كتاب المفقود
( ويستوفي حقه ) لأن القاضي نصب ناظرا لكل عاجز عن النظر لنفسه والمفقود بهذه الصفة وصار كالصبي والمجنون ، وفي نصب الحافظ لماله والقائم عليه نظر له . وقوله يستوفي حقه لإخفاء أنه يقبض غلاته والدين الذي أقر به غريم من غرمائه لأنه من باب الحفظ ، ويخاصم في دين وجب بعقده [ ص: 142 ] لأنه أصيل في حقوقه ، ولا يخاصم في الذي تولاه المفقود ولا في نصيب له في عقار أو عروض في يد رجل لأنه ليس بمالك ولا نائب عنه إنما هو وكيل بالقبض من جهة القاضي وأنه لا يملك الخصومة بلا خلاف ، إنما الخلاف في الوكيل بالقبض من جهة المالك في الدين ، وإذا كان كذلك يتضمن الحكم به قضاء على الغائب ، وأنه لا يجوز إلا إذا رآه القاضي وقضى به لأنه مجتهد فيه ، ثم ما كان يخاف عليه الفساد يبيعه القاضي لأنه تعذر عليه حفظ صورته ومعناه فينظر له بحفظ المعنى ( ولا يبيع ما لا يخاف عليه الفساد في نفقة ولا غيرها ) لأنه لا ولاية له على الغائب إلا في حفظ ماله فلا يسوغ له ترك حفظ السورة وهو ممكن . إذا غاب الرجل فلم يعرف له موضع ولا يعلم أحي هو أم ميت نصب القاضي من يحفظ ماله ويقوم عليه
[ ص: 143 ] قال ( وينفق على زوجته وأولاده من ماله ) وليس هذا الحكم مقصورا على الأولاد بل يعم جميع قرابة الولاد .
والأصل أن كل من يستحق النفقة في ماله حال حضرته بغير قضاء القاضي ينفق عليه من ماله عند غيبته لأن القضاء حينئذ يكون إعانة ، وكل من لا يستحقها في حضرته إلا بالقضاء لا ينفق عليه من ماله في غيبته لأن النفقة حينئذ تجب بالقضاء والقضاء على الغائب ممتنع ، فمن الأول الأولاد الصغار والإناث من الكبار والزمني من الذكور الكبار ، ومن الثاني الأخ والأخت والخال والخالة . وقوله من ماله مراده الدراهم والدنانير لأن حقهم في المطعوم والملبوس فإذا لم يكن ذلك في ماله يحتاج إلى القضاء بالقيمة وهي النقدان والتبر بمنزلتهما في هذا الحكم لأنه يصلح قيمة كالمضروب ، وهذا إذا كانت في يد القاضي ، فإن كانت وديعة أو دينا ينفق عليهم منهما إذا كان المودع [ ص: 144 ] والمديون مقرين بالدين الوديعة والنكاح والنسب ، وهذا إذا لم يكونا ظاهرين عند القاضي ، فإن كانا ظاهرين فلا حاجة إلى الإقرار ، وإن كان أحدهما ظاهر الوديعة والدين أو النكاح والنسب يشترط الإقرار بما ليس بظاهر هذا هو الصحيح .
فإن دفع المودع بنفسه أو من عليه الدين بغير أمر القاضي يضمن المودع ولا يبرأ المديون لأنه ما أدى إلى صاحب الحق ولا إلى نائبه ، بخلاف ما إذا دفع بأمر القاضي لأن القاضي نائب عنه ، [ ص: 145 ] وإن كان المودع والمديون جاحدين أصلا أو كانا جاحدين الزوجية والنسب لم ينتصب أحد من مستحقي النفقة خصما في ذلك لأن ما يدعيه للغائب لم يتعين سببا لثبوت حقه وهو النفقة ، لأنها كما تجب في هذا المال تجب في مال آخر للمفقود .