الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
قال ( وإن nindex.php?page=treesubj&link=15289_15424لم تكن حاضرة ذكر قيمتها ليصير المدعى معلوما ) لأن العين لا تعرف بالوصف ، والقيمة تعرف به وقد تعذر مشاهدة العين [ ص: 160 ] وقال الفقيه nindex.php?page=showalam&ids=11903أبو الليث : يشترط مع بيان القيمة ذكر الذكورة والأنوثة .
( قال : وإن لم تكن حاضرة ذكر قيمتها ) هذا لفظ nindex.php?page=showalam&ids=14972القدوري في مختصره : أي وإن nindex.php?page=treesubj&link=15289_15424لم تكن العين المدعاة حاضرة في يد المدعى عليه بل كانت غائبة لا يدري مكانها ذكر المدعي قيمة العين المدعاة الغائبة ( ليصير المدعي معلوما ) فتصح الدعوى بوقوعها على معلوم ( لأن العين لا تعرف بالوصف ) لإمكان مشاركة أعيان كثيرة فيه ، وإن بولغ فيه فذكر الوصف لا يفيد ( والقيمة تعرف به ) أي والقيمة شيء تعرف العين به فذكرها يفيد ( وقد تعذر مشاهدة العين ) جملة حالية من قوله والقيمة تعرف به : أي والقيمة شيء تعرف به : يعني والحال أن المشاهدة متعذرة فيكون ذكر القيمة إذ ذاك أقصى ما يمكن الإعلام .
وقد جعل صاحب العناية [ ص: 160 ] الجملة المزبورة حالية من قوله لأن العين لا تعرف بالوصف فعليك الاختبار ثم الاختيار ( وقال الفقيهnindex.php?page=showalam&ids=11903أبو الليث : يشترط مع بيان القيمة ذكر الذكورة والأنوثة ) قال صاحب الكافي نقلا عن القاضي فخر الدين وصاحب الذخيرة : وإن كان العين غائبا وادعى أنه في يد المدعى عليه فأنكر أن بين المدعي قيمته وصفته تسمع دعواه وتقبل بينته ، وإن لم يبين القيمة وقال غصب مني عين كذا ولا أدري أنه هالك أم قائم ولا أدري كم كانت قيمته ذكر في عامة الكتب أنه تسمع دعواه ; لأن الإنسان ربما لا يعرف قيمة ماله ، فلو كلف بيان القيمة لتضرر به ا هـ .
وقال صاحبا النهاية والكفاية نقلا عن الإمام فخر الإسلام البزدوي : إذا كانت المسألة مختلفا فيها ينبغي للقاضي أن يكلف المدعي بيان القيمة ، وإذا كلفه ولم يبين تسمع دعواه لأن الإنسان قد لا يعرف قيمة ماله ، فلو كلفه بيان القيمة فقد أضر به ، إذ يتعذر عليه الوصول إلى حقه ، ثم قال : وإذا سقط بيان القيمة من المدعي سقط عن الشهود بالطريق الأولى ا هـ . وقال الإمام الزيلعي في شرح الكنز بعد نقل ما ذكر في الكافي : فإذا سقط بيان القيمة عن المدعي سقط عن الشهود أيضا ، بل أولى لأنهم أبعد عن ممارسته ا هـ . وقال صاحب الدرر والغرر بعد نقل ما في الكافي : أقول فائدة صحة الدعوى مع هذه الجهالة الفاحشة توجه اليمين على الخصم إذا أنكر ، والجبر على البيان إذا أقر أو نكل عن اليمين فليتأمل ، فإن كلام الكافي لا يكون كافيا إلا بهذا التحقيق ، الحمد لله على التوفيق انتهى .
أقول : يرد عليه أن ما ذكره من الفائدة جار في جميع صور دعوى المجهول دينا كان أو عينا ، فيقتضي صحة دعوى المجهول مطلقا مع أنهم صرحوا بأن من شرائط صحة الدعوى كون المدعى معلوما غير مجهول ، وأن رواية صحة دعوى العين مع جهالة القيمة إنما وردت في دعوى العين الغائبة فقط .
ويمكن أن يقال في دفعه إن مجرد جريان الفائدة المذكورة في جميع صور دعوى المجهول لا يقتضي صحة دعوى المجهول مطلقا ، بل لا بد لصحة الدعوى من علة مقتضية لها غير فائدة مترتبة عليها ، وقد بينوا تحقق العلة المقتضية لصحة الدعوى في صورة دعوى العين الغائبة المجهولة ، وهي أن الإنسان ربما لا يعرف قيمة ماله ، فلو كلف بيان القيمة لتضرر به . وبقي بيان الفائدة فيها فبينها صاحب الدرر والغرر ، بخلاف سائر صور دعوى المجهول إذ لم يتحقق فيها علة مقتضية لصحة الدعوى فلا يفيد جريان الفائدة المذكورة فيها ، ولكن يرد حينئذ أن يقال : إن مثل تلك العلة المذكورة يتحقق في غير تلك الصورة أيضا من صور دعوى المجهول ، كما إذا كان لمورث رجل ديون في ذمم الناس ولم يعرف الوارث جنس تلك الديون ولا قدرها أو لم يعرف أحدهما ، فلو كلف ذلك الوارث في دعوى تلك الديون على المديون ببيان جنسها أو قدرها لتضرر به ، إذ الإنسان ربما لا يعرف قدر مال مورثه ولا جنسه عند كون ذلك المال في يد مورثه فضلا عن أن يعرفهما عند كونه في ذمم الناس ، فينبغي أن تصح دعوى مثل تلك الديون المجهولة مثل ما قيل في صحة دعوى الأعيان الغائبة المجهولة مع أنه مما لم يقل به أحد .
ثم أقول : الظاهر من قولهم : وإذا سقط بيان القيمة عن المدعي سقط عن الشهود بالطريق الأولى أن في دعوى العين الغائبة تسمع الدعوى مع جهالة قيمة المدعى وتقبل الشهادة مع جهالة قيمة المشهود به ، لكنه مشكل جدا ، فإن القاضي بعد أن سمع هذه الدعوى وقبل هذه الشهادة لم يحكم للمدعي على المدعى عليه ، والقضاء بالمجهول غير ممكن كما صرحوا به في صدر كتاب الدعوى حيث [ ص: 161 ] قالوا : إن من شروط صحة الدعوى كون المدعى معلوما ، وعللوه بعدم إمكان القضاء بالمجهول ، لا يقال : القاضي يجبر المدعى عليه ببيان قيمة ما ادعى عليه فيحكم عليه بما بين فلا يكون القضاء بالمجهول . لأنا نقول : الجبر عليه إنما يصح لو أقر بما ادعى عليه على الجهالة ، فإن التجهيل حينئذ يصير من جهته حيث أجمل ما اعترف بلزومه عليه فعليه البيان على ما تقرر في كتاب الإقرار .
وأما إذا لم يقر به بل ثبت بالبينة كما فيما نحن فيه فلم يكن التجهيل من جهة المدعى عليه ولم يحمل شيئا فلا وجه لإجباره على البيان بمقتضى قواعد الفقه فبقي الإشكال .
فإن قلت : القاضي لا يحكم بقيمة العين الغائبة بل يحكم برد تلك العين نفسها إلى صاحبها والجهالة في قيمة تلك العين لا في نفسها فلا يلزم القضاء بالمجهول .
قلت : قد مر في الكتاب أن العين إنما تعرف بالقيمة لا بغيرها فالجهالة في قيمة العين جهالة في نفسها ، وأيضا إذا حكم القاضي برد العين الغائبة إلى صاحبها فعجز المحكوم عليه عن ردها إلى صاحبها ولم يردها إليه فالقاضي إن حكم بعد ذلك بقيمة تلك العين يعود الإشكال ، وإن لم يحكم بها يضيع حق المدعي ولا يظهر لسماع دعواه وقبول بينته فائدة .
فإن قيل : القاضي لا يحكم على الخصم بشيء من المال بل يحبسه ليرد العين المدعاة إلى المدعي ففائدة سماع الدعوى وقبول البينة هي الحبس . قلنا : إلى متى يحبسه ، إن حبسه أبدا يصير ظالما له بعد أن ظهر عجزه عن ردها إلى المدعي بأن يمضي على الحبس مدة يعلم بها أنه لو بقيت العين المدعاة لأظهرها على ما ذكر في كتاب الغصب ، وإن حبسه إلى مدة ظهور عجزه عن ردها إلى المدعي ثم خلى سبيله من غير أن يلزمه الضمان فمثل ذلك لم يعهد في الشرع عند إثبات الحقوق المالية .
وبالجملة لا يخلو المقام على كل حال عن ضرب من الإشكال