن الأرض ، ولقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=30وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون والآية في ذلك أن الماء به الحياة ، والله تعالى منزله ومجريه ولو شاء ما كان في الناس هذه الحياة من كل زوج بهيج .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164وتصريف الرياح معناه إرسالها على غير صورة واحدة ، فقد تكون عقيما ، وقد تكون مملوءة ماء ، وقد تكون عاصفا وقد تكون رخاء ، وتكون حارة أحيانا وباردة أحيانا ، وقد تجيء من الشمال وقد تكون من الجنوب ومن الشرق أحيانا ، ومن الغرب أحيانا أخرى ، وفي مقدار تسييرها للسفن الجاريات في البحر ما بين كبيرة وصغيرة ودافعة ورافعة ، وإن ذلك كله بتقدير العزيز العليم ، وقد يقولون : إن ذلك كله يكون تابعا لسنن كونية آتية من حرارة الأرض أو برودتها ، وإن ذلك لحق ، ولكن من الذي سن هذه السنن الكونية ; إنه هو الله تعالى ، وهو قادر على تغييرها ، وهذه آية من آيات الله تعالى في الكون ، وفيه بيان قدرة الله تعالى وحكمته العالية .
وإن الله تعالى نصر نبيه بالريح في غزوة الخندق ، وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=650977نصرت بالصبا ، وأهلكت عاد بالدبور " ، ولقد قال تعالى في غزوة الخندق :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=9فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكل خواص الرياح من آيات الله تعالى الدالة على وحدانيته وانفراده بالخلق والتكوين وذلك يقتضي انفراده تعالى بالعبادة فلا يعبد سواه ولا إله إلا الله .
[ ص: 491 ] وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164والسحاب المسخر بين السماء والأرض والسحاب ظلال تنتقل بين السماء والأرض ، وسميت سحابا لانسحابها من مكان إلى آخر ، وهي قد تكون ممتلئة فتنزل على الأرض إذا بردت ، ويكون منها الودق ، وقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=43ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينـزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار والسحاب المسخر المذلل لأوامر الله تعالى يبعثه من مكان إلى مكان كما يريد سبحانه ، وهو العليم الخبير ، فيذهب بمطره إلى الأرض التي يريد الله تعالى إحياءها ، ولقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=9والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت ويقول تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=57حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فالسحب هي التي سخرت لتوزيع المياه بإرادة الله تعالى من أرض لا تنبت إلى أرض أخرى تنبت ، فإذا كان الله ينزل من السماء ماء ليكون منه حياة كل شيء ، فالله سبحانه وتعالى سخر السحاب لتوزيع هذا الماء الذي ينزله على حسب الحاجة وعلى حسب حكمته ، وسنته .
هذا الذي ذكره سبحانه من خلق السماوات والأرض والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ، والمطر الذي ينزله من السماء ، وتصريف الرياح بسنن كونية نظمها ، والسحاب المسخر بين السماء والأرض ، فيه آيات بينات ، وأدلة واضحات قاطعة تدل على وجود الله تعالى وانفراده سبحانه بتدبير الكون ، وعلى أن إرادة واحدة هي التي أنشأته وهي التي تديره ، سبحان الله رب العالمين ; ولذلك قال تعالى بعد أن ذكر تلك الآيات البينات
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164لآيات لقوم يعقلون هذه الجملة السامية فيها جواب " إن " في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164إن في خلق السماوات والأرض إلى آخر الآية الكريمة . " آيات " ، أي أدلة قاطعة لا مجال للريب فيها
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164لقوم يعقلون أي يعملون عقولهم لا أهواءهم ، ولم تطمس عليها أوهام توارثوها ، وتقليد استمسكوا به ، وقالوا ما نعبد إلا ما كان يعبد آباؤنا من قبل .
وعبر سبحانه وتعالى بـ " قوم " للإشارة إلى الأقوام التي لا تعقل ولا تفكر .
* * *
[ ص: 483 ] الْوَحْدَانِيَّةُ وَالْوَثَنِيُّونَ
nindex.php?page=treesubj&link=19059_27962_32428_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=159إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْـزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ nindex.php?page=treesubj&link=19705_19721_28723_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=160إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ nindex.php?page=treesubj&link=19059_30437_30539_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=161إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ nindex.php?page=treesubj&link=30431_30437_30539_34141_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=162خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ nindex.php?page=treesubj&link=28662_28723_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=163وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ nindex.php?page=treesubj&link=28659_30340_31753_31755_31756_31758_31761_32433_32438_32440_32441_32445_32446_34255_34277_34437_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
* * *
بَعْدَ أَنَّ أَنْهَى اللَّهُ تَعَالَى مَوْضُوعَاتِ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنَ الْقُرْآنِ ، وَقَدْ كَانَ فِيهِمْ كُفْرَانُ النِّعَمِ ، وَالنِّفَاقُ وَكَثْرَةُ الْعُدْوَانِ وَالْفَسَادُ فِي الْأَرْضِ ، وَالْعَبَثُ بِالْأَحْكَامِ ، وَالِاسْتِهْزَاءُ بِآيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى . بَعْدَ ذَلِكَ أَخَذَ يُبَيِّنُ أَقْوَالَ الْوَثَنِيِّينَ وَإِثْبَاتَ وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَابْتَدَأَ الْقَوْلَ فِي بَيَانِ حَالِ الْكُفَّارِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ مَاتُوا عَلَى الْكُفْرِ ، فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=161إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ
ذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَوْضُوعَ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ كُفَّارُ
مَكَّةَ الْوَثَنِيُّونَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ ، بِدَلِيلِ الْكَلَامِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْوَثَنِيَّةِ وَالْوَثَنِيِّينَ ، وَبَيَانِ الْوَحْدَانِيَّةِ وَدَلِيلِ التَّوْحِيدِ مِنْ خَلْقِ الْكَوْنِ .
[ ص: 484 ] وَنَحْنُ نَرَى أَنَّ وَصْفَ الْكُفْرِ يَعُمُّ الْمُشْرِكِينَ وَالْكِتَابِيِّينَ ، فَالْكِتَابِيُّونَ كَافِرُونَ كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=1لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ وَلِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=73لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ
وَهَذِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=30558_30539أَوْصَافُ الْكُفَّارِ ; لِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ ، فَهُمْ دَاخِلُونَ فِي وَصْفِ الْكُفَّارِ ، وَالْكُفْرُ كُلُّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ ، فَلَا تَفَاوُتَ فِيهِمْ ، وَلَا فَضْلَ لِكَافِرٍ عَلَى كَافِرٍ وَلَيْسَ كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ ، بَلْ جَمِيعُهُمْ فِي الْجَحِيمِ عَلَى سَوَاءٍ .
وَقَدْ حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمُ الْحُكْمَ الْأَبَدِيَّ ، إِذَا مَاتُوا عَلَى الْكُفْرِ مُصِرِّينَ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ بُلِّغُوا بِالرِّسَالَةِ فَكَفَرُوا بِهَا ، وَمَاتُوا عَلَى الْكُفْرِ بِهَا جَاحِدِينَ مُعَانِدِينَ مُنَافِرِينَ مُعَذِّبِينَ الضُّعَفَاءَ ، وَمُثِيرِينَ لِلْبَغْضَاءِ وَالْأَحْقَادِ ، حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=161أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ وَلَعْنَةُ اللَّهِ تَعَالَى إِبْعَادُهُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ ، وَأَلَّا يَنْظُرَ إِلَيْهِمْ نَظْرَةَ رِضًا ، وَمَنْ تَكُونُ حَالُهُ كَذَلِكَ يَكُونُ فِي النَّارِ خَالِدًا فِيهَا ، وَلَعْنَةُ الْمَلَائِكَةِ تَعْذِيبُهُمْ لَهُمْ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَإِبْعَادُهُمْ عَنْ رَحْمَتِهِ ، وَلَعْنَةُ النَّاسِ بِنَبْذِهِمْ ، وَالدُّعَاءِ بِاللَّعْنَةِ عَلَيْهِمْ .
وَهُنَا أَمْرَانِ بَيَانِيَّانِ نُشِيرُ إِلَيْهِمَا وَنُجْمِلُ وَلَا نُفَصِّلُ :
أَوَّلُهُمَا - أَنَّ الْإِشَارَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=161أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ تَعُودُ عَلَى الْكُفَّارِ الَّذِينَ مَاتُوا مُصِرِّينَ عَلَى الْكُفْرِ قَدْ بَلَغَتْهُمْ دَعْوَةُ اللَّهِ ، وَكَمَا قُلْنَا وَنُكَرِّرُ الْإِشَارَةُ إِلَى مَوْصُوفٍ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ عِلَّةَ الْحُكْمِ الْوَصْفُ ، وَهُوَ مَوْتُهُمْ عَلَى الْكُفْرِ بَعْدَ الْبَيَانِ وَالْإِنْذَارِ الشَّدِيدِ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=15وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا [ ص: 485 ] الثَّانِي - أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ فِي بَيَانِ عَذَابِهِمْ أَنَّ عَلَيْهِمُ اللَّعْنَةَ ، أَيْ أَنَّ اللَّعْنَةَ تَنْصَبُّ عَلَى رُءُوسِهِمُ انْصِبَابًا وَتُحِيطُ بِهِمْ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ ، وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ، فَهُمْ بُعَدَاءُ عَنْ رَحْمَتِهِ ، وَعَلَيْهِمْ غَضَبُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، وَإِنَّ تِلْكَ اللَّعْنَةَ تَنَالُهُمْ بِسَبَبِ مَوْتِهِمْ عَلَى الْجُحُودِ وَالْإِصْرَارِ عَلَى الْكُفْرِ .
وَقَدْ أَثَارَ النَّاسُ جَدَلًا مَوْضُوعُهُ هَلْ تَجُوزُ
nindex.php?page=treesubj&link=29648لَعْنَةُ الْكَافِرِ وَهُوَ حَيٌّ ، فَنَاسٌ لَمْ يُجِيزُوهَا ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتُوبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ ، وَجَوَازُ اللَّعْنَةِ إِنَّمَا كَانَتْ عَلَى الْكُفَّارِ الَّذِينَ مَاتُوا عَلَى الْكُفْرِ ، وَمَنْ كَانَ حَيًّا تُرْجَى تَوْبَتُهُ ، أَوْ تَجُوزُ تَوْبَتُهُ .
وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ أَجَازَ اللَّعْنَةَ عَلَى الْحَالِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا ، وَخُصُوصًا إِذَا كَانَ مِمَّنْ يُؤْذُونَ صَاحِبَ الدَّعْوَةِ ، وَيُرْوَى فِي ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَنَ
nindex.php?page=showalam&ids=59عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ ، وَهُوَ عَلَى الْكُفْرِ ، فَيُرْوَى فِي ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
اللَّهُمَّ إِنَّ nindex.php?page=showalam&ids=59عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ هَجَانِي وَقَدْ عَلِمَ أَنِّي لَسْتُ بِشَاعِرٍ ، فَالْعَنْهُ وَاهْجُهُ عَدَدَ مَا هَجَانِي " .
وَقَدِ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ اللَّعْنَ الَّذِي ذَكَرَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ عِقَابٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَغَضَبٌ عَلَى الْكَافِرِ ، وَجَزَاءٌ لَهُ كَجَزَاءِ جَهَنَّمَ .
وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19066لَعْنَ الْمُسْلِمِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ كَانَ عَاصِيًا ، لِأَنَّهُ يُخْزِيهِ وَيُذِلُّهُ ، وَخِزْيَانُهُ وَذُلُّهُ يُقَرِّبُهُ مِنَ الشَّيْطَانِ وَيَجْعَلُ لِلشَّيْطَانِ مَدْخَلًا فِي نَفْسِهِ ، يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=656283أَنَّهُ أُتِيَ بِشَارِبِ خَمْرٍ مِرَارًا ، فَقَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَهُ : لَعَنَهُ اللَّهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ ، فَقَالَ الرَّسُولُ الْكَرِيمُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " لَا تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ " .
وَقَدْ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُمْ خَالِدُونَ فِي عَذَابِهِمْ ، فَقَالَ تَعَالَتْ كَلِمَاتُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=162خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ الْخُلُودُ هُوَ الْبَقَاءُ الدَّائِمُ الَّذِي لَا نِهَايَةَ لَهُ ، وَكَثِيرًا مَا يُذْكَرُ الْخُلُودُ مَوْصُوفًا بِالدَّوَامِ ، وَبِصِيغَةٍ مُؤَكَّدَةٍ ، وَقَدِ انْحَرَفَ بَعْضُ النَّاسِ فَقَالَ إِنَّهُمْ يَبْقَوْنَ فِي الْعَذَابِ بِمِقْدَارِ جُرْمِهِمُ الدُّنْيَوِيِّ وَزَمَانِهِ ، وَذَلِكَ انْحِرَافٌ فِي الْفِكْرِ وَإِنْ قَالَهُ بَعْضُ الَّذِينَ لَمْ يُعْرَفُوا بِالِانْحِرَافِ .
[ ص: 486 ] وَالضَّمِيرُ فِي ( فِيهَا ) يَعُودُ عَلَى اللَّعْنَةِ ، وَتَكُونُ اللَّعْنَةُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مُقْتَضِيَةً الدُّخُولَ فِي النَّارِ ، لِأَنَّهَا مُتَضَمِّنَةٌ غَضَبَ اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَغَضَبُ اللَّهِ تَعَالَى مُقْتَرِنٌ بِهِ عَذَابُهُ ، وَإِنَّهُ عَذَابٌ مُؤْلِمٌ مُسْتَمِرٌّ لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ ، وَلَا يَنْقَطِعُ بَلْ هُوَ مُسْتَمِرٌّ ، لِأَنَّ سَبَبَهُ اسْتَمَرَّ طُولَ حَيَاتِهِمْ فِي الدُّنْيَا ، وَلَا يُنْظَرُونَ ، وَقَدْ أَكَّدَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ لَا يُنْظَرُونَ وَلَا يُؤَجَّلُونَ بِذِكْرِ ضَمِيرِ الْفَصْلِ الَّذِي يُؤَكِّدُ الْحُكْمَ .
وَقَدْ صَرَّحَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالْوَحْدَانِيَّةِ ، فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=163وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى : " وَإِلَهُكُمْ " بِالْإِضَافَةِ إِلَيْهِمْ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمَعْبُودَ الَّذِي تَعْبُدُونَهُ بِحَقٍّ إِلَهٌ وَاحِدٌ ، فَالَّذِينَ تَعْبُدُونَهُمْ مِنْ أَوْثَانٍ وَأَحْجَارٍ لَيْسُوا بِآلِهَةٍ بَلْ إِلَهُكُمُ الْحَقُّ الَّذِي يَجِبُ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ، لَا يُعْبَدُ بِحَقٍّ إِلَّا هُوَ ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُسَمَّى غَيْرُهُ مِنَ الْأَوْثَانِ بِاسْمِهِ ، إِنَّمَا هِيَ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ، فَالْإِلَهُ هُوَ الْخَالِقُ الَّذِي يَنْفَعُ وَيَضُرُّ ، وَأَنْشَأَ الْوُجُودَ بِرَحْمَتِهِ ، وَعَمَّهُمْ بِنِعْمَتِهِ ، وَلَقَدْ وَصَفَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِأَنَّهُ " الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ " الَّذِي يَتَّصِفُ بِالرَّحْمَةِ ، وَتُعْتَبَرُ صِفَةً مِنْ صِفَاتِهِ ، وَهُوَ الَّذِي يَرْحَمُ الْعِبَادَ فِعْلًا ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الِاسْمَيْنِ الْكَامِلَيْنِ مِنْ قَبْلُ .
وَقَدْ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ مِنْ بَيْنِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى ; لِأَنَّهُمْ يُحِسُّونَ بِأَنَّهُمْ فِي آلَائِهِ ، وَرَحْمَتِهِ ، فَهُمْ إِذَا كَانُوا فِي شِدَّةٍ لَا يَسْتَغِيثُونَ بِآلِهَتِهِمْ ، وَإِذَا كَانُوا فِي ضُرٍّ لَا يَلْجَئُونَ إِلَّا إِلَيْهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=62أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ وَيَقُولُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=12وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَيَقُولُ تَعَالَى فِي بَيَانِ حَالِهِمْ فِي مَأْسَاتِهِمْ وَشَدَائِدِهِمْ وَأَنَّهُمْ يَضْرَعُونَ إِلَيْهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=63قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=64قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ
فَأُولَئِكَ الْوَثَنِيُّونَ مِنَ
الْعَرَبِ كَانُوا يَعْرِفُونَ اللَّهَ تَعَالَى وَلَكِنْ يَعْبُدُونَ أَوْثَانَهُمْ ، وَعِنْدَمَا تَشْتَدُّ الشَّدِيدَةُ عَلَيْهِمْ يَلْجَئُونَ إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ مُسْتَعِينِينَ طَالِبِينَ الرَّحْمَةَ مِنْ
[ ص: 487 ] عِنْدِهِ ، وَلَا يَرْجُونَ الرَّحْمَةَ مِنْ غَيْرِهِ قَطُّ ; وَلِذَا كَانَ وَصْفُهُ بِالرَّحْمَةِ ; لِأَنَّهُمْ يَلْجَئُونَ إِلَيْهِ وَحْدَهُ عِنْدَ رَجَاءِ الرَّحْمَةِ فَلَا يَرْجُونَهَا مِنْ غَيْرِهِ ، وَكَأَنَّ الْمَعْنَى : الْوَاحِدُ الْأَحَدُ هُوَ الَّذِي يَرْحَمُكُمْ عِنْدَمَا تَضْرَعُونَ إِلَيْهِ فَكَانَ الْمَنْطِقُ يُوجِبُ عَلَيْكُمْ أَلَّا تَعْبُدُوا غَيْرَهُ .
وَلَقَدْ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ دَلَائِلَ وَحْدَانِيَّتِهِ ، وَأَنَّ خَلْقَ الْوُجُودِ بِإِرَادَتِهِ ، وَلَمْ يَخْلُقِ الْوُجُودَ مِنْ غَيْرِ إِرَادَةٍ خَلَّاقَةٍ مُسَيْطِرَةٍ عَلَى مَا فِي الْوُجُودِ ، يَعْرِفُ مَا خَلَقَ ، وَيُدَبِّرُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ :
أَوَّلًا - تَنَوُّعُ خَلْقِهِ مِنْ سَمَاوَاتٍ وَأَرَضِينَ ، وَمِنْ مَاءٍ يَنْزِلُ فَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَخْلُوقٌ بِإِرَادَةٍ وَاحِدَةٍ .
ثَانِيًا - تَصْرِيفُ الْوُجُودِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ ، مِنْ ظُلْمَةٍ وَنُورٍ وَلَيْلٍ وَنَهَارٍ ، يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ .
ثَالِثًا - الْمَخْلُوقَاتُ الْمُسْتَمِرَّةُ مِنْ رِيَاحٍ تَتَحَرَّكُ وَسَحَابٍ مُسَخَّرٍ ، وَجَرَيَانِ الْفُلْكِ عَلَى الْمَاءِ بِأَمْرِهِ ، وَكُلُّ ذَاكَ لِمَعْنًى أُرِيدَ ، وَغَايَةٍ قُصِدَتْ لَا تَكُونُ إِلَّا مِنْ خَالِقٍ مُرِيدٍ مُنْفَرِدٍ بِالْإِيجَادِ .
رَابِعًا - الْإِيجَادُ بِالتَّوَالُدِ الْمُسْتَمِرِّ ، وَانْتِظَامُ هَذَا الْوُجُودِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى وَحْدَةِ الْمُوجِدِ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=22لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ
فَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تُشِيرُ إِلَى الْقُدْرَةِ الْمُنْفَرِدَةِ بِالتَّكْوِينِ ، فَتَنْفَرِدُ لَا مَحَالَةَ بِالْعِبَادَةِ وَالْأُلُوهِيَّةِ ، وَفِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ وَإِنْ كَانَتْ بِأُسْلُوبٍ بَيَانِيٍّ آخَرَ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=6أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=7وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=8تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=9وَنَـزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=10وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=11رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ [ ص: 488 ] هَذِهِ إِشَارَاتٌ إِلَى بَعْضِ مَا فِي الْآيَةِ مِنْ بَيِّنَاتٍ ، وَأَدِلَّةٍ عَلَى أَنَّ خَالِقَ الْكَوْنِ وَاحِدٌ مُدَبِّرٌ وَحْدَهُ لَا يُشَارِكُهُ فِي هَذَا الْإِيجَادِ الْمُحْكَمِ الَّذِي يَسِيرُ عَلَى سُنَّةٍ رَسَمَهَا مُنِشِئُهُ ، لَا تَقْدِيرَ لِخَلْقٍ إِلَّا مِنَ اللَّهِ وَحْدَهُ ، وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ . وَلْنَذْكُرْ مَا سَاقَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ كَلِمَاتٍ فِي هَذَا الْكَوْنِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قَالُوا : إِنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَحْدَانِيَّتَهُ طَلَبُوا دَلِيلًا عَلَى الدَّعْوَى ، وَإِرْدَافَهَا بِبَيِّنَةٍ وَاضِحَةٍ ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ سُؤَالٌ ، فَإِنَّهَا جَوَابٌ عَلَى فَرْضِ سُؤَالٍ إِذِ الْعَقْلُ طُلَعَةٌ يُرِيدُ مَعْرِفَةَ سِرِّ كُلِّ شَيْءٍ .
وَالسَّمَاوَاتُ جَمْعُ سَمَاءٍ ، وَجُمِعَتْ لِأَنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى طَبَقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ أَبْرَاجٍ وَنُجُومٍ وَكَوَاكِبَ يُمْسِكُهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى بِرِبَاطٍ مُحْكَمٍ مِمَّا سَنَّهُ فِي الْكَوْنِ مِنْ جَاذِبِيَّةٍ رَابِطَةٍ ، وَنَسَقٍ بَهِيجٍ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=41إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ فَهُوَ سُبْحَانَهُ خَلَقَهَا وَأَمْسَكَهَا وَحَفِظَهَا مِنْ أَنْ تَنْتَثِرَ أَوْ أَنْ تَنْفَطِرَ وَوَحَّدَ الْأَرْضَ ; لِأَنَّهَا فِي سَطْحِهَا وَظَاهِرِهَا شَيْءٌ وَاحِدٌ ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْأُخْرَى طَبَقَاتٌ .
وَآيَةُ السَّمَاوَاتِ مَا فِيهَا مِنْ أَبْرَاجٍ وَنُجُومٍ وَارْتِفَاعُهَا بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرْفَعُهَا ، وَمَا فِيهَا مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ السَّائِرَةِ الْبَاهِرَةِ مُشَرِّقَةً وَمُغَرِّبَةً نَيِّرَةً ، وَغَيْرَ نَيِّرَةٍ .
وَآيَةُ الْأَرْضِ مَا فِيهَا مِنْ بِحَارٍ وَجِبَالٍ رَوَاسٍ ، وَمَا فِي بَاطِنِهَا مِنْ فِلِزَّاتٍ وَمَعَادِنَ وَمَاسٍ ، وَمَا فِي بِحَارِهَا مِنْ لَآلِئَ وَمَرْجَانٍ وَعَنْبَرٍ ، فَكُلُّ هَذَا آيَةٌ عَلَى وُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَحْدَانِيَّتِهِ ; فَهُوَ خَالِقُ الْوُجُودِ وَحْدَهُ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بِأَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَلَفًا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=62وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً وَاخْتِلَافُهُمَا مِنْ حَيْثُ الظُّلْمَةِ وَالنُّورِ ، وَمِنْ حَيْثُ الطُّولِ وَالْقِصَرِ وَأَنْ يَطُولَ اللَّيْلُ مَرَّةً أَكْثَرَ مِنَ النَّهَارِ وَأَنْ يَطُولَ النَّهَارُ أُخْرَى أَكْثَرَ كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=61ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=37وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ [ ص: 489 ] نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ وَآيَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ هِيَ انْتِظَامُهُمَا وَتَغَيُّرُ أَحْوَالِهِمَا بِفِعْلِ الْوَاحِدِ الْحَكِيمِ الْعَلِيمِ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَالْفُلْكُ تُذَكَّرُ - وَتُؤَنَّثُ ، وَهِيَ السُّفُنُ الَّتِي تَحْمِلُ الْأَثْقَالَ وَتَنْقُلُهَا مِنْ بَلَدٍ إِلَى آخَرَ ، أَوْ إِقْلِيمٍ إِلَى آخَرَ ، لِيَنْتَفِعَ أَهْلُ الْأَرْضِ بِكُلِّ خَيْرَاتِهَا ، وَمَا يَفْضُلُ مِنْ إِقْلِيمٍ يُنْقَلُ إِلَى غَيْرِهَا ، فَيَعُمُّ الْخَيْرُ ، وَيَتَبَادَلُ النَّاسُ جَمِيعًا مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ نَبَاتٍ وَحَيَوَانٍ ; وَلِذَا قَالَ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَآيَةُ الْفُلْكِ أَنَّهَا تَحْمِلُ أَثْقَالًا وَيَحْمِلُهَا الْمَاءُ السَّائِلُ الرَّقِيقُ ، وَلَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=41وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=42وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=43وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=44إِلا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ
وَإِنَّ فِي الْفُلْكِ آيَاتٍ أُخْرَى فِي تَسْخِيرِ اللَّهِ تَعَالَى لَهَا بِالرِّيَاحِ تُجْرِيهَا وَتَتَحَرَّكُ حَيْثُ أَرَادَ مُحَرِّكُهَا ، وَإِنَّهُ بَعْدَ اتِّسَاعِ الْعِلْمِ ، وَقُدْرَةِ الْإِنْسَانِ فِي تَسْخِيرِ الْآلَاتِ وَالسَّيْطَرَةِ عَلَيْهَا مَا زَالَتِ الرِّيَاحُ عَامِلًا قَائِمًا فِي تَسْيِيرِ الْجَارِيَاتِ وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164وَمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ السَّمَاءُ الْمُرَادُ بِهَا مَا عَلَا مِمَّا يَتَّصِلُ بِالْأَرْضِ ، وَإِنَّ اللَّهَ وَحْدَهُ هُوَ الَّذِي يَنْزِلُ الْمَاءَ أَيِ الْأَمْطَارَ ، وَلِأَنَّهَا تَجِيءُ مِنْ غَيْرِ حُسْبَانٍ ، وَتَجِيءُ بِالِاسْتِسْقَاءِ أَحْيَانًا ، أَسْنَدَ إِنْزَالَ الْمَاءِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، لِأَنَّهُ الْمُصَرِّفُ لِلسَّحَابِ ، وَلَا يُمْكِنُ ابْنُ الْأَرْضِ أَنْ يَعْرِفَ مَتَى تُمْطِرُ السَّمَاءُ ، وَمَتَى يَكُونُ مَطَرُهَا غَيْثًا يَسْقِي النَّاسَ وَالدَّوَابَّ وَالْأَنْعَامَ وَالْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَمَتَى يَكُونُ وَابِلًا عَاصِفًا مُفْسِدًا وَفَاسِدًا . وَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهًا مِنْ وُجُوهِ النِّعْمَةِ فِي نُزُولِ الْمِيَاهِ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ بِتَسْخِيرِهِ ، فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَالْمُرَادُ الظَّاهِرُ أَنَّهَا مِنْ قَبْلِهِ كَانَتْ جَرْدَاءَ لَا نَبَاتَ فِيهَا ، وَلَا زَرْعَ وَلَا ثَمَرَ ، فَكَانَتْ كَالْمَيِّتِ فَيَنْزِلُ الْمَاءُ فَيُحْيِيهَا بِالْخُضْرَةِ وَالنُّضْرَةِ ، وَتَصِيرُ كَأَنَّهَا الْحَيُّ ، فِي رَيِّقِ حَيَاتِهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=33وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=34وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=35لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ [ ص: 490 ] وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ الدَّابَّةُ كُلُّ مَا يَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْحَيَوَانِ كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=6وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا وَبَثَّ أَيْ فَرَّقَهَا وَنَشَرَهَا مِنْ أَنْعَامٍ وَإِنْسَانٍ وَطَيْرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْحَيَوَانِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ سَوَاءٌ أَكَانَ سَيْلًا يَسِيلُ ، أَمْ نَهْرًا يَجْرِي ، أَمْ عَيْنًا تُخْتَزَنُ فِيهَا مِيَاهُ الْأَمْطَارِ فِي بَاطِنِ الْأَرْضِ ، وَلَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=30وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ وَالْآيَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمَاءَ بِهِ الْحَيَاةُ ، وَاللَّهُ تَعَالَى مُنَزِّلُهُ وَمُجْرِيهِ وَلَوْ شَاءَ مَا كَانَ فِي النَّاسِ هَذِهِ الْحَيَاةُ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ مَعْنَاهُ إِرْسَالُهَا عَلَى غَيْرِ صُورَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَقَدْ تَكُونُ عَقِيمًا ، وَقَدْ تَكُونُ مَمْلُوءَةً مَاءً ، وَقَدْ تَكُونُ عَاصِفًا وَقَدْ تَكُونُ رُخَاءً ، وَتَكُونُ حَارَّةً أَحْيَانًا وَبَارِدَةً أَحْيَانًا ، وَقَدْ تَجِيءُ مِنَ الشَّمَالِ وَقَدْ تَكُونُ مِنَ الْجَنُوبِ وَمِنَ الشَّرْقِ أَحْيَانًا ، وَمِنَ الْغَرْبِ أَحْيَانًا أُخْرَى ، وَفِي مِقْدَارِ تَسْيِيرِهَا لِلسُّفُنِ الْجَارِيَاتِ فِي الْبَحْرِ مَا بَيْنَ كَبِيرَةٍ وَصَغِيرَةٍ وَدَافِعَةٍ وَرَافِعَةٍ ، وَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ بِتَقْدِيرِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ، وَقَدْ يَقُولُونَ : إِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يَكُونُ تَابِعًا لِسُنَنٍ كَوْنِيَّةٍ آتِيَةٍ مِنْ حَرَارَةِ الْأَرْضِ أَوْ بُرُودَتِهَا ، وَإِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ ، وَلَكِنْ مَنِ الَّذِي سَنَّ هَذِهِ السُّنَنَ الْكَوْنِيَّةَ ; إِنَّهُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى تَغْيِيرِهَا ، وَهَذِهِ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْكَوْنِ ، وَفِيهِ بَيَانُ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَحِكْمَتِهِ الْعَالِيَةِ .
وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَرَ نَبِيَّهُ بِالرِّيحِ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ ، وَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=650977نُصِرْتُ بِالصَّبَا ، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ " ، وَلَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=9فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكُلُّ خَوَاصِّ الرِّيَاحِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الدَّالَّةِ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ وَانْفِرَادِهِ بِالْخَلْقِ وَالتَّكْوِينِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي انْفِرَادَهُ تَعَالَى بِالْعِبَادَةِ فَلَا يُعْبَدُ سِوَاهُ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ .
[ ص: 491 ] وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَالسَّحَابُ ظِلَالٌ تَنْتَقِلُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، وَسُمِّيَتْ سَحَابًا لِانْسِحَابِهَا مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ ، وَهِيَ قَدْ تَكُونُ مُمْتَلِئَةً فَتَنْزِلُ عَلَى الْأَرْضِ إِذَا بَرُدَتْ ، وَيَكُونُ مِنْهَا الْوَدْقُ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=43أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَـزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ وَالسَّحَابُ الْمُسَخَّرُ الْمُذَلَّلُ لِأَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى يَبْعَثُهُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ كَمَا يُرِيدُ سُبْحَانَهُ ، وَهُوَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ، فَيَذْهَبُ بِمَطَرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي يُرِيدُ اللَّهُ تَعَالَى إِحْيَاءَهَا ، وَلَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=9وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ وَيَقُولُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=57حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَالسُّحُبُ هِيَ الَّتِي سُخِّرَتْ لِتَوْزِيعِ الْمِيَاهِ بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَرْضٍ لَا تُنْبِتُ إِلَى أَرْضٍ أُخْرَى تُنْبِتُ ، فَإِذَا كَانَ اللَّهُ يُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيَكُونَ مِنْهُ حَيَاةُ كُلِّ شَيْءٍ ، فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سَخَّرَ السَّحَابَ لِتَوْزِيعِ هَذَا الْمَاءِ الَّذِي يُنَزِّلُهُ عَلَى حَسَبِ الْحَاجَةِ وَعَلَى حَسَبِ حِكْمَتِهِ ، وَسُنَّتِهِ .
هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ سُبْحَانَهُ مِنْ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ ، وَالْمَطَرِ الَّذِي يُنَزِّلُهُ مِنَ السَّمَاءِ ، وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ بِسُنَنٍ كَوْنِيَّةٍ نَظَمَهَا ، وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ ، وَأَدِلَّةٌ وَاضِحَاتٌ قَاطِعَةٌ تَدُلُّ عَلَى وُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَانْفِرَادِهِ سُبْحَانَهُ بِتَدْبِيرِ الْكَوْنِ ، وَعَلَى أَنَّ إِرَادَةً وَاحِدَةً هِيَ الَّتِي أَنْشَأَتْهُ وَهِيَ الَّتِي تُدِيرُهُ ، سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ; وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ تِلْكَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ السَّامِيَةُ فِيهَا جَوَابُ " إِنَّ " فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ . " آيَاتٌ " ، أَيْ أَدِلَّةٌ قَاطِعَةٌ لَا مَجَالَ لِلرَّيْبِ فِيهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ أَيْ يُعْمِلُونَ عُقُولَهُمْ لَا أَهْوَاءَهُمْ ، وَلَمْ تَطْمِسْ عَلَيْهَا أَوْهَامٌ تَوَارَثُوهَا ، وَتَقْلِيدٌ اسْتَمْسَكُوا بِهِ ، وَقَالُوا مَا نَعْبُدُ إِلَّا مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ .
وَعَبَّرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِـ " قَوْمٍ " لِلْإِشَارَةِ إِلَى الْأَقْوَامِ الَّتِي لَا تَعْقِلُ وَلَا تُفَكِّرُ .
* * *