الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
. nindex.php?page=treesubj&link=15356_15364_15222قال ( فإن أحضرها قضي بها ) لانتفاء التهمة عنها ( وإن عجز عن ذلك وطلب يمين خصمه ) استحلفه ( عليها ) لما روينا ، ولا بد من طلبه لأن اليمين حقه ; ألا يرى أنه كيف أضيف إليه بحرف اللام فلا بد من طلبه .
( قال ) أي nindex.php?page=showalam&ids=14972القدوري في مختصره ( فإن أحضرها ) أي nindex.php?page=treesubj&link=15356_15364_15222فإن أحضر المدعي البينة على وفق دعواه ( قضى بها ) أي قضى القاضي بالبينة ( لانتفاء التهمة عنها ) أي عن الدعوى لترجح جانب الصدق على الكذب بالبينة وهي : أي البينة فعيلة من البيان لأنها دلالة واضحة يظهر بها الحق من الباطل ، وقيل فيعلة من البين إذ بها يقع الفصل بين الصادق والكاذب كذا في الكافي ( وإن عجز عن ذلك ) أي وإن nindex.php?page=treesubj&link=15364_15222_15221عجز المدعي عن إحضار البينة ( وطلب يمين خصمه ) وهو المدعى عليه ( استحلفه عليها ) أي استحلف القاضي خصمه على دعواه ( لما رأينا ) إشارة إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم لك يمينه بعد أن قال المدعي لا ( ولا بد من طلبه ) أي من طلب المدعي استحلاف خصمه ( لأن اليمين حقه ) أي حق المدعي ( ألا يرى أنه كيف أضيف إليه بحرف اللام ) أي كيف أضيف اليمين إلى المدعي بحرف اللام في قوله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=1758لك يمينه } والإضافة إليه بحرف اللام المقتضية للاختصاص تنصيص على أن اليمين حقه ، وإنما قال المصنف أضيف بتذكير الفعل مع كونه مسندا إلى ضمير اليمين التي هي مؤنث على تأويل القسم أو الحلف .
قال صاحب الكافي : والفقه فيه : أي في كون اليمين حق المدعي أن المدعي يزعم أنه أتوى حقه بإنكاره فشرع الاستحلاف ، حتى لو كان الأمر كما زعم يكون إتواء بمقابلة إتواء ، فإن اليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع [ ص: 169 ] وألا ينال المدعى عليه الثواب بذكر الله تعالى على سبيل التعظيم صادقا ، ولا يتضرر به بوجه انتهى . وقال صاحب النهاية بعد ذكر ما في الكافي : ثم إنما رتب اليمين على البينة لا على العكس ; لأن نفس الدعوى ليست بموجبة استحقاق المدعي للمدعى لأن فيه إساءة الظن بالآخر ، وذلك لا يجوز فوجب إقامة البينة على المدعي لإثبات استحقاقه بها ، فيطالبه القاضي بذلك لا على وجه الإلزام عليه بل على وجه التذكير له ، فلو قدمنا اليمين لم يكن فيه نظر للمدعى عليه ، إذ إقامة البينة مشروعة بعد اليمين ، فلو حلفناه أولا ثم أقام المدعي البينة افتضح المدعى عليه باليمين الكاذبة انتهى .
وقال صاحب العناية بعد نقل ما في النهاية : وفيه نظر ، وبين وجه النظر فيما نقل عنه حيث قال : وجه ذلك أن الشرع لو ورد بتقديم اليمين لما كانت إقامة البينة بعد ذلك مشروعة ، كما إذا أقام البينة فإن اليمين بعدها ليست بمشروعة ا هـ . وقال بعض الفضلاء : قوله لما كانت إقامة البينة بعد ذلك مشروعة فيه بحث ، بل تكون مشروعية البينة إذا عجز عن اليمين بأن نكل فليتأمل ا هـ .
أقول : بحثه هذا ليس بشيء لأن مراد صاحب العناية بقوله المذكور لما كانت إقامة البينة بعد تحقق اليمين وصدوره من المدعى عليه مشروعة يرشد إليه قطعا قوله كما إذا أقام البينة فإن اليمين بعدها ليست بمشروعة ، ومراد صاحب النهاية أيضا بقوله إذ إقامة البينة مشروعة بعد اليمين مشروعية إقامة البينة بعد تحقق اليمين وصدوره من المدعى عليه ; لأن افتضاح المدعى عليه باليمين الكاذبة إنما يلزم في هذه الصورة ، فاحتمال كون مشروعية البينة إذا عجز المدعى عليه عن اليمين بأن نكل لا يفيد في دفع نظر صاحب العناية عما قاله صاحب النهاية ، على أن هذا الاحتمال ليس بصحيح في نفسه لأن النكول عن اليمين ليس بعجز عنها ، إذ هو حالة اختيارية دالة على صدق المدعي ، بخلاف العجز عن البينة على ما لا يخفى .
ثم أقول : بقي نظر آخر في كلام صاحب النهاية ، وهو مشروعية إقامة البينة بعد اليمين تقتضي أن لا يكون افتضاح المدعى عليه باليمين الكاذبة محذورا شرعيا ; لأن إقامة البينة بعد اليمين تستلزم الافتضاح المزبور ، ومشروعية إقامتها بعد اليمين تقتضي حسنها ، فإن كل ما هو مشروع فهو حسن عندنا ، والظاهر أن ما يستلزم الحسن الشرعي فهو حسن شرعي أيضا فلا يصير الافتضاح المزبور محذورا شرعيا فلا يتم التقريب فتأمل .