[ ص: 455 ] ( باب الموادعة ومن يجوز أمانه ) ( ) لقوله تعالى { وإذا رأى الإمام أن يصالح أهل الحرب أو فريقا منهم وكان ذلك مصلحة للمسلمين فلا بأس به وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله } { مكة عام الحديبية على أن يضع الحرب بينه وبينهم عشر سنين } ، ولأن الموادعة جهاد معنى إذا كان خيرا للمسلمين لأن المقصود وهو [ ص: 456 ] دفع الشر حاصل به ، ولا يقتصر الحكم على المدة المروية لتعدي المعنى إلى ما زاد عليها ، بخلاف ما إذا لم يكن خيرا ; لأنه ترك الجهاد صورة ومعنى [ ص: 457 ] ( وإن صالحهم مدة ثم رأى نقض الصلح أنفع نبذ إليهم وقاتلهم ) { ووادع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل لأنه عليه الصلاة والسلام نبذ الموادعة التي كانت بينه وبين أهل مكة } ، ولأن المصلحة لما تبدلت كان النبذ جهادا وإيفاء العهد ترك الجهاد صورة ومعنى ، ولا بد من النبذ تحرزا عن الغدر ، وقد قال عليه الصلاة والسلام { } ولا بد من اعتبار مدة يبلغ فيها خبر النبذ إلى جميعهم ، ويكتفي في ذلك بمضي مدة يتمكن ملكهم بعد علمه بالنبذ من إنفاذ الخبر إلى أطراف مملكته ; لأن بذلك ينتفي الغدر . في العهود وفاء لا غدر
قال ( وإن بدءوا بخيانة قاتلهم ولم ينبذ إليهم إذا كان ذلك باتفاقهم ) لأنهم صاروا ناقضين للعهد فلا حاجة إلى نقضه بخلاف ما إذا دخل جماعة منهم فقطعوا الطريق ولا منعة لهم حيث لا يكون هذا نقضا للعهد ، ولو كانت لهم منعة وقاتلوا المسلمين علانية يكون نقضا للعهد في حقهم دون غيرهم ; لأنه بغير إذن ملكهم ففعلهم لا يلزم غيرهم حتى لو كان بإذن ملكهم صاروا ناقضين للعهد لأنه باتفاقهم معنى .